السبت: 18/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

من رام الله الى بيت لحم ..المستوطنات نتوءات تشوه تجمعاتنا الفلسطينية

نشر بتاريخ: 22/11/2009 ( آخر تحديث: 23/11/2009 الساعة: 09:48 )
رام الله -معا - لا يستطيع المسافر من مدينة رام الله والبيرة الى مدينة بيت لحم، ان يغض نظره عن التنظيم الذي تحظى بها المستوطنات الاسرائيلية التي يمكن مشاهدتها من نافذة السيارة دون عناء، ويمكن استخلاص حقيقة ماثلة لا يمكن تجاهلها تتمثل في ان هذا الاهتمام بالمستوطنات التي اقيمت فوق اراض سرقت بقوة السلاح او بالتلاعب القانوني"، يراد منها تشويه التجمعات السكانية العربية المحاذية لتلك المستوطنات وتفتقر للحدود الدنيا من التنظيم والترتيب بل تتحول الى ما يشبه المكبات لكافة انواع النفايات الصلبة والعضوية.

وضعية مستوطنة معالي ادوميم، ونظافة الطرق المؤدية اليها، ومدخلها المزين باشجار النخيل التي على الارجح جرى نقلها من قطاع غزة قبل الانسحاب الاسرائيلي الاحادي منه، هي مثال واضح على النقيض التام لمدخل بلدة ابو ديس المقابل لتلك المستوطنة، من حيث الطرق المدمرة ، وانتشار المحال والمشاغل والمنشآت العشوائية، اضافة الى تراكم النفايات المختلفة على جانبي الطريق الموصلة الى بلدتي العبيدية والسواحرة، ما يؤشر الى وجود مخطط اسرائيلي غير معلن يقوم على اساس ضمان التفوق الجمالي والحضري للمستوطنات غير الشرعية على التجمعات العربية الشرعية، في خدمة الموقف الاسرائيلي التحريضي ضد الفلسطينيين والادعاء بانهم لا يستحقون هذه الارض وان الارض هي من حق من يهتم بها ويرعاها.

نحن كشعب نعيش تحت الاحتلال ندرك اهداف المخططات الإسرائيلية الرامية الى تدمير مقوماتنا الذاتية والضغط علينا حتى نكون اسرى للواقع المتخلف على مختلف المستويات خاصة في المناطق الخاضعة للسيطرة الاسرائيلية (ج)، لكن بالقدر ذاته فان الاجنبي الذي يتاح له زيارة الاراضي الفلسطينية ومشاهدة المستوطنات والمباني الحديثه والتنظيم والترتيب الذي تحظى به، ومقارنتها مع القرى والبلدات الفلسطينية فانه سوف ينحاز لتلك المستوطنات باعتبارها اقيمت بطريقة قريبة من الواقع الاوروبي والاميركي على وجه الخصوص، وهنا يكون الفعل الحقيقي للمخطط الاسرائيلي وقوته التأثيرية على الاغيار، ما يوجب الالتفات الى هذه السياسة الممنهجة ووضع الاليات الفلسطينية القادرة على مواجهتها.

فالحديقة العامة لبلدة ابو ديس الواقعة في احدى الوديان المحيطة بالبلدة، تكشف مدى تحملنا نحن كفلسطينيين هامشا كبيرا من المسؤولية عن الطريقة التي نشوه فيها انفسنا وبيوتنا والاماكن العامة، فالحديقة مقامة في منطقة هادئة لكنها محاطة بمكبات من النفايات وخردة السيارات التي تشوه المنطقة وينفي عن تلك الحديقة اسم الحديقة وجماليتها، في صورة تعكس الى حد كبير ممارسات البعض منا في انجاح الرواية الاسرائيلية بتسريع وصول رسائلهم للعالم باننا لا نستحق ان نحكم انفسنا بأنفسنا رغم انهم هم المسؤولون عن كل ما نعيشه من واقع مرير.

الصورة البشعة التي تظهر بها قرانا وتجمعاتنا السكنية وحالة التلوث البيئي تبدأ بمرافقة المسافر الى بيت لحم منذ وصول المركبة الى حاجز قلنديا العسكري حيث بالامكان مشاهدة كيف تتحول تلك المنطقة الى كارثة بيئية حقيقية من حيث انتشار النفايات ومخلفات المركبات والعوادم التي تزيده تشوها.

ومع الاقتراب من قرية حزما ينتابك ذات الشعور حينما تشاهد المستوطنات التي باتت تحجب مدينة القدس، وفي المقابل فان اغلبية السائقين يفضلون السير عبر الطريق الالتفافي المخصصة للمركبات الاسرائيلية على المرور من وسط القرية لتجنب ازمة السير فيها، ومع مواصلة السير باتجاه بلدة ابو ديس يمكن مشاهدة الوحدات الاستيطانية الحديثة المقامة في داخل العديد من المستوطنات لتدخل مجددا في مفارقة المقارنة بين تلك الوحدات الاستيطانية والمساكن العربية التي تظهر عليها ملامح الفقر وكأنها تعيش على هامش التحضر.

الطرق التي يلزم الفلسطيني على سلوