الخميس: 18/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

هل تعتبر وفاة ميلوشوفيتش مقدمة لوفاة صدام حسين؟؟؟

نشر بتاريخ: 11/03/2006 ( آخر تحديث: 12/03/2006 الساعة: 00:29 )
كتب ناصر اللحام - بمساعدة منظمة صحافية اوروبية تمت دعوتنا في العام 2003 الى هولندا ، ومن امستردام الى مدينة لاهاي حيث كنت احد الصحافيين الذين سمح لهم بحضور جلسات محاكمة الرئيس اليوغوسلافي المخلوع ميلوسوفيتش .
وهناك وبعد تفتيشات دقيقة جدا من قبل شرطة الامم المتحدة دخلنا الى بناية المحكمة ، ومن هناك دلفنا الى رواق ثم الى الطابق الثاني حيث كانت تجري المحاكمة ، ولمن لا يطيق صبرا لمتابعة المحاكمة وجها لوجه كان هناك شاشة عملاقة تبث داخل البناية وقائع المحكمة .
ولكنني كصحافي عربي فلسطيني ومسلم ، لم احظ برؤية الزعماء والقادة سوى على شاشة التلفزيون او على منصات الخطابة وهم يهددون ويتوعدون ، لم افوت الفرصة لرؤية زعيم دولة في قفص الاتهام .
الصحافيون الاجانب واصحاب الدعوة حاولوا طوال الطريق ان يخففوا عني من ما وصفوه - الم اللحظة - وطلبوا مني ان لا اشتم رئيس يوغوسلافيا حين اراه امامي ؟؟؟
استغربت جدا وسألت الزميل سمير مطير وهو صحافي فلسطيني يعمل في الامم المتحدة في نيويورك : ولماذا يتوقعون مني ان اشتم ميلوسوفيتش؟؟ سألت باستغراب كبير . فأجابني انهم يعتقدون اننا حاقدون عليه لانه ذبح المسلمين في كوسوفو .
وحينها سألت المضيف : وهل استطيع أن اشتم جورج بوش وامريكا مثلا ؟؟؟ عم الذهول الحضور لبرهة ثم انبرت سيدة للاجابة : وقالت ان الضحية عادة ما تشعر بمثل شعوري وتمتزج مشاعر الغضب المكبوت من الماضي مع صدمة اللحظة فيتكون ما أشعر به انا الان .

دخلت الى القاعة وكنت اعتقد انني سأرى رئيس دولة مهان وذليل ، يصرخ في وجهه النائب العام وهو يحاول ان يلتمس عذرا .
وبالفعل وجدت رجلا طويل القامة ، يلبس بدلة سوداء انيقة ويحاول الدفاع عن نفسه بينما رجل اخر مضئ الوجه و امامه شاشة كمبيوتر ينهال عليه بالاسئلة ويجلده بالاثباتات ويوبخه على كذبه .
الرجل الاول المهان كان السفير الامريكي ، والرجل الذي امامه كمبيوتر واوراق كان الرئيس اليوغوسلافي ميلوسوفيتش ، وكان الرئيس اليوغوسلافي الذي قرر ان يوكل مهمة الدفاع عن نفسه لنفسه ، يستجوب السفير الامريكي ويقول له انه كاذب ، ولماذا لم يتصل به على الهاتف ودار الحوار التالي :
السفير الامريكي : حاولت ان اتصل بالرئيس ميلوسوفيتش ولكنه لم يرد على الهاتف ؟
ميلوسوفيتش : ولماذا لم تبلغ مدير مكتبي انك تريد ان تتحدث الي بامر مهم مثل هذا ؟
السفير الامريكي : هذه مواضيع لا يجري الحديث فيها الا معك شخصيا .
ميلوسوفيتش : ولماذا لم تتصل بي على هاتفي النقال - لديك الرقم ؟؟
السفير الامريكي : حاولت ان اتصل بك ولكن قالوا لي انك موجود في منزلك في الارياف والاشارة هناك ضعيفة .
ميلوسوفيتش : يعني الولايات المتحدة لم تتمكن من الاتصال بي ، ولذلك قمتم بشن حرب وقصفتم عاصمتي لانني لم اكن موجود على التلفون ؟ ألا تخجل من قول ذلك ؟
السفير الامريكي : أنا حاولت ايصالك رسالة الرئيس الامريكي ولكن لم اتمكن من العثور عليك .
ميلوسوفيتش : أكتفي بهذا القدر من استجواب الشاهد .

