الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

وزير الهجوم!

نشر بتاريخ: 10/08/2022 ( آخر تحديث: 10/08/2022 الساعة: 14:18 )
وزير الهجوم!



بقلم: د. صبري صيدم

لم يقتنع أحد في يوم من الأيام، بأن مسؤولية وزير الدفاع الصرفة في أي من الدول تنحصر فقط في الدفاع عن وطنه وأرضه، وإنما هو أيضاً وزير للهجوم بامتياز مهما اجتهد البعض في توصيف الدور والمهمة، لما يشمله المنصب من مسؤولية مرتبطة بضرورات العمل، وأحوال الدول وهمومها ومسؤولياتها، وما يحيق بها من أخطار وتحديات. ووزير الدفاع في دولٍ عدة يتولى مهمة مقاومة نزوات الطامحين إلى السلطة، أو الانقلاب معهم وصولاً إلى كرسي الحكم والقيادة.

المفارقة عندما ترى أربعة وزراء هجوم في آن واحد، يجمعهم كل ما ذكرناه، فهم من يطمحون إلى كرسي الحكم أو البقاء عليه، وهم من يقاتلون لإبعاد الخصوم وصولاً إلى مخاصمة بعضهم بعضا، وهم أيضاً من يقودون الحروب! ثلاث مهمات في آن واحد رأيناها في أبطال المشهد السياسي الإسرائيلي اليوم، الذين جمعتهم الحرب الأخيرة على غزة كلٌ لمآربه.

فرئيس الحكومة بالتناوب، الذي ينحدر من تجربة صحافية مدنية، ضاق ذرعاً بتنمر الكثيرين عليه لكونه لا يمتلك الخبرة الميدانية والعسكرية الكافيين، فأراد توظيف المشهد في غزة لينتصر لذاته، ويرفع مستوى شعبيته الانتخابية تمهيداً للانتخابات المقبلة، وعليه فقد وجد لابيد في حرب غزة الأخيرة فرصة ذهبية ومهمة له لا محالة.

أما رئيس الوزراء السابق بالتناوب والمطرود من رئاسة الحكومة نفتالي بينيت، فهو كما الثور الهائج والمخضب بالدماء، يحاول البقاء على قيد الحياة السياسية وإنقاذ صورته التي تشوهت بفعل السهام الكثيرة التي اخترقت جسده، واخترقت معها آماله في البقاء على عرش دولة إسرائيل.

أما وزير الدفاع الحالي والجنرال المحجوب قسراً عن الأضواء بيني غانتس، فيستعد من جديد لارتداء قفازات الملاكمة في بحث محمومٍ عن زيادة شعبيته، تمهيداً للانتخابات المقبلة الشهر المقبل، والوسيلة؟ نعم، الدم الفلسطيني من جديد، على أرضية القناعة في دولة الاحتلال، بأنه كلما ازداد تنكيلك بالفلسطينيين، أصبحت الأكثر شعبية في إسرائيل! وبما أن المزاج العام في دولة الاحتلال ومكوناته السياسية والاجتماعية لا يرى في السلام مساراً، فإن الهجوم على الفلسطينيين أياً كانت الذريعة هو ما يجعلك الأكثر شعبية.

أما «الإمبراطور» نتنياهو فهو الذي يحمل الصفات المذكورة آنفاً، كيف لا وهو المطرود من السلطة قسراً، والحالم بالعودة إلى عرش دولته جهراً، والمتمرس في التنكيل بالفلسطينيين فعلاً، والباحث عن الشعبية المهدورة حتماً، والمتأذي من ثلاثي الطيش السياسي الإسرائيلي- لابيد وبينيت وغانتس سراً وعلناً، لهو الساعي لضرب كل هؤلاء، ومن تيسر من بقية خصومه بعضهم ببعض للعودة إلى السلطة مهما كان الثمن.

وأمام كل هؤلاء تقف «الماكنة» العسكرية الصهيونية التي تستفيد من نزوات وطموحات ومغامرات الأربعة المذكورين، لتجيّر مسار دولة الاحتلال، باتجاه تحقيق مآربها. وكأن الأمن للإسرائيليين سيأتي بالإكراه والقتل والسحل والأسر، والقصف والخطف والاستيطان والتنكيل! في توظيف واضح لمشهد غير مسبوق في عصر سلطة الاحتلال وجبروته واستفراده، خاصة مع تميّز هذه الحقبة التاريخية بفعل القاسم المتغير الأكبر، ألا وهو التطبيع العربي.

فبعد أن صمتت مدافع العروبة لعقود، استترت اليوم منصاتهم الإعلامية وتلك التي يمولونها والمحسوبة عليهم في مشهد انبطاحي كئيب، وهو ما وفر لدولة الاحتلال مساحة الاستفراد الكافية والمزيد من القدرة على الفعل دونما عويل، أو قدرة عربية تستطيع في حدها الأدنى أن تصدر بيان الشجب المعهود. غاب البيان، وغاب الإعلام المأجور، وغابت الحنجرة وغاب الموقف، بعدما نامت أسلحة العروبة في مخازنها لتقضي بقية عمرها الافتراضي في مساحات الصدأ والاهتراء، بينما انتعش وزراء الهجوم في استفرادهم بإدارة معركتهم الانتخابية على حساب الشعب الفلسطيني، مقتنعين بأن القوة ستفرض الوجود والبقاء والاستمرار عبر الإطاحة بأحلام الشعب الفلسطيني برمته.

وزراء الهجوم هؤلاء لا بد أن يتعلموا من كتب التاريخ، بأن الحقوق لا تسقط بالتقادم، وأن موازين القوى دوارة وأن الحق يعلو ولا يعلى عليه، فهل تعتقد إسرائيل أن مسار التاريخ سيمشي بعكس ما خبرته البشرية، أما أنها تفّصل لذاتها تاريخاً آخر؟