بيت لحم معا- منذ اندلاع حرب السودان في أبريل 2023، شهدت العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وثقتها تقارير أممية ومنظمات حقوقية دولية، رافقها محاكمات صورية استهدفت المدنيين، خاصة النساء.
ففي الخرطوم، سجلت حالات قتل واعتقالات تعسفية، بما في ذلك تصفيات على أساس الهوية أو الاشتباه بالتعاون مع قوات الدعم السريع كما برزت محاكم صورية تفتقر إلى الشفافية والمعايير القانونية، حيث يُحاكم مدنيون بتهم غريبة ، مثل التعاون مع الطرف الآخر، دون أدلة موثوقة أو ضمانات قضائية.
هذه الممارسات أثارت إدانات واسعة من منظمات مثل "محامو الطوارئ" والأمم المتحدة، التي طالبت بمحاسبة المسؤولين، فإلى جانب العنف المنهجي والتشريد الجماعي، أدت هذه الانتهاكات إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، مخلفة آلاف الضحايا وملايين النازحين، وسط دعوات دولية ملحة لوقف العنف وإجراء تحقيقات مستقلة
محاكمات جائرة
تشكو المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الإفريقي من حالات الاعتقال الجائر والمحاكم الصورية للسودانيات بدعوى التعاون مع قوات الدعم السريع، مشيرة السودان شهد خلال الحرب المستمرة لأكثر من عامين، انتهاكات واسعة بحق النساء والفتيات، شملت القتل والاغتصاب والتعذيب والاختفاء القسري، إلى جانب محاكمات جائرة ضد النساء والفتيات.
استندت المبادرة النسائية في شكواها إلى حالة الشابة السودانية الدر حمدون التي جرى اعتقالها لعام وشهرين بشكل جائر بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع، مؤكدة أن «الدر - 24 عامًا»، تم اعتقالها في 13 مايو 2024 عند نقطة تفتيش الدامر أثناء قدومها من الخرطوم.
وبعد تحقيقات مع الشابة السودانية تم تحويلها إلى محكمة جنايات عطبرة، حيث وُجهت إليها تهم التعاون والتخابر مع قوات الدعم السريع، ثم في أغسطس 2024، صدر بحقها حكم بالإعدام شنقًا حتى الموت، إلا أنه عند استئناف الحكم، ألغت محكمة الاستئناف الحكم لغياب الحيثيات القانونية الكافية التي تستدعي الإعدام، وأصدرت توجيهات لمحكمة الموضوع بمحاكمتها فقط تحت المادة 26 إذا وُجدت بينة.
وفي مؤشر مقلق، تجاهل قاضي محاكمة الدر حمدون توجيه المحكمة الأعلى، وقام بمحاكمتها مرة أخرى بنفس التهم في 22 ديسمبر 2024، وحكم عليها بالإعدام شنقًا للمرة الثانية، وفق المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الإفريقي، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنه تم استئناف الحكم مجددًا من قبل هيئة الدفاع، وأصدرت محكمة الاستئناف في السادس من مارس الماضي قرارها النهائي بإلغاء مواد بالقانون وإعادة محاكمتها.
على إثر ذلك، نُقلت الدر حمدون إلى سجن بورتسودان، مع تحميل أسرتها تكاليف إعادتها إلى سجن عطبرة لإجراء المحاكمة من جديد، كما تم استبدال القاضي المسؤول، ما تسبب في تأجيل المحاكمة لعدة أشهر. وبعد مرور عام وشهرين على اعتقالها، أصدر القاضي قرارًا ببراءة الدر حمدون من جميع التهم المنسوبة إليها، مع التأكيد على وجوب إطلاق سراحها فور استكمال الإجراءات القانونية من قبل محاميها.
إعدامات نسائية
وخلال العام الماضي فقط، صدرت أكثر من عشرة أحكام بالإعدام بحق نساء سودانيات، ما دفع المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الإفريقي إلى المطالبة بضرورة إصلاح المنظومة العدلية ومؤسسات إنفاذ القانون في السودان على المستوى المحلي، دون ربط هذا الإصلاح بأي ترتيبات أو مسارات سياسية. «فإنفاذ العدالة هو الآلية الأساسية لحماية المدنيين، والتصدي لإشكالات العسكرة وغياب حكم القانون».
وأكدت أن إصدار أحكام الإعدام التعسفية دون وجود قرائن أو بينات كافية يعكس بوضوح عدم استقلالية القضاء وتسييس المنظومة العدلية في السودان، خصوصًا المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش وميليشيات الإسلاميين الموالية له، هو ما كلّف الدر حمدون عامًا وشهرين من عمرها، وألحق بها وبأسرتها معاناة نفسية جسيمة، كما هو حال مئات النساء الأخريات اللواتي يواجهن ذات المصير.
وذكرت شبكة صيحة التابعة للمبادرة أن النساء السودانيات ما زلن عرضة للتجريم والترهيب من قبل سلطات قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وسلطات إنفاذ القانون والقضاء الموالية له، كما هو الحال لعقود من الزمن، مما رسخ لارتكاب جرائم العنف الممنهج ضد النساء، والتي أصبحت سمةً ملازمة للحرب الدائرة في السودان.
ودعت المؤسسة العدلية إلى التعلم من دروس الماضي، والالتزام بتطبيق القانون رغم تعقيدات الحرب والعنف، حمايةً للبلاد، وصونًا للنسيج الاجتماعي، واحترامًا لحقوق وكرامة النساء السودانيات، وتعزيزًا للثقة في العدالة وسيادة القانون.
بين الجوع وتدمير الممتلكات
لا تتوقف الانتهاكات التي تقف خلفها وحدات من الجيش السوداني وحلفائه من الإسلاميين عند قضايا النساء، إذ يقدم المرصد السوداني الوطني صورة أخرى من الفوضى التي تبثها أجهزة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان عبر تدميرها ممتلكات المواطنين في الخرطوم ومناطق أخرى.
وفي توثيق له بالفيديو، اعتبر المرصد عمليات هدم ممتلكات المواطنين هذه انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان وخرق للقوانين التي تحمي الملكية الخاصة، موضحًا أن هذا التصرف يمثل اعتداءً مباشرًا على كرامة وأمن المواطنين ويستدعي محاسبة المسؤولين عنه.
وفي مشهد آخر مؤلم لطوابير من المواطنين الواقفين في الخرطوم بانتظار حصتهم الغذائية اليومية، يقول المرصد إن هذه الصور توضح تفاقم أزمة الجوع والمعاناة الإنسانية في ولاية الخرطوم.
وتسببت الأجهزة الأمنية في ولاية الخرطوم في تفاقم أزمة الجوع والمعاناة الإنسانية، نتيجة نهبها الممنهج للمساعدات الإغاثية، وإيقاف عمل التكايا الخيرية وتجريم وملاحقة عمال الإغاثة الإنسانية.
وقد أدت هذه الانتهاكات إلى حرمان آلاف الأسر من المواد الغذائية الأساسية، مما فاقم من مستويات الفقر وسوء التغذية، خصوصًا بين الأطفال والنساء وكبار السن، بحسب المرصد.