السبت: 12/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

التكنولوجيا في عالم السياسة: الشخصية والتأثير

نشر بتاريخ: 18/09/2024 ( آخر تحديث: 18/09/2024 الساعة: 10:12 )
التكنولوجيا في عالم السياسة: الشخصية والتأثير

بقلم: د. صبري صيدم

أصبحت التكنولوجيا في العصر الحديث محور اهتمام الشعوب قاطبة، بل باتت تحتل ساعات طويلة من حياتهم اليومية بصورة تقلص معها التفاعل الآدمي، ليحل مكانه التفاعل الإلكتروني الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وحتى الرياضي، وباتت كبرى الشركات لاعباً متزايد الأهمية في تشكيل السياسة العالمية والمحلية.

وتتجاوز تأثيرات التكنولوجيا حدود الابتكار التقني، لتصل إلى التأثير على سياسات الدول وصناعة القرارات المصيرية فيها، ناهيكم عن دورها العسكري متزايد الأثر والتأثير، وصولاً إلى قدرتها على ترجيح كفة طرف على طرف في حربٍ ما، إما عبر قدراتها التفجيرية، أو كفاءة إصابة أهدافها، أو حتى القتل عن بعد كما حصل في لبنان مع كتابة هذه الكلمات.

ومع تنامي القدرات المالية لشركات التكنولوجيا، وكثافة توغلها في حياة الناس، خاصة مع تواتر الابتكارات، التي قادت نحو بروز الأجيال المتعاقبة من الاتصالات، زادت العائدات النقدية لهذا القطاع، مستفيدة من توسع انتشار الإنترنت، وتطور الهواتف الذكية وتطبيقاتها، وتوسع القدرات التقنية التخزينية، وتعاظم الخدمات الهاتفية، وارتفاع وتيرة العالم، خلال كورونا وبعدها، في العمل عن بعد، وازدياد دور الحوسبة السحبية، وصولاً إلى بروز نجم الذكاء الاصطناعي، وقدرته الفائقة على تعظيم دور التكنولوجيا وخدماتها في حياة الناس.

ومع تواصل سطوع نجم التكنولوجيا ومدخولاتها، فقد شهد العالم تنامياً ملحوظاً لدور تلك الشركات التقنية العملاقة، وتعاظم دخول بعض عمالقتها إلى مساحات السياسة، إما من باب الرقابة، أو توجيه الوعي العام، أو الدخول المباشر إلى حلبات السياسة، بحثاً عن دور إشهاري رائد. وعلى قاعدة «ان تكون مركز الجدل يجعلك أكثر شهرة ودخلاً» فقد دخل عالم السياسة إيلون ماسك، مؤسس شركات تسلا وسبيس إكس وغيرها الكثير، ليصبح وفي وقت وجيز مثالاً حيوياً على كيفية تأثير قادة التكنولوجيا في الساحة السياسية والعالمية. وتحقيقاً لغرض الدخول الأوسع في عالم السياسة، استفاد ماسك من تنامي دور الشركات الكبرى في صياغة الاستراتيجيات السياسية العالمية، خاصة من قبل غوغل وفيسبوك، ومايكروسوفت، وسامسونغ، التي تمثل قوىً اقتصادية هائلة قادرة على التأثير في سياسات الحكومات والاقتصاد العالمي. هذه الشركات ليست فقط مصادر رئيسية للابتكار، ولكنها أيضا مؤثرة بشكل كبير في النقاشات السياسية والقرارات الاستراتيجية.

ولعل مفصل التأثير الأساس يكمن في اعتماد الحكومات على التكنولوجيا لتحسين أجهزتها الأمنية، وإدارة البنية التحتية، وتعزيز الاقتصاد الرقمي، ما يجعل العلاقة بين السياسيين وهذه الشركات علاقة معقدة ومترابطة. ويمثل إيلون ماسك، كمؤسس ورئيس لشركات متعددة تعنى بالتكنولوجيا المتقدمة، نموذجا بارزا لهذا التأثير. إذ باتت نشاطاته تتجاوز حدود شركاته، ولتصل إلى ساحة السياسة الدولية. وعليه فقد أعاد ماسك وعبر سبيس إكس، على سبيل المثال، تعريف كيفية النظر إلى السفر الفضائي، من خلال جعل الطيران إلى الفضاء أقل تكلفة ومتاحاً للراغبين، بالإضافة إلى تجسيد حلم الاستيطان على كوكب المريخ. هذه الأهداف الطموحة لا تمثل فقط طموحات علمية، ولكن لها أيضا تأثيرات سياسية كبيرة، حيث تتداخل مع السياسات الفضائية الدولية، وتدفع الدول إلى إعادة التفكير في الاستراتيجيات المرتبطة فعلاً بالنشاط الفضائي.

علاوة على ذلك، ومن خلال شركة تسلا، التي تعد رائدة في مجال السيارات الكهربائية والطاقة المستدامة، ساهم ماسك في تحفيز النقاشات العالمية حول تغير المناخ واستدامة البيئة وخلق تكنولوجيا مبتكرة تخدم هذا الهدف، حيث يمكن أن تؤدي الابتكارات في مجال الطاقة إلى تغييرات في كيفية صياغة السياسات البيئية والاقتصادية على مستوى عالمي. لكن تأثير ماسك الذي يصفه الكثيرون بالمجنون إنما يتجاوز اليوم حدود التكنولوجيا، حيث يسعى لتثبيت نفسه كلاعب أساسي في النقاشات السياسية حول قضايا متعددة. فعلى سبيل المثال، رأينا ماسك وهو يدخل على خط الصراع الروسي الأوكراني، ليدعو ضمناً قادة التكنولوجيا إلى لعب دور أكبر في التأثير في الأزمات الجيوسياسية، خاصة مع اقتراحه لخطة سلام تتضمن تقديم أوكرانيا تنازلات لصالح روسيا، وهو ما أثار جدلاً واسعاً وأدى إلى نقاشات حادة حول التوازن بين الابتكار والتأثير السياسي.

ولم يتوقف ماسك عند هذا الحد وإنما شهدت الأشهر الماضية دخوله على الخط في غزة والبرازيل وفنزويلا، وصولاً إلى إعلانه صراحة عن دعمه لدونالد ترامب في حملته الانتخابية. لا يقتصر التأثير السياسي للشركات التكنولوجية الكبرى على الأفراد فحسب، بل غالباً ما تكون تلك الشركات قادرة على ممارسة ضغوط كبيرة على الحكومات لتحقيق مصالحها الخاصة، سواء من خلال الضغط من أجل تشريعات مريحة، أو عبر ممارسة نفوذ اقتصادي لدعم سياسات معينة. وعليه فإننا نرى اليوم كيف لشركات في وادي السيليكون أن تستفيد من السياسات التي تدعم الابتكار التكنولوجي، أو توفر حوافز ضريبية، وذلك بغرض تعزيز قواها أكثر فأكثر والتأثير في سبل صياغة السياسات العامة. وفي السياق المحلي، يمكن أن تتدخل هذه الشركات أيضا في السياسة، من خلال تقديم الدعم المالي للحملات الانتخابية، أو عبر التأثير على السياسات المحلية التي تتعلق بالضرائب والتجارة والتنظيم، وينعكس التأثير المتزايد لهذه الشركات على الحياة اليومية للمواطن عبر تدخل البعض في صناعة السياسات الوطنية وتوسيع دائرة التدخل في مصانع القرار.

خلاصة القول، إن التأثير الذي تمارسه بعض الشخصيات المرتبطة بعالم التكنولوجيا ومعها الشركات التقنية الكبرى مثل تسلا وسبيس إكس، ومن خلفها قادة بارزون مثل إيلون ماسك، إنما يعكس تحولا جذريا في كيفية تفاعل التكنولوجيا مع السياسة العالمية والمحلية، إذ يمكن لشخصيات التكنولوجيا الوازنة وشركاتهم أن يلعبوا دورا محوريا في صياغة السياسات والتأثير على العلاقات الدولية، وهو يبرز أهمية الوعي بهذه الديناميكيات في عالمنا المعاصر. فهل تتسع دائرة تأثير رجالات التكنولوجيا في السياسة في عالمنا العربي مع تنامي تقنيات الاتصال وتطبيقأتها؟ ننتظر ونرى!

[email protected]

ملاحظة: المقال مدعم بالمحتوى من خلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي