الخميس: 10/07/2025 بتوقيت القدس الشريف

نعم نحن في القرن الواحد والعشرين!

نشر بتاريخ: 09/07/2025 ( آخر تحديث: 09/07/2025 الساعة: 11:09 )
نعم نحن في القرن الواحد والعشرين!

بقلم: د. صبري صيدم

نعم إنه القرن الواحد والعشرين، الذي سماه البعض بقرن الأحلام فربط به مفاهيم التطور والحداثة والبراعة والازدهار والحرية والتقدم والتألق، حتى أصبح مضرباً للمثل ومنارة يهتدى بها وعنواناً ناصعاً للدلالة على التّغير والألق والرقي والإبداع.

مقالات ودراسات واجتماعات وقمم، حملت في عناوينها مصطلح القرن الواحد والعشرين للدلالة أيضاً على ما اقتنع به البعض وهو التحول من الحروب إلى الهدوء، ومن التخلف إلى الحضارة، ومن الموت إلى الحياة. قرن أراده البعض أن يشهد ازدهار العولمة، وحوار الحضارات، وتنامي المعرفة، وتوسع المعلوماتية، وبروز الاقتصاد المعرفي، واكتساح الإنترنت، وتميّز عوالم الحوسبة السحبية، والذكاء الاصطناعي، والخلايا الجذعية، وكبريات البيانات، وتصاعدا واضحا لمفاهيم الحريات والقرية الكونية والمواطن المرتبط بكامل منظومة الخدمات المحوسبة، وفي كل القطاعات، تعليما، صحة، تجارة، طاقة، إلخ.

هكذا تفاءل العالم في ما أراده وفي ما سعى إليه وخطط له ونظّر لصالحه، ليكون بمثابة الحيز المختلف عن عصور التخلف الفائتة من استعمار وظلم وفقر وجهل وطغيان.

رسائل القرن الفاضلة كلها تحطمت أمام سايكس بيكو جديد، يمثله كل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فكلاهما اجتمعا على تقسيم الكعكة وتطبيق متجدد لرؤية سايكس بيكو القديمة، في إحياء لما تم الاتفاق عليه بين 23 نوفمبر 1915 و3 يناير 1916، وهو التاريخ الذي وقع فيه الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس على وثائق مذكرات تفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية آنذاك، وصادقت حكومات تلك البلدان على الاتفاقية في 9 و16 مايو 1916، بحيث يتم تقاسم العالم العربي بين فرنسا وبريطانيا، في حكم استعماري طال. اليوم وفي كل يوم من وجود ترامب ونتنياهو في السلطة، يتجدد النهج ذاته في فلسطين والقائم على المفاهيم التالية:

1 ـ ألا رأي للفلسطينيين، فإسرائيل تريد وأمريكا تفعل ما تريدانه هي وإسرائيل.

2 ـ تستباح جغرافيا فلسطين وتجزأ وتوزع وتقسم وتبتر، بينما لا خيار للفلسطيني إلا الرحيل، أو التحول إلى خدم مطيعين لنزوات نتنياهو ورؤيته، في طرد الفلسطينيين وتحويل أرضهم إلى مشروع استثماري، يسرق فيه غازهم وتتحول جغرافيتهم إلى رابط بين الشرق والبحر المتوسط، وبين الهند وإسرائيل ضمن مشروع تجاري ضخم.

3 ـ حرمان الفلسطينيين من دولتهم المستقلة وتقرير مصيرهم واستقلال دولتهم وعودة لاجئيهم.

4 ـ توزيع ما تبقى من دول الشرق الأوسط: إلى دول تسقط في شرك ما يعرف بالتطبيع، أو تستهدف في إطار مواجهة مباشرة، أو تخنق وترّكع مالياً عبر غرقها في ديونها ويحرم اقتصادها من التطور والثبات.

ولعل ما جرى خلال لقائي ترامب ونتنياهو الأخير فجر الثامن من يوليو عام 2025، يؤكد هذا النهج!

فالرجلان يرفعان ويكسران وينصبان ويجران، ما أرادا من فعل ممهور بتجاوز واضح للمكان وتاريخه وشعبه وضحاياه ونكباتهم ومعاناتهم. فترامب يبحث عن وقف إطلاق النار في غزة للبدء بتهجير الفلسطينيين، مؤكداً لشريكه نتنياهو بأنه قد تلقى تفاعلاً إيجابياً من قادة المنطقة لتنفيذ هذه الرؤية، وليرد عليه نتنياهو بأن لا دولة للفلسطينيين، لأنها حسب زعمه، غير مقبولة من قبل شعبه الذي يرى أن هذه الدولة لن تكون إلا لتدمير إسرائيل! ويصر على أن يحمل هو راية الأمن والسيطرة والإطباق على إرادة الفلسطينيين.

نشوة هذا وذاك توّجت بتسليم نتنياهو المطلوب من قبل محكمة الجنايات الدولية لترامب رسالة ترشيح للأخير لجائزة نوبل للسلام، ترشيح من قبل من يقف على مخزون إبادة الفلسطينيين، لمن زوده بالنار والبارود ليفوز بأرقى جوائز البشرية! نعم هذا هو القرن الواحد والعشرين بتجرد وبساطة. يقول أحدهم: «إنَّ المأساة الحقيقيّة ليست القمع والقسوة التي يمارسها الأشرار، بل الصمت الذي يُبديه الأخيار».. فهل يتخلى الأخيار عن صمتهم أم يستمر الحال على حاله؟ ننتظر ونرى..

s‭.‬saidam@gmail‭.‬com