الجمعة: 13/06/2025 بتوقيت القدس الشريف

السودان في مفترق طرق: الحرب ليست الأزمة الوحيدة

نشر بتاريخ: 12/06/2025 ( آخر تحديث: 12/06/2025 الساعة: 13:16 )
السودان في مفترق طرق: الحرب ليست الأزمة الوحيدة

بيت لحم- معا- منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، لم يعد النزاع المسلح هو التحدي الوحيد الذي يهدد استقرار البلاد، حيث تتصاعد أزمات أخرى تعقّد المشهد، تشمل صراعات سياسية داخل الحكومة الجديدة، وممارسات قمعية ضد المدنيين، وتحذيرات دولية متتالية من كارثة إنسانية واقتصادية وشيكة، هذه الأزمات المتشابكة ترسم صورة قاتمة لمستقبل البلاد.

انقسامات حادة تهدد استقرار الحكومة الجديدة

تشهد السودان صراعات سياسية داخلية متفاقمة تعرقل مسيرة الحكومة الجديدة، التي يرأسها كامل إدريس، المعيّن من قبل قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، هذه الحكومة، التي تعد أول حكومة مدنية منذ انقلاب أكتوبر 2021 الذي قاده البرهان وأطاح بحكومة عبد الله حمدوك، تواجه تحديات وجودية تتمثل في تزايد الانقسامات داخل تحالف البرهان، خاصة بين قيادة الجيش وأجنحة حركات اتفاق جوبا، بالإضافة إلى نفوذ الإسلاميين المتصاعد.

تتركز هذه الصراعات بشكل أساسي على السيطرة على وزارة المعادن، التي تُعد شريان الاقتصاد السوداني بفضل ثروات الذهب والنفط. تتهم حركات جوبا البرهان بمحاولة تهميشها لصالح الإسلاميين، الذين يسعون لاستعادة هيمنتهم السياسية داخل أروقة السلطة. هذه الاتهامات ليست مجرد خلافات شكلية، بل تعكس تنافسًا محمومًا على الموارد والنفوذ، مما يهدد بتفكك الجبهة العسكرية الهشة بالفعل.

تتجلى خطورة هذه الانقسامات في الأحداث الميدانية، ففي الأسبوع الماضي، شهدت شمال كردفان خسائر فادحة للجيش، وسط اتهامات بالخيانة ضد مقاتلي الزغاوة. هذه الفوضى الميدانية تعزز الشكوك حول قدرة البرهان على الحفاظ على تماسك تحالفه العسكري والسياسي.

وفقًا لتقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية (International Crisis Group)، فإن "الصراعات الداخلية بين حلفاء الجيش تعكس تنافسًا محمومًا على الموارد، مما يهدد بانهيار الجبهة العسكرية".

ورغم أن البرهان يروّج لحكومة كامل إدريس كواجهة مدنية لحكم العسكر، إلا أنه يسعى لإبقاء السيطرة الحقيقية في يده، مما يجعل كل طرف يسعى لانتزاع حصة أكبر من النفوذ، ويزيد من مخاطر المواجهات الداخلية التي قد تعصف بما تبقى من استقرار البلاد.

وبعيدا عن صراع النفوذ على الموارد، تتصاعد التوترات حول توزيع الحقائب الوزارية الرئيسية، خاصة وزارتي الخارجية والدفاع، بالإضافة إلى الوزارات الاقتصادية الأخرى. وفقًا لمصادر مقربة من الأوساط السياسية، أثار قرار إدريس استبعاد وزير الخارجية المكلف عمر صديق، والتوجه لتعيين دبلوماسي من جبال النوبة، جدلاً واسعًا داخل الأوساط السياسية.

تتسع الصراعات لتشمل صراعًا أوسع على النفوذ بين قيادة الجيش والميليشيات المتحالفة معه، التي تسعى للحصول على حصة كبيرة في الحكومة كمكافأة على دعمها العسكري. كانت تصريحات سابقة للبرهان قد أكدت أن هذه الميليشيات ستكون جزءًا أساسيًا من أي عملية سياسية مقبلة، مما يثير مخاوف حقيقية من تهميش القوى المدنية وتفاقم الهيمنة العسكرية على المشهد السياسي. مع سيطرة الجيش والجماعات الإسلامية المتطرفة على القرار السياسي، تتزايد الشكوك حول قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات مستقلة، خاصة في ظل استبعاد القوى المدنية الفاعلة من أي مشاركة أو حوار

تحذيرات دولية: شبح المجاعة والانهيار الاقتصادي

تتفاقم الأزمة مع تحذيرات دولية متكررة من كارثة إنسانية واقتصادية. برنامج الأغذية العالمي حذّر من مخاطر المجاعة في جنوب الخرطوم، مشيرًا إلى حاجته لتمويل عاجل بقيمة 500 مليون دولار لمواجهة انعدام الأمن الغذائي. من جهته، أصدر البنك الدولي تقريرًا في 10 يونيو 2025، توقع فيه استمرار انهيار الاقتصاد السوداني، مع ارتفاع معدلات الفقر إلى 71% بسبب توقف القطاعات الخدمية وتدمير البنية التحتية.

الحكومة تواجه تحديات اقتصادية غير مسبوقة، حيث انخفضت الإيرادات إلى 4.7% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، مقارنة بـ10% في 2022. هذا الوضع يضع ضغوطًا هائلة على حكومة إدريس، التي تواجه تحديات في إعادة بناء الثقة وتحقيق استقرار اقتصادي، خاصة في ظل سيطرة الجيش على الموارد وتركيزه على تعزيز قوته العسكرية بدلاً من إصلاحات اقتصادية شاملة.

خاتمة

السودان يقف على حافة أزمات متعددة تتجاوز الحرب المستمرة. الصراعات السياسية داخل الحكومة الجديدة، والقمع المتصاعد ضد المدنيين، والتحذيرات الدولية من مجاعة وانهيار اقتصادي، تشكل تحديات معقدة تهدد بمزيد من التدهور. في ظل غياب حوار شامل يضم كافة الأطراف، يبقى السودان عالقًا في دوامة من العنف والتفكك، مع مستقبل غامض يتطلب حلولاً عاجلة وشاملة.