الإثنين: 23/06/2025 بتوقيت القدس الشريف

الطلاق وما بعده... ماس والام وامراض نفسية تحفر عميقا في الشخصية !

نشر بتاريخ: 26/09/2009 ( آخر تحديث: 26/09/2009 الساعة: 21:57 )
غزة - معا- "اجعل يا هذا دائما مجالا للصلح بينك وبين أخيك، فقد تكون شفيعه أويكون شفيعك يوم القيامة" أبو بكر الصديق رضي الله عنه

تعددت الأسباب والطلاق واحد: فمن النساء أوالرجال من يمنى بزوج أو زوجة غير كفء أوكفئة،ولاحسن المذهب في العشرة بين الطرفين،أوبغيض تعافه الطبيعة ،وقد يتزوج الرجل المرأة،أو المرأة الرجل،ثم يتبين لأحدهما،أو لكليهما،أن بينهما تباينا في الأخلاق والعادات،أو تنافرا في الطباع ،تستحيل معه الحياة الزوجية،بحيث يطلع أحدهما من صاحبه على مالا يحب ولا يرضى من سلوك شخصي، أو تفكير مناقض،أوعيب خلقي(بكسرالخاء)أوخلقي(برفع الخاء)-كما يلخصها الفقهاء بلغة الفقه الوجيزة...،

وكثيرا ماتكون مثل هذه النوعية من العلاقات،كالبيت المبني على تربة بركانية معرضة للزلازل والهزات الأرضية في كل حين،أوكمن يجمع بيضا في سلة هشة سرعان ما تنفقس بمجرد تحريكها،فيصبح الطلاق هنا حلاعقلانيا للمشاكل الناجمة عن عثرات سوء الاختيارمنذ البداية،أواكتشاف الهنات والمثالب بعدالعقد،...فالعشرة المباشرة هي المحك الرئيسي لادعاءات الطرفين في مراحل التعارف والخطوبة،وهي التي تسفرعن معادن الرجال والنساء،والكشف عن زيف الوعود والتمنيات والأماني ومصداقية الأحلام الوردية، بعدالعقد، فاما سعادة أبدية،أوشقاء ابديا،وبالتالي فبقاء الأولاد في ظل هذه الأسرة التي تعصف بها المشاكل وتزعزع أركانها المشاحنات والملاسنات ،مضربالأطفال أكثر من الطلاق نفسه.

ومن واقعية الاسلام في أمثال هذه الحالات المستعصية،أنه شرع الطلاق –بالرغم من تبغيضه للنفوس الطيبة الصافية الراغبة في الاصلاح-ولكن بعد انتفاء كل امكانية استمرارالعشرة الطيبة، وبعد استنفاذ كل سبل التوفيق بين الطرفين وتقريب وجهات النظروالرؤى الى المرحلة ما قبل الأخيرة وهي :(باتيان حكم من أهله ،و حكم من أهلها) الذي هو نهاية المطاف بالمنظورالاسلامي لتخليص الزوجين من الشروروالمفاسد التي قد تترتب على بقاء حياة بغيضة وكريهة،وذلك عملا بالقاعدة الأصولية الشرعية والفقهية :"ما لايتم الواجب الا به،فهو واجب"

عواقب سوء ترشيد ما بعد الطلاق

الاأن السائد في كل الأعراف شرقية وغربية–الامن رحم ربك-بأن الأسرة المنكسرة سواء بالشجارات والمصادمات اليومية،أوبانفصال الوالدين بخروج أحدهمامن نظام وحياة الأسرة مرحلياً وجزئيا(الغياب المستمرعن البيت لظروف العمل من طرف الزوج أو الزوجة،أوالغياب بسبب الاستهثاربواجبات الأسرة ومهام التربية،لعدم النضج والتفسخ وعدم تقديرواجبات الأسرة حق قدرها، وخاصة من بعض الأزواج الذين يختزلون الزواج الى مجرد الاشباع الجسدي والنفقة)أوكلياً بالطلاق،لهي من أعتى المشاكل التي تواجه الدراسات النفسية والاجتماعية في كل مراكز البحث العلمي،حيث يدلي الباحثون المتخصصون في شؤون الاسرة بدلوهم ،مستخدمين كل تخصصات العلوم الانساية غيرمجزأة،أومنفصلة عن بعضها،بالنظرالىأن معضلات الأسرة ليست دينية بحثة،أوسيكولوجية بحثة،اوسوسيولوجية بحثة،بل نتيجةعوامل متشابكةومتشعبة،لا يمكن لعلم وحده الفصل فيها،حيث أصبح الاتجاه العم اليوم في هذا المجال،هومحاولة التقريب ما بين نتائج كل العلوم الانسانية لاستحالة حصرتزايد المعضلات لدى أبناء الطلاق، بسبب فشل النظريات،والمقاربات الكلاسيكية في ايجاد الحلول لتفاقم الأمراض الاجتماعية الناجمة عن الطلاق،،وسوء ترشيد ما بعد الطلاق،الذي هوأخطرمن الطلاق ذاته،حيث أن ظاهرة تزايد عدد سجون الأحداث وجرائم القاصرين والقاصرات في الولايات المتنحدة،وأوروبا، تثبت على أن 89 بالمائة من المداومين للسجن،هم من العائلات المطلقة،أوبسبب استمرارالعنف الكلامي بين المطلقين بعد الفراق الذي يمتصه الأبناء، فيزعزع كيانهم النفسي والعضوي كلية،أو نسبيا

وان أسوأ ما في الطلاق،هومايحدث في ما بعد الفراق،حين يقوم أحد الطرفين ممن لا خلاق له أو كليهما-بتأليب الأبناء ضد الآخر،بالطعن والقذف،وتضخيم العيوب،وتشويه السمعة وتبييت نوايا خبث السريرة، وسوء الطوية ،أوأن تقوم أحدى العائلتين بسوء معاملة أبناء المطلق،أوالمطلقة،بالانتقام عبرالأبناء،بتحميلهم شرورسوءاختيارأبنائهم أوبناهتهم،حيث تتحول حياة أبناء هذا النوع ،الى جحيم لا يطاق ،وتلك من أكبرالرزايا وأخطرها.. على نمو الأبناء العقلي،والنفسي، والعاطفي،وحتىالجسمى-لماله من تاثيرمباشروغير مباشر(فسيو-بيولوجي-نفسي) علىالعمليات المعقدة في نموالأطفال،المؤدية الى عذاباتهم النفسية، وشعورهم بالضياع، والتشتت وفقدان الأهداف،والصواب،ومفهومية المبادئ،واكتساب الشك في عالم"الكبار"،وفقدان الثقة في المجتمع والاخلاق والدين،فيتحول المجتمع في نظرهم الى جحيم، والحياةالى زيف،والسعادةالى اكذوبة كبرى،وخاصةاذا رافق ذلك ضيق الإمكانيات المادية، وتدني ثقافة، أو درجة تعليم الأب أو الأم،أوضعف الوازع الروحي -الديني والأخلاقي لديهما


ولقد نهى الاسلام عن هذا السلوك اللاأخلاقي المشين،لكي يبقى الأبناء بعيدين عن الخلافات السابقةبين الأبوين المتنازعين،فلم تخل آية تعرضت للطلاق، من توكيد الأمربالمعروف والنهي عن الاساءة والايذاء،بعد الفراق "بالتطليق بالمعروف وبالاحسان" والحث على مغالبة الشح والتقتيرفي النفقة على أبناء الطلاق ،والاحسان اليهم والبربأمهم ،أوأبيهم ،بحيث أمركلى المطلقين،ألا يذكرأحدهما الآخر بسوء أمام الأبناء،أو يكشف عوراتهما، لما في ذلك من تبعات نفسيةعلى الأبناء على المدى البعيد مما يجعلهم :

-مهزوزي الشخصية، ومعقدين في سلوكهم -حقودين أوما ئعين

-ميل الابن الى احتقارالمرأة ،والميل الى العدوانية في معاملة النساء، انتقاما من الام "الظالمة"،

-نفور البنت من جنس الرجال، والعزوف عنهم وعن الزواج،

-عدم الرغبة اللاشعورية في الانجاب المؤدية الى احدى اسباب العقم النسبي

-الميل الى الانتقام من أصناف الذكور والعدوانية معهم

-عدم الاستقرارالعاطفي المترجم بالتنقل من شخص الى آخر، فيميل الابن لا شعوريا الى الانتقام من أمه-الظالمة- التي تخلت عنه في شخص كل النساء- أوبحثا عن حنان الأم المفقود بين أحضان نساء يكبرنه،وكذا الأمرعند البنت التي تنتقل من رجل الى آخر،علها تجد الأمان المفقود والمفتقد،أو بحثا عن الأب الهارب"الخسيس"بالرغبة الدفينة في الانتقام منه، اما بالبرود الجنسي اللاشعوري في المعاشرة الزوجية، او البحث عن "تحطيم"صورة الأب المهزوزة"بالخيانة الزوجية بأشكال شتى –الشعورية واللاشعورية منها-، الى غير ذلك من الموبقات والمآسي التي تأتي كلها بسبب عواقب الفراق اللاأخلاقي .

- وأخيرا وليس آخرا- الميل الى الاستخفاء وراء كل أشكال"الهروب" من الاسرة "الظالمة" و "الخسيسة" بالاستقالة من الحياة الأسروية والمجتمعية ومنغصاتها، باللجوء الى استعمال وتجربة كل أنواع المخدرات و"المغيبات" التي تجعلهم "غائبين"و"مغيبين"عن الوجود والحياة المقززة خارج سياج حرارة عاطفة الأسرة المفتقدة،وتلك ظاهرة يعيشها الغرب أكثر من العوالم الثالثية التقليدية لموت النسيج الاجتماعي التقليدي المبني على التكافل الاجتماعي والتراحم والتناصح والتآزر الذي كان يحمي الأسرمن الانهيارالمطلق في مثل هذه الحالات حتى الماضي القريب، حيث حلت محلها اليوم المنظمات الاجتماعية والانسانية التي تفرخ المزيد من المهمشين،والمهزوزين والمعتلين نفسيا والمجرمين المحتملين -كما تثبت الدراسات السوسيولوجية في الغرب

كما أن السوكيات اللاأخالاقية لأسرالجانبين المتنازعين تجاه الزوجين المختصمين،يساهم بحظ وافر في تنمية الشخصيات المهزوزة "السيكوبائية" المذكورة اعلاه التي تعاني من انفصام الشخصية ،وفقدان الاحترام للوسط العائلي والاجتماعي برمته ، كما توضح ذلك في مباحث"علم الاجرام" crimonology

ورحم الله الخليفة أبا بكرالصديق رضي الله عنه في حسن ترشيده للخلاف المقيتى عندما خاطب الأعرابي الأجلف –الذي كان يمشي وراء الخليفة الى عتة داره يشبعه شتما وقذفا،- قائلا له بهذه العبارة اللطيفة والحكيمة في فن ترشيد النزاع والافتراق :"اسمع ياهذا !اجعل دائما بينك وبين أخيك مجالا للصلح ،فقد تكون شفيعه أو قد يكون شفيعك يوم القيامة !!

فداء دبلان