الخرطوم - معا- حلف الدكتور كامل إدريس اليمين الدستورية أمام رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان اليمين رئيسًا للحكومة الجديدة، التي تتخذ من مدينة بورتسودان مقرًا لها، لكن هذه اليمين حملت معها مجموعة أسئلة تدور حول مدى التوافق بين جنرالات الجيش وحلفائهم من الحركة الإسلامية باعتبارها ذراعا سياسيًا لجماعة الإخوان المسلمين في البلاد.
ففي أول قراراته بعد أدائه اليمين، حلّ إدريس الحكومة الموالية للجيش السوداني، وقرر تكليف الأمناء العامين والوكلاء بتسيير المهام إلى حين تشكيل حكومة جديدة. ويشار هنا إلى أن من بين الوزراء المقالين شخصيات موالية لجماعة الإخوان المسلمين والحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش.
يتوقع مراقبون للشأن السوداني أن تحدث خلافات بين إدريس والحركات المسلحة والإخوان المسلمين في السودان، إذ يتوقع أن يتحفظ الطرف الأخير على اختياراته وقراراته في حال قرر إعادة توزيع السلطة أو تقليص امتيازاتها المالية، وفي الصورة العامة ستحدث خلافات في جبهة بورتسودان.
لكن ما كان مُخيبا لتطلعات السودانيين هو إعلان كامل إدريس تأييده لاستمرار الحرب في خطابه الاول
الناشط السوداني محمد صلاح الدين، في تعليقه على إعلان «إدريس» تأييده الاستمرار في الحرب التي دخلت عامها الثالث، أبريل الماضي، يقول إن المهمة التالية لرئيس لهذه الحكومة هي تقليص نفوذ الحركات المسلحة والإخوان المسلمين المتحالفين مع الجيش.
ويشير صلاح الدين، في منشور على حسابه بمنصة «إكس»، إلى أن الهدف الرئيسي لرئيس الوزراء الجديد هو منح رئيس مجلس السيادة قدرة أكبر على التحكم في مفاصل الدولة عن طريق واجهة مدنية متمثلة في رئيس الوزراء. ويوضح أن جميع الأهداف المرسومة لكامل إدريس ستضح في تشكيل الحكومة الجديدة.
وفي منشور قبل أيام، كتب الناشط السوداني عن مجموعة أهداف يسعى البرهان إلى تحقيقها خلال الفترة المقبلة، وتتمثل في أن «رئيس مجلس السيادة بطبيعته يفضل تجنب المواجهات المباشرة، ويبدو أن تعيين إدريس يحقق له عدة مكاسب تكتيكية، أبرزها تحجيم نفوذ الحركات المسلحة عبر تشكيل حكومة جديدة تُضعف احتكار الحركات المسلحة للوزارات، المهمة خاصة وزارة المعادن التي تتصارع عليها الأجنحة باعتبارها مورد المال الاول في البلاد
خاصة بعد أن تحول وجود بعضهم، كجبريل إبراهيم في المالية، إلى عبء سياسي ومالي».
أما عن عملية فك الارتباط بالإسلاميين – والحديث هنا عن الحركة الإسلامية وهي ذراع الإخوان في السودان – فيقول صلاح الدين إن تعيين شخصية غير محسوبة على تيارات الإسلام السياسي يُضعف رواية أن الجيش خاضع بالكامل للإسلاميين، وقد يُرضي أطرافًا غربية تطالب بإقصائهم، لكن الحقيقة أن الصدام قادم.
في الوقت نفسه ينبه، إلى أنه في المقابل لا يملك إدريس حاضنة شعبية، ولا أدوات القوة على الأرض، ما يجعله مكشوفًا أمام شبكات المصالح والميليشيات التي تسيطر فعليًا على المشهد.
ويوضح هنا أن تعيين إدريس بدا للحرب وليس لمهمة سلام في السودان، مضيفًا: «على الرغم من الطابع المدني للخطوة، إلا أن السياق العام يؤكد أن التعيين يصب في خانة استمرار الحرب لا إنهائها؛ فبدون توافق سياسي، وبدون وقف لإطلاق النار، وبدون إصلاحات عميقة في بنية الحكم، يبقى كامل إدريس مجرد واجهة تخدم هيمنة العسكريين».
تسييس الصراع
تتزايد قناعة الناشط السوداني محمد صلاح الدين بأن خطوات كامل إدريس تمثل محاولات لتسييس الصراع وخداع المجتمع الدولي، مشيرًا إلى أن تحالفات الجيش الداخلية بقيادة عبدالفتاح البرهان تعاني من انقسام بين ضباط ذوي ولاءات متضاربة «الإسلاميين الإخوان، والقوميين، والطامحين»، ما قد يُفجر صراعًا داخليًا حال قرر إدريس إجراء تغييرات فعلية.
أما الشارع السوداني نفسه – وفق صلاح الدين - فلا يثق بأي شخصية تفرض من أعلى، وخاصة من خلفيات بعيدة عن معاناة الداخل، مما يحد من قدرة رئيس الحكومة الجديدة على خلق حاضنة شعبية فاعلة.
ببساطة فإن الهدف السياسي لتعيين كامل إدريس، هو إعطاء طابع مدني لقادة مجلس السيادة السوداني، إلا أنه من غير المتوقع أن ينجح إدريس في إحداث تغيير حقيقي، إذ يفتقر إلى أدوات السلطة الفعلية، ولا يملك حاضنة سياسية أو شعبية، ويعمل في بيئة تهيمن عليها الحركات المسلحة وتحالفات الإخوان المسلمين.
ويختم حديثه بالقول: «تعيين كامل يُرجح أن يكون خطوة رمزية دعائية أكثر منه تحولاً فعليًا، وقد يؤدي إلى مزيد من التصعيد العسكري والانقسام داخل معسكر الجيش، دون أي تقدم في مسار بناء الدولة أو تحقيق السلام».
صدام مع جبريل
ينبه الناشط السوداني مجاهد بشري، إلى أنه في خضم الانهيار المتسارع للدولة السودانية، وفي الوقت الذي تتآكل فيه شرعية مجلس السيادة في بورتسودان، منذ انقلاب أكتوبر 2021
أقدم قائد المجلس عبدالفتاح البرهان، في خطوة ذات دلالات استراتيجية هامة لفهم ما يحدث من تصدّعات تحت السطح، إلى تعيين الدكتور كامل إدريس رئيسًا لوزراء حكومة بلا سيادة ولا شرعية، في محاولة مكشوفة للهروب من شبح التفكك الداخلي والانهيار الكامل، لا سيما في ظل تصاعد الضغوط من تيار الإسلاميين الذي تقوده جماعة الإخوان.
واختيار إدريس – وفق بشري – له دلالة بعد الابتعاد عن جبريل إبراهيم وزير المالية المنتمي لحركة العدل والمساواة المسلحة في الحكومة المقالة، والذي يخشى البرهان منه تزايد نفوزه، و«هذه الخطوة لم تكن مجرد تجميل لوجه الحكم العسكري، بل تمثل في جوهرها قفزة يائسة من البرهان لإنقاذ نفسه من حافة السقوط، بعد أن أحكمت الدوائر الإخوانية الخناق عليه، وصار رهينة خياراتهم التصادمية مع الإقليم والعالم».
واسم جبريل إبراهيم الذي ظل يتردد كخيار مطروح لقيادة الحكومة، كان الرفض الحاسم بمثابة كشف لخطوط التماس داخل معسكر البرهان، فجبريل ليس مجرد حليف سياسي وعسكري، بل يمثل الامتداد الطبيعي للجناح الإسلامي الراديكالي الذي يقوده مدير المخابرات السابق صلاح قوش ويغذيه ياسر العطا وهو مساعد البرهان، و هذا التيار يغازل إيران ودول اخرى في تحالف استراتيجي خطير يهدد بانفجار إقليمي شامل.