الأحد: 19/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

سجن أريــحا جريمة صهيونية بتواطؤ أمريكي بريطاني.. بقلم: د.واصف منصور

نشر بتاريخ: 19/03/2006 ( آخر تحديث: 19/03/2006 الساعة: 10:37 )
معا- على الساعة الثامنة وخمس وخمسين دقيقة من صباح يوم الثلاثاء 14 مارس 2006 بتوقيت فلسطين، اتصل مسؤولون أمريكيون واسرائيليون من القوات المشرفة على سجن أريحا المركزي التابع للسلطة الوطنية الفلسطينية، اتصلوا بوزارة الداخلية الفلسطينية وأخبروها أن القوات الأمريكية والبريطانية ( وهي قوات رمزية عددها أربعة أفراد) سيغادرون موقعهم.

وعلى الساعة التاسعة تماما بدأت العملية العسكرية الاسرائيلية باحتلال مبنى المقاطعة الذي يضم عددا من المؤسسات الرسمية الفلسطينية ومن بينها سجن أريحا المركزي الذي كان يأوي عددا من السجناء الفلسطينيين من بينهم الأخ أحمد سعادات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والأخ فؤاد الشوبكي عضو المجلس الثوري لحركة فتح وأربعة مناضلين متهمين بقتل وزير السياحة الاسرائيلي رحبعـام زئيفي.

وقد هاجم الصهاينة مقر المقاطعة بارتال من الدبابات والمدرعات وطائرات الأباشي، في حين أن قوات الأمن الفلسطينية (بموجب اتفاقات أوسلو) لا تحمل سوى الأسلحة الخفيفة.

وقامت جرافات الجيش الصهيوني بهدم كل المباني الموجودة في محيط السجن، ووصلت الدبابات الى شبابيك السجن، وعندها استسلم الموجودون داخله، فاقتادهم الجيش الصهيوني الى معتقلات ومراكز تحقيق اسرائيلية .

وعلى الساعة السابعة والنصف مساءا أعلن قائد القوات الصهيونية التي قامت بالعملية عن انتهاء مأموريتها.

هذا ملخص لوقائع ما حدث، وتفسيرا له نورد ملخصا لتصريحات اسرائيلية وبريطانية وأمريكية حول العملية الاجرامية التي تمت:

- ناطق اسرائيلي قال ( لم يكن مفر من القيام بهذه العملية عندما اتضح ان السجانين البريطانيين والأمريكيين الذين كانوا يحرسون سجن اريحا غادروا السجن، وان قاتلي الوزير لئيفي أصبحوا تحت حراسة السلطة الفلسطينية بقيادة حماس، وبات واضحا انه سيفرج عنهم ).

- سترو وزير الخارجية البريطانية قال أن السلطة الوطنية الفلسطينية لم تف بتعهداتها لبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية بخصوص المعتقلين في سجن اريحا عندما مكنتهم من أجهزة هواتف نقالة وسمحت لها باستقبال صحافيين وشبكات تلفزيون وحتى القيام بحملاتهم الانتخابية من داخل السجن، الأمر الذي دفعنا الى سحب قواتنا من السجن .. مما يشكل اعترافا بريطانيا بالتواطؤ مع اسرائيل بسحب القوات الدولية (البريطانية والأمريكية ) والتي كان وجودها يحول دون اقتحام السجن.

- ناطق بلسان الخارجية الأمريكية قال أنهم قبل ستة أيام اخبروا السلطة الوطنية الفلسطينية بانسحاب القوات الأمريكية والبريطانية، بسبب التلميحات الصادرة عن قيادة السلطة باحتمال اطلاق سراح المعتقلين في سجن أريحا، مما يشكل اخلالا بالاتفاق المتعلق بوضعية المعتقلين . ونظرا لأن ذلك سيعرض حياة المعتقلين للخطر، أردنا ان نخلي انفسنا من مسؤولية ذلك فانسحبنا من السجن.

هكذا تتضح خيوط المؤامرة الاسرائيلية- الأمريكية- البريطانية:
. تنسحب القوات البريطانية والأمريكية دون سابق اعلام للسلطة الوطنية الفلسطينية، أو إعلام قبل خمس دقائق من الانسحاب بحيث لم يكن بامكان السلطة الوطنية الفلسطينية اتخاذ أية اجراءت احترازية، بعكس ما يدعيه البريطانيون والأمريكيون في وسائل الاعلام بأنهم اخبروا السلطة الفلسطينية.

. أضف الى ذلك ان الرسالة التي يتحدثون عن أنهم ارسلوها للسلطة الفلسطينية تضمنت فقط (شعورا بالقلق من الأوضاع الأمنية في السجن ) دون المطالبة باتخاذ أي اجراءات اضافية.

. أما ما قيل عن تلميحات فلسطينية باحتمالية اطلاق سراح المعتقلين، فانه تفسير لم يصل إليه سوى الأمريكيون والبريطانيون والاسرائيليون، لما رود على لسان الرئيس محمود عباس عندما طالبه وفد نسائي فلسطيني يوم 8 مارس بالافراج عن الأخ احمد سعادات، بإنه لامانع لديه من اطلاق سراحه شريطة ان تتعهد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالحفاظ على حياته، ولا تحمله- الرئيس- مسؤولية ما سيصيبه .

فالرئيس محمود عباس لم يقل إنه سيطلق سراح الأخ احمد سعادات، لأنه يعلم من خلال تصريحات العسكريين والسياسيين الاسرائيليين بأنهم سيغتالون الأخ أحمد سعادات لحظة خروجه من السجن.

العملية لا تحتمل سوى مسمى واحد هو (الجريمة)، والموقف الأمريكي والبريطاني لايحتمل سوى مسمى واحد هو (التواطؤ).

فالمجرم ايهودا أولمرت يريد أن يقنع الناخبين الاسرائيلين بأنه ليس أقل قسوة ودموية من أريئيل شارون، وأن بامكان الناخبين الاعتماد عليه في حفظ أمنهم.

والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لا تريدان الوصول الى حل عادل للقضية الفلسطينية، وتعلمنا ان مثل هذه الجريمة ستعيد الأوضاع في فلسطين الى نقطة الصفر.

يبقى أن ننتظر موقف المجتمع الدولي الذي يلح باستمرار على وجوب احترام الاتفاقات الدولية وقرارات الشرعية الدولية، فهل سيتخذ موقفا واضحا وحازما من هذه الجريمة النكراء ؟ أم أنه سيمارس سياسة الكيل بمكيالين كما حدث في مرات سابقة ؟

وننتظر موقف الدول العربية والاسلامية التي تمتلك الكثير من الأدوات لجعل المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تعدل عن مواقفها المنحازة للمجرمين الصهاينة.

أما الموقف الفلسطيني، فإنه وأمام الغضب الجماهيري الفلسطيني العارم، فإنه مفتوح على كل الاحتمالات، وسيكون بلاشك مع احترامه للشرعية الدولية ينطلق من مصلحة الشعب الفلسطيني وكرامته.

*د.واصف منصور / الرباط