الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

أولاد العم اللدودين

نشر بتاريخ: 04/12/2020 ( آخر تحديث: 04/12/2020 الساعة: 23:18 )
أولاد العم اللدودين

الكاتب: السفير منجد صالح

هما أولاد عم: نديم محمد الكستنائي وجميل محمود الكستنائي. يفصل بين عُمريهما المديدين ثلاثون عاما، بالتمام والكمال و"عام بينطح عام".

نديم، الكبير، عاش معظم حياته في بلاد الإغتراب، في أوروبا الشرقية. تزوّج من صبيّة تشيكوسلوفاكيّة، كانت زميلته في الجامعة في كلّية الهندسة، بيضاء اللون خضراء العينين طويلة القدّ مليحة القسمات. أنجبا بنتين وولد.

رجع نديم مع عائلته "الأجنبية" إلى البلاد عام 1995 مع العائدين بموجب "إتّفاق أوسلو"، وعُيّن مديرا عاما في إحدى الوزارات. دمث الأخلاق، طويل القامة، حلو المعشر وعالي التهذيب.

بنى فيلا جميله في قطعة أرض ورثها عن والده، الذي كان بدوره قد ورثها عن جدّ نديم، يُظللها القرميد الأحمر، في بلدته الأصلية المُتاخمة لمدينة الخليل.

يعيش حياة هانئة مع عائلته الصغيرة، قليل الإختلاط بالناس، نظرا أيضا إلى كون زوجته التشيكية "أجنبية" ولا تُجيد اللغة العربية، بل بالكاد تعرف بعض الجمل والتعابير الضرورية ذات الإستعمال اليومي، وبلهجة مُكسّرة.

لهذا فإنّه ومنذ عودته إلى البلاد واستقراره ركّب "دِشُا"(صحنا لاقطا)،على قرميد فيلته الأحمر، حيث يقضي معظم وقته في البيت، بعد انتهاء دوامه في الوزارة، يُتابع البرامج والأفلام التشيكية والبولندية والروسية.

أمّا "الصغير" جميل، ابن عمّه العشريني، فلم يُغادر البلاد طوال حياته، ولا حتى في زيارة إلى الأردن المُجاور. يسكن في بيت قديم مُتواضع، مبني على نفس قطعة الأرض الموروثة عن الجدّ، جدّ نديم وجميل.

نديم الكبير وجميل الصغير جاران. يفصل بين بيتيهما عدة أمتار فقط، طريق تُرابية. جاران وأولاد عم. جيران وأقارب، و"الأقارب عقارب" كما تقول "الحكمة" الشعبية الموروثة.

اشترى نديم مؤخّرا سيارة جديدة، سيّارة "سكودا" سوداء اللون فارهة، فأصل سيارة السكودا صناعة تشيكوسلوفاكية - وهو يحنّ إلى كلّ ما هو تشيكي، فقد كان أمضي سنين جميلة في العاصمة براغ - اشترت أصولها ألمانيا، العريقة في صناعة السيّارات، وطوّرتها، فاصبحت سيّارة قويّة عمليّة ومرغوب بها.

أراد نديم أن "يُسمّهد" الطريق الترابي وأن "يُسفلته" كي تصل سيّارته الجديدة إلى "الكراج" اسفل فيلته، مما أثار حنق ابن عمّه الصغير الذي لم يكن أصلا سعيدا بهذه الجيرة "الجديدة"، وخاصة أنّه يرى مظاهر النعمة والعيش الرغيد على ابن عمّه وعائلته "الغريبة"، مقابل الحياة المتواضعة التي يعيشها مع عائلته.

وجد الفرصة سانحة لإفتعال مزيد من المشاكل والإشكاليات مع ابن عمّه الصبور. وجد "مادة دسمة" لإختلاق "طوشة" جديدة مع نديم، الذي يتفادى عادة الدخول في سجال مع "هذا الولد"!!!

ادّعى جميل بأن ابن عمّه "الطمّاع" تعدّى على حُدود أرضه واقتطع منها نصف متر لطريق سيّارته "بلطجة وزورا وبُهتانا". هكذا، وبهذه الصفات، وصف جميل "فعلة" ابن عمّه، وواجهه بها مُحتدّا وصراخه يملئ المكان.

ومما زاد الطين بلّة أنّ جميل تجرّأ، خلال عراكه مع نديم، وضرب سيارة السكودا الجديدة بحجر شجّ زجاج بابها الأمامي من جهة السائق، محاولة مباشرة للتعدّي على السيارة وعلى نديم.

نزل نديم من سيّارته وقد بلغ به السيل الزبى، و"شياطين الأرض تتنطّط أمامه". لقد كانت القشة التي قصمت ظهر البعير.

اقترب من جميل ورفع يده عاليا وأنزلها على صدغه مباشرة، أيضا من باب القرابة و"الأمل" وأن ابن عمّه صغير السن و"قليل الأدب" ويجب تأديبه.

وجم الصغير من ضربة الكف على وجهه ولم بنبس ببنت شفة. ركض مُسرعا إلى بيته وخرج منه مُسرعا. أشهر مُسدّسا في وجه ابن عمّه وضغط على الزناد فارداه قتيلا.

كاتب ودبلوماسي فلسطيني