تل أبيب- معا- في ظل تصاعد الانتقادات الدولية لإسرائيل على خلفية حربها في غزة، يؤكد خبراء أن الوضع الدبلوماسي لا يزال قابلًا للإصلاح، رغم أن ما يُعرف بـ"القطيعة الصامتة" بدأ ينعكس على مكانتها الدولية، حسب تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية اليوم السبت.
ويظهر ذلك في تراجع مستوى التمثيل في المؤتمر الدولي لمكافحة معاداة السامية، الذي استضافه وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر في القدس، حيث حضر وزراء خارجية فقط من أربع دول (النرويج، والمجر، وألبانيا ومولدوفا)، بالإضافة إلى وزراء من إستونيا والتشيك، بينما اكتفى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو برسالة مسجلة، وغابت معظم دول أوروبا أو مثّلت بمستويات دنيا.
رغم انعقاد المؤتمر لمكافحة ظاهرة تشهد ارتفاعا غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية، بحسب المسؤولة الأوروبية كاترينا فون شنورباين، إلا أن حضور المؤتمر عكس بشكل دقيق تراجع صورة إسرائيل في الخارج، مع استمرار الانتقادات والتهديدات الغربية دون أن تتحول إلى قطيعة لا رجعة فيها.
في موازاة ذلك، تستمر المعركة الإعلامية والدبلوماسية حول آلية توزيع المساعدات الإنسانية في غزة. ففيما تؤكد الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي أن آليات الرقابة تحول دون وقوع المساعدات في يد حماس، تقول جهات إسرائيلية وصندوق GHF (الذي ينفذ برنامجًا مشتركًا إسرائيليًا- أمريكيًا) إن حماس تستفيد من المساعدات بسبب سيطرتها على أجزاء من القطاع، وهو ما لم تثبته إسرائيل بأدلة، رغم وعودها.
بالمقابل، ورد في مسودة اتفاق وقف إطلاق النار المنشورة حديثا أن إسرائيل تقبل بتوزيع المساعدات من خلال الأمم المتحدة والصليب الأحمر، ما يعزز موقف الأمم المتحدة ويقيد حدة الانتقادات ضدها.
أما على الصعيد الأوروبي، فقد جمّدت بريطانيا مفاوضاتها على اتفاق تجارة حر مع إسرائيل، بعد تصريحات مثيرة للجدل من وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش.
ورغم ذلك، سعت لندن إلى التخفيف من لهجتها، بنشر صورة لمبعوثها التجاري خلال زيارته لميناء حيفا تحت شعار "إسرائيل ديمقراطية متعددة الثقافات".
في السياق ذاته، تلوّح إسرائيل بضم أراضٍ من الضفة الغربية إذا اعترفت الدول الأوروبية بدولة فلسطينية، بالتزامن مع تكثيف الاستيطان وتجاهل العنف المتصاعد من قبل المستوطنين، في وقت تتحضر فيه فرنسا والسعودية لعقد مؤتمر دولي لدفع حل الدولتين.
ومع ذلك، يرى خبراء أن المؤتمر لن يُحدث ضررًا فوريًا لإسرائيل بسبب غياب أي استعداد فعلي لدى الحكومة الحالية للاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ويشير البروفيسور يوآف شاني من جامعة تل أبيب إلى أن الاعترافات الدولية بفلسطين، حتى لو لم تنشئ دولة قانونية كاملة، يمكن أن تعزز مكانة السلطة الفلسطينية على المستوى الدولي، بما يشمل فتح سفارات والحصول على عضوية منظمات إضافية. لكنه أشار أيضًا إلى أن الضرر الدبلوماسي الحقيقي يكمن في الاتفاقيات التي قد لا تُوقّع أصلًا مستقبلاً، فضلًا عن تراجع التعاون الأكاديمي والتكنولوجي.
من جهتها، قالت الخبيرة في العلاقات الدولية، بنينا شيرافيت باروخ، إن "القطيعة الصامتة" باتت ملموسة بالفعل، خصوصًا في قطاع التكنولوجيا والأبحاث العلمية، حيث يُلاحظ تغييب الخبراء الإسرائيليين عن المؤتمرات وتراجع الدعوات الأكاديمية، رغم أن أحدًا لا يصرّح بأن السبب هو الهوية الإسرائيلية.
ورغم الصورة القاتمة، يؤكد مراقبون أن التدهور لا يزال قابلًا للإيقاف أو التخفيف، بشرط وقف المجاعة والقتل اليومي في غزة.
وفي هذا السياق، نقل السفير الألماني لدى إسرائيل، شتيفن زايبرت، موقفًا مؤثرًا من والدته، التي وصفها بأنها "من أكثر الداعمين لإسرائيل"، إذ اتصلت به لتسأله عن موقفه مما تشاهده من صور مروعة من غزة.