الثلاثاء: 06/05/2025 بتوقيت القدس الشريف

"درع السودان" و"القوات المشتركة".. انتهاكات المليشيات في السودان في الواجهة

نشر بتاريخ: 06/05/2025 ( آخر تحديث: 06/05/2025 الساعة: 14:32 )
 "درع السودان" و"القوات المشتركة".. انتهاكات المليشيات في السودان في الواجهة

السودان - معا- منذ اندلاع النزاع المسلح في السودان في أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، شهدت البلاد تصاعداً مقلقاً في انتشار الكتائب والمليشيات المسلحة، خاصة تلك التي تحالفت مع الجيش السوداني.

هذه الجماعات، التي تشمل كتائب مثل "البراء بن مالك" و"درع السودان"، لم تقتصر على توسيع نفوذها في المناطق التي يسيطر عليها الجيش، بل أثارت رعباً واسعاً بين المدنيين عبر ارتكاب انتهاكات جسيمة تشمل القتل العشوائي، النهب، والعنف الجنسي، إلى جانب تجنيد الأطفال قسراً للقتال، هذه المليشيات، التي تعمل غالباً تحت مظلة قبلية أو إيديولوجية، باتت تهدد استقرار السودان وتُعمق الأزمة الإنسانية التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها "تهدد جيلاً بأكمله".

وفقاً لتقرير صادر عن بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن السودان في سبتمبر 2024، "ارتكبت القوات المسلحة السودانية وحلفاؤها، بما في ذلك المليشيات المتحالفة، هجمات عشوائية ومباشرة على المدنيين، تشمل المدارس والمستشفيات، في انتهاكات قد ترقى إلى جرائم حرب".

كما وثّق المركز الإفريقي للعدالة ودراسات السلام في سبتمبر 2023 تورط الإدارات الأهلية المتحالفة مع الجيش في عمليات مماثلة تجنيد الأطفال باستخدام الإكراه والوعود المالية، وفي تصريح للكاتب الصحفي السوداني طاهر المعتصم في يناير 2025، "يثير القلق بشكل خاص التقارير المتزايدة حول تورط المليشيات في تجنيد الأطفال، في انتهاك واضح للمعاهدات الدولية".

ولم يعد خفيًا انخراط الميليشيات والحركات المسلحة الموالية للنظام العسكري بالسودان في مخططات واسعة للحرب الأهلية بمناطق مختلفة عبر انتهاكات لا تعد ولا تحصى من القتل والتعذيب والاعتقال والاغتصاب والاختطاف للمدنيين العزل.

فيديو حديث نشره المرصد السوداني الوطني لحقوق الإنسان يوثق فيه قيام أفراد ميليشيات «درع السودان» بقيادة أبو عاقلة كيكل بحرق منازل المدنيين في محلية أم رمته التابعة لولاية النيل الأبيض، وفي تعليقه على المقطع المصور يقول المرصد السوداني إن الحرق هو سلوك ممنهج في ارتكاب الانتهاكات ضد المواطنين الأبرياء من قبل هذه الميليشيات المتورطة في جرائم حرب عديدة ضد المدنيين.

وفي مقطع آخر وثقه المرصد، تظهر جرائم لأفراد ميليشيات القوات المشتركة بعد احتجازهم القسري لمواطن على أساس قبلي. ويؤكد المرصد أن هذه المليشيات تستهدف أفرادًا من قبائل أو عرقيات معينة كجزء من سياسة قمعية أو تمييزية، في وقت تعد الاعتقالات التعسفية انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، وتتعارض مع المبادئ الأساسية للعدالة والمساواة أمام القانون.

وتتحدث تقارير منشورة في نوفمبر من العام الماضي تزامنت مع الإعلان عن تشكيل ما تعرف بحركة «تحرير الجزيرة» عن ارتفاع عدد المليشيات المسلحة التي ظهرت خلال العام الماضي وحده إلى 13 ليتخطى عدد المجموعات المسلحة الكلي في السودان الـ100 حركة موزعة بين غرب ووسط وشمال وشرق البلاد، وهو ما أجج مخاوف من إغراق البلاد في حروب وصراعات يصعب السيطرة عليها.

في فبراير الماضي، أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش، أن قوات «درع السودان» المتحالفة مع البرهان ترتكب جرائم حرب تمثلت في قتل المدنيين وحرق مساكنهم ونهب ممتلكاتهم في ولاية الجزيرة، المنظمة الدولية قالت حينها إنه «بموجب مبدأ مسؤولية القيادة، قد يكون القادة العسكريون مسؤولين عن جرائم الحرب التي يرتكبها أفراد تابعون للقوات المسلحة، أو مقاتلون آخرون خاضعون لسيطرتهم».

بين الدرع والقوات

مع استمرار النظام والميليشيات الموالية له في جهود تجنيد واسعة النطاق على أساس عرقي، واصل البرهان الاعتماد على الميليشيات المسلحة المحلية التي تم تجميعها على مستوى المجتمعات المحلية والتي قامت بحشدها ودعمها لوجستيًا واستخدامها قوات مساعدة، وفي الفترة الأخيرة صعدت القوات المشتركة الموالية للبرهان من مبادرات التجميد في شمال دارفور لتعزيز سيطرتها على الفاشر وطرق الإمداد الاستراتيجية.

وفي أعقاب الأحداث التي شهدتها الفاشر في مايو من العام الماضي ، عقد مؤتمر الزغازة في منتصف مايو في أم جرس، وهي قرية تقع بالقرب من الحدود مع تشاد والمركز الإداري لدار زغاوة، وتوج المؤتمر بقرار حشد أعضاء الزغاوة كتدبير مضاد ضد قوات الدعم السريع.

وجرى هذا الحشد على مرحلتين، أولاهما تجنيد أعضاء في الميليشيات وثانيهما دمج مقاتلي الميليشيات في صفوف القوات المشتركة الموالية للبرهان. ثم في أكتوبر ونوفمبر من العام الماضي، اتجه زعماء سياسيون وعسكريون وقبليون بارزون من الزغاوة إلى بورتسودان. وخلال هذه الزيارات تواصلوا مع قوات البرهان والميليشيات الموالية لها لتعزيز التعاون العسكري، وبالفعل جرت عمليات تجنيد موسعة، بحسب التقرير الأممي.

يشار هنا إلى نقطة مهمة رصدها التقرير وهي النهج الاستراتيجي لإشراك القبائل الدارفورية غير العربية مثل الزغاوة في الحملة العسكرية الأوسع نطاقات لقوات البرهان، وهو ما يعكس استراتيجيات مماثلة لوحظت مع قبائل أخرى مثل الفور والمساليت.

أما كيكل فشكل قوات درع السودان في عام 2022، وجند عناصرها بشكل أساسي في ولاية الجزيرة، وقاتلت المجموعة إلى جانب النظام العسكري من أبريل 2023 إلى أغسطس 2023، ثم توقفت لفترة قبل أن تعود مرة أخرى وتنضم إلى البرهان في أكتوبر 2024.

خطر الكانتونات

يخشى وزير الثقافة والإعلام السوداني السابق الكاتب والأكاديمي فيصل محمد صالح حملات انتقامية على مدن وقرى في ظل فوضى الميليشيات المسيطرة على المشهد السوداني منذ الانقلاب الكبير الذي قاده أبو عاقلة كيكل في أكتوبر 2024، وانضمامه إلى النظام العسكري بقيادة عبدالفتاح البرهان مع قواته المسماة «درع السودان».

أظهر دخول مسلحيه للعاصمة الخرطوم صراع بين «فصائل البرهان»، وتحديدًا بين مجموعات «القوات المشتركة» المكونة أساسًا من حركات دارفور المسلحة وقوات «درع السودان»، ومجموعات الكتائب الإسلامية الإخوانية التي أحست بوجود منافسة مبنية على الأساس القبلي والمناطقي تحد من تمددها في المناطق المختلفة، بحسب صالح.

وتحولت الانتقادات إلى اتهامات بالفساد وارتكاب الجرائم والتصفيات، ووصلت لمرحلة تبادل اتهامات الخيانة والعمالة، ليظل الخطر الذي يخشاه السودانيون هو تحول هذه الصراعات الإسفيرية إلى صراعات ميليشيات مسلحة على الأرض، وهو ما بدا ظاهراً الآن إذ تحول السودان إلى «كانتونات» تدخل البلاد في دوامة لا يعرف أحد حدودها وخطوط نهايتها.

وربما يزيد من هذا المشهد الخلافات القبلية والإثنية القائمة بالفعل، حيث يوجد في السودان 570 قبيلة، تنقسم إلى 56 أو 57 فئة إثنية على أساس الخصائص اللغوية والثقافية والإثنوجرافية، وتتحدث 114 لغة مكتوبة ومنطوقة، 50 منها في جنوب السودان.

ويمكن تصنيف هذه القبائل جغرافيًا حيث تعيش مجموعة القبائل النوبية في أقصى شمال السودان بينما القبائل العربية في الوسط والنيل الأبيض وجزء من الإقليم الشمالي، وتتمركز قبائل البجا في شرق السودان، وقبائل الفور في غرب السودان، وأيضًا مجموعة قبائل المابات والانقاسنا جنوب النيل الأزرق، والقبائل النوباوية في النصف الأسفل لوسط السودان (تابعة إداريًا لإقليم كردفان)».