بقلم: د. صبري صيدم
تسعة هو عدد أطفال الطبيبة الفلسطينية آلاء النجار، الذين قضوا في خان يونس بعد غارة إسرائيلية ماحقة خلال أداء والدتهم واجبها الإنساني في مجمع ناصر الطبي قبل أيام.
وتسعة هو عدد الأيام التي قضاها جيش الاحتلال في بلدة بروقين قضاء سلفيت، بعد أن أغلق البلدة ومعها بلدة كفر الديك ليمعن في تغّوله وتغّول مستوطنيه داخل البلدتين الطاهرتين.
وتسعة هو عدد الأشهر ما بعد العشرة أشهر الأولى منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2023، وهي المدة التي نفذت فيها إسرائيل، وتنّفذ أكبر جريمة بحق الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية.
وتسعة أشهر هي تلك الفترة التي يقضيها البشر في بطون أمهاتهم قبل أن يخرجوا إلى هذا العالم الظالم، فترة استخدمها البعض كذباً للدلالة على مساواة البشر، بينما أثبت هذا البعض من البشر، أن العدالة وحقوق الإنسان والقيم البشرية ومفاهيم الإنسانية والديمقراطية والحرية والعيش الكريم، ما هي إلا أكاذيب ساقها هؤلاء لتكون في ظاهرها أخلاقية وفي بواطنها تضليلية.
وفي ظل حال كهذا، يحتدم الانفصام السياسي في تقليعاته، فالبعض يقول إنه يرفض الحرب ويدينها، بينما يستمر في تزويد إسرائيل بالسلاح، والبعض يقول أن لا مفر من معاقبة إسرائيل وقطع العلاقة الاقتصادية معها، بينما تغزو بضائعه أسواق إسرائيل ذاتها في مشهد مليء بالنفاق والخداع، والبعض يقول بأنه يلتزم بقرارات محكمة الجنايات الدولية بخصوص رئيس حكومة الحرب الإسرائيلية ووزير دفاعه المطرود يوآف غالانت، بينما يسمح لطائرة نتنياهو أن تحلق في أجوائه، وبتنسيق مسبق، والبعض يدعي دعمه لقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي بينما يصوت ضد الاعتراف بدولة فلسطينية.
عالم يثبت حجم استحكام إسرائيل بمصانع قراره، لدرجة أن كثيرين لا يجرؤون على انتقادها، أو إدانتها، أو اتخاذ قرارات ضدها، بينما يتقاطر بنو البشر بمن فيهم اليهود الرافضون لتصرفات نتنياهو وحكومته، لإدانة أفعاله والتأكيد على فشل حكومته وإصرارها على تعميق الكراهية، بحثاً عن وهم الشرق أوسط الجديد.
نتنياهو لا يصغي، لا يذعن، لا يتنازل، بل يدخل في منافسات متواصلة مع قرينيه اللدودين بن غفير وسموتريتش. فبينما ذهبا هما للرقص مع رعاع المستوطنين خلال ما يعرف بمسيرة الأعلام في القدس، اختار هو أن يصور كلمة له في نفق لئيم يشق طريقه نحو المسجد الأقصى وباقي المواقع الحساسة على أمل الوصول إلى الهيكل المزعوم.
كيف من الممكن أن تفعل إسرائيل ما فعلته، بينما ما زال البعض يمنحها الغطاء السياسي والدعم العسكري؟ كيف لها أن تفعل كل ما فعلته من قتل ودمار بينما يمنع على دول بعينها أن تمتلك منظومة سلاح تساوي أو تضاهي ما تمتلك دولة الاحتلال؟ وكيف لإسرائيل أن ترحّل شعباً بأكمله وتتحدث جهاراً نهاراً في برلمانها، وعلى لسان ساستها عن الحرق والسحق والقتل والتدمير، ما لم تكن قابضة على رقاب دولٍ بأسرها؟
المفارقة هي أن إسرائيل تريد للبشرية أن تؤمن بأن دنيا الاحتلال إنما هي أكبر من دنيا البشر وعالمهم، بصورة تمنحها حصانة حتى من الذم والنقد والانتقاد.
لا، ليس من حق البعض في هذا العالم أن يقبل باستدامة الاحتلال، فالفلسطيني لن يكون هندياً أحمراً في أرضه وعلى الجميع أن يستذكر ما ورد في سورة الإسراء: قوله تعالى: «ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات» (الإسراء:101)، ويستحضر ما هي تلك الآيات التسع البينات ليعرف أسرار المرحلة المقبلة. فهل يستفيق البشر؟ ننتظر ونرى.