وهنا وبعد هذا المقطع من المحاكمة ، قمت من بين الحضور وكان الحضور من مختلف الشخصيات المهمة في العالم اجمع ، وبدأت اشق طريقي بين المقاعد للانصراف ، ولحقت بي المضيفة وطلبت مني ان اضبط اعصابي لان ميلوسوفيتش كان وقحا ولم يعترف بارتكاب جرائم ضد المسلمين ورجتني مرة اخرى ان لا اشتم ميلوسوفيتش فهو في نهاية الامر سجين ومتهم ويحاكم وسينال جزاءه .
قلت لها يا سيدتي من شان الله افهميني انا لا اريد ان اشتم ميلوسوفيتش ، وبالعكس انا اريد ان اشتم الظروف الدولية التي تجري .
وبعد الحاح كبير شرحت لها وجهة نظري ، وكان ذلك اثناء لقاء عام جمع الصحافيين مع خبراء القانون الدولي وجرائم الحرب في الامم المتحدة وقلت لها : ان هذه المحاكمة تكلف حتى الان ما يقارب 200 مليون دولار ولو ان الامم المتحدة اعطت هذه المبلغ لضحايا حرب البلقان لكنت اشعر بسعادة اكبر من سعادة رؤيتي لرئيس يوغوسلافيا في المحكمة .


ثم توجهت بالسؤال حول ظروف سجنه ، وهو الذي يعتبرونه مجرم حرب ، فتبين لي ان الرجل يعيش في جناح كامل وان لديه كمبيوتر وقاعة رياضة ونزهة وصحف ووسائل اعلام تلفزيونية واشرطة فيديو وكمبيوتر وجميع الاشياء التي لا يملكها عامة الناس .
فسألت الخبير من الامم المتحدة بسرعة تلقائية : هل تستطيع الامم المتحدة ان توفر لرئيس دولتنا السيد ياسر عرفات المحاصر في مقاطعة رام الله ما توفره للسيد ميلوسوفيتش ؟؟؟؟
فضحك الجميع وقال الخبير انه لا يعرف لماذا اسال هذا السؤال ؟ ولكن وبعد ان تضامن الصحافيون الاجانب معي قال الخبير : ان حصار السيد عرفات ممنوع من الناحية القانونية وان اسرائيل لا تلتزم بالقوانين .

وبعد هذه السنوات كنت قد نسيت القصة ، وتذكرتها حيت اعلنت وكالات الانباء وفاة ميلوسوفيتش واعود مرة اخرى لاتذكر وجه السفير الامريكي الخائف ووجه الرئيس اليوغوسلافي الواثق من براءته .

وتراودني افكار على شكل اسئلة : محاكمة ميلوسوفيتش لم تنتهي ، والولايات المتحدة لم تنقل صدام حسين الى سجن لاهاي ، والرئيس عرفات استشهد في مقاطعته ، وشارون مات من دون ان يدفن ويقول الاطباء انه اصبح مثل الشجرة يعيش لكنه لا يتحرك .

واتذكر قصة الجدار في محكمة لاهاي ، وقضية مجزرة مخيم جنين ولماذا لم تصل الى محكمة لاهاي ، وكيف صرخ صحافي اسرائيلي في وجهي في لندن حين قلت مجزرة مخيم جنين وقال : اياك ان تقول مجزرة - فسالته وماذا اقول عن جيش يهجم على مخيم لاجئين بالطائرات النفاثة والمدافع ومضادات الصواريخ ؟؟؟؟ فقال ان الاصح ومن الناحية الصحافية الاحترافية الموضوعية ان تقول معركة جنين .

وبصراحة وحين مات ميلوسوفيتش هناك في لاهاي ، لا استبعد ان يموت صدام في سجنه ببارجة امريكية أو في سجن ابو غريب ، ويستغرب اصدقائي حين أقول بعد ان زرت لاهاي للمرة الثالثة : لا هاي ولا ما يحزنون .