غزة- معا- سعدية عبيد- من قلب الخيام في منطقة المواصي جنوب قطاع غزة، يواصل الصحفي الفلسطيني أحمد قديح تغطية الحرب التي تقترب من عامها الثاني، متحديًا ظروف النزوح القاسية التي أجبرته على ترك منزله شرق خان يونس في الساعات الأولى من الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر 2023.
يقول قديح : "نزحت تسع مرات منذ بدء الحرب. في كل مرة، كانت تجربة النزوح أقسى من سابقتها. تنقلت من بلدتي شرق خان يونس إلى وسط المدينة، ثم إلى المواصي، فإلى رفح، وعدت مجددًا إلى المواصي، حيث أعيش حتى الآن في خيمة، محرومًا من أبسط مقومات الحياة."
الصحفي المواطن: معاناة مزدوجة
يصف قديح معاناة الصحفي النازح بقوله: "في لحظةٍ واحدة، تتحول من صحفي إلى مواطن يعاني كغيره من أجل لقمة العيش. تقف في طوابير طويلة للحصول على الماء و الطعام ، ثم تعود لتكتب عن هذه المأساة التي تعيشها أنت بنفسك."
وأضاف: "أن تُنجز تقريرًا صحفيًا، وتوثق الانتهاكات بحق الصحفيين بينما تطهو على نار الحطب لأطفالك... هذه المعادلة اليومية الصعبة لا يمكن وصفها إلا بأنها حياة العذاب المستمر."
مشاهد لا تُنسى
تحدث قديح عن آلاف القصص الإنسانية التي مرّ بها أثناء تغطيته للحرب، قائلاً: "شاهدنا استشهاد الزملاء الصحفيين، قصف المنازل، جثامين الأطفال والنساء. صور مرعبة لا تُمحى من الذاكرة. نقلناها إلى العالم رغم كل شيء، رغم منع الاحتلال للكاميرات الدولية من دخول غزة."
وأشار إلى أن المجاعة المنتشرة جعلت الناس يقاتلون من أجل البقاء: "شاهدت أطباء، مهندسين، معلمين، ونساء وأطفال يقفون جميعًا في طابور واحد للحصول على رغيف خبز. تحول الإنسان إلى هيكل عظمي، ينتظر الموت البطيء."
التحديات اليومية
يتحدث قديح عن التحديات اللوجستية التي تعيق عمل الصحفيين: "غياب الكهرباء والانترنت يُعطل العمل. أشحن هاتفي من نقاط شحن تستغرق ساعات، ما يؤخر التقارير. أتنقل من مكان لآخر فقط لأجد شبكة إنترنت تمكنني من إرسال المادة الإعلامية."
ويضيف: "في بعض الأحيان، أعد تقريري الصحفي بينما أُعد الطعام لأطفالي على نار الحطب. أتنقل بين إعداد التقرير، التواصل مع زملائي في غرفة الأخبار، والطهي أو جلب الماء. إنها حياة مزدوجة... لكنها واقع لا مفر منه."
أمل بالعودة... رغم الدمار
رغم أن بيته قد دُمر في الأشهر الأولى للحرب، إلا أن قديح لا يزال يحمل حلم العودة إلى بلدته، خزاعة، شرق خان يونس: "الكل ينتظر بفارغ الصبر نهاية الحرب، لملمة الأوجاع، والعودة إلى الديار. رغم أن المعاناة لن تنتهي فور العودة، لكنها تهون حين نرجع إلى أرضنا."
الإعلام المحلي... صوت من تحت الركام
يشيد قديح بدور الإعلام المحلي الذي حمل على عاتقه مهمة إيصال الصورة في ظل الحصار الإعلامي: "رغم استشهاد أكثر من 230 صحفيًا وتدمير المقرات والمعدات الإعلامية ، استطاع الصحفي الفلسطيني نقل الحقيقة. و الصورة الفلسطينية الحرة التي غيّرت وجه المشهد العالمي، وأجبرت العالم على المطالبة بفك الحصار وإدخال الطعام."
بين الطوابير والنار والخيام، وبين الكاميرا والقلم، يقف الصحفي أحمد قديح شاهدًا وراويًا ومواطنًا في آنٍ واحد. حكاية واحدة من آلاف الحكايات في غزة، لكنها تلخّص معاناة شعب بأكمله... ومعركة لا تقل ضراوة عن معركة البقاء.