نشر بتاريخ: 03/06/2025 ( آخر تحديث: 03/06/2025 الساعة: 17:16 )
تحقيق خاص - وكالة معًا- في الوقت الذي تُحرم فيه القرى والمدن الفلسطينية داخل أراضي الـ48 من خدمات اتصالات عادلة ومساوية لما يتمتع به الاسرائيليون، تشرع إسرائيل في نصب عشرات الأبراج الضخمة في مناطق الضفة الغربية المحتلة، دون أدنى مراعاة للمعايير الدولية الصحية أو المجال الترددي الفلسطيني. هذه الأبراج التي تجاوزت كلفتها 60 مليون شيكل، تهدف -وفق الرواية الرسمية- إلى "خدمة المستوطنين الإسرائيليين"، إلا أن موقعها الفعلي يُظهر شيئًا آخر: معظمها يُبنى بمحاذاة القرى الفلسطينية، بينما تبعد كيلومترات عن أقرب مستوطنة.
تمييز مزدوج: في الداخل المحتل وفي الضفة الغربية
بحسب تقرير أصدره مركز "حملة" في مارس 2025 بعنوان "الفجوة الرقميّة: تمييز قطاع الاتصالات الإسرائيلي ضد المواطنين الفلسطينيين"، فإن الفلسطينيين داخل أراضي الـــــ ـ48 يعانون من تمييز ممنهج في خدمات الإنترنت والاتصالات. القرى غير المعترف بها في النقب، التي يسكنها أكثر من 120 ألف نسمة، تفتقر إلى الحد الأدنى من البنية التحتية، في حين تُغدق الاستثمارات على أبراج ضخمة تُنصب في أراضي الضفة الغربية، ليس لخدمة سكانها، بل لضمان راحة المستوطنين خلال تنقلاتهم على الشوارع الاستيطانية.
أبرز ما جاء في التقرير:
• الفجوة

الرقمية: يعاني الفلسطينيّون داخل اسرائيل من فجوات عميقة في الحصول على خدمات رقمية عادلة ومتساوية مقارنةً باليهود، خاصة في القرى غير المعترف بها في النقب، التي يسكنها أكثر من 120 ألف نسمة ، والمحرومة من خدمات الإنترنت الأساسية.
• الاعتماد على الهواتف المحمولة: أكثر من 25% من الفلسطينيّين في الداخل يعتمدون على الهواتف المحمولة كمصدر رئيسي للاتصال بالإنترنت، مقارنة بنسبة أقل بكثير في المجتمع اليهودي، ما يعكس ضعف البنية التحتيّة الثابتة في البلدات العربيّة.
• التمييز في البنية التحتية: تفتقر مدن مثل الناصرة إلى بنية تحتية للألياف البصرية، في حين تتوفر هذه الخدمة بشكل واسع في مدن ذات أغلبية يهودية مثل نوف هچليل، مما يعكس سياسات التمييز في التخطيط والتنفيذ.
• تفاوت في خدمات الشبكات المحمولة: تعاني مناطق بأكملها في النقب من غياب التغطية لشبكات الهواتف المحمولة، كما أن الناصرة تقتصر على شبكة الجيل الثالث (3G)، بينما تتمتع نوف هچليل بخدمة الجيل الخامس (5G)، رغم أن ما يفصل بينهما لا يتعدّى شارعًا واحدًا.
ويتساءل الفلسطيني: لماذا تحرمنا الشركات الإسرائيلية من شبكات اتصالات متطورة داخل أراضي الـــــ 48 ، بينما تُنفق ملايين الشواكل لنصب أبراج عملاقة على أراضي الضفة الغربية المصنفة "C"، وتمنع الشركات الفلسطينية من خدمة مواطنيها في تلك المناطق؟
أبراج ضخمة.. قريبة من البيوت وبعيدة عن المستوطنات

رصدت "معًا" تثبيت أبراج اتصالات شاهقة في مناطق مختلفة من الضفة الغربية، خاصة على جوانب الطرق الاستيطانية أو قرب القرى الفلسطينية. هذه الأبراج، المزودة بعدد كبير من الهوائيات وأجهزة بث قوية (Transmitter Units)، تبعد أمتارًا فقط عن منازل الفلسطينيين، في حين تفصلها كيلومترات عن المستوطنات.
أحد سكان قرية قرب طريق نابلس – طولكرم يقول:"استيقظنا لنجد برجًا ضخمًا بُني فوق تلة تطل على القرية. لم نُستشر، ولم يخبرنا أحد، ونحن لا نعلم إن كان هذا آمنًا لأطفالنا أم لا."
تجدر الإشارة هنا ان الاحتلال الإسرائيلي يمنع الشركات الفلسطينية من استخدام تقنية (4G,5G).
في تاريخ 7/12/2024 ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن الحكومة الإسرائيلية تعمل على الترويج لبناء 22 برج اتصالات وأجهزة إرسال في الضفة الغربية المحتلة، بتكلفة تقدر بـ50 مليون شيكل، كجزء من تحرك أوسع لتعزيز قبضتها على مناطق الضفة.
غياب تقييم الأثر البيئي
لا يُطلب من الشركات الإسرائيلية تقييم للأثر البيئي (EIA) قبل إقامة الأبراج في الضفة، بخلاف ما تفرضه وزارة الاتصالات الفلسطينية على الشركات المحلية. هذه الدراسة أساسية لتقدير أثر الإشعاع على صحة الإنسان والبيئة والتنوع الحيوي، خاصة في المناطق الريفية والزراعية، لكنها غائبة تمامًا عن الممارسات الإسرائيلية.
سرقة السوق الفلسطيني
الأخطر من ذلك أن إسرائيل تمنع الشركات الفلسطينية من بناء أبراج في المناطق المصنفة C، ما يدفع الفلسطينيون لاستخدام الشرائح الإسرائيلية. وتشير التقديرات حسب تصريح المدير التنفيذي لهيئة تنظيم قطاع الاتصالات م. ليث دراغمة بتاريخ 25.07.2024 أن هناك أكثر من 600 ألف شريحة إسرائيلية عاملة بالضفة الغربية، وإذا افترضنا أن كل شريحة تُستهلك بمتوسط 80 شيكل شهريًا، فإن الشركات الإسرائيلية تُحقق أرباحًا تصل لحوالي 600 مليون شيكل سنويًا من السوق الفلسطيني، دون دفع ضرائب أو التزامات بيئية أو صحية.
توصيات
• مطالبة المجتمع الدولي بإجبار إسرائيل على احترام المعايير الدولية للإشعاع وحماية البيئة.
• السماح للشركات الفلسطينية بالوصول إلى المناطق المصنفة C وتقديم خدماتها دون عوائق.
• إقامة دعوى بيئية أمام المحاكم الدولية لوقف هذه الأبراج وحماية الحق في بيئة صحية.
الخاتمة
الأبراج الإسرائيلية في الضفة تحولت إلى أدوات تمييز صحي واقتصادي، تُراكم الأرباح لصالح الاحتلال، لذلك، أصبح من الضروري اتخاذ موقف رسمي وشعبي لحماية الاقتصاد الوطني والبيئة الفلسطينية وحق الإنسان وحق المواطن في هذه العائدات الضريبية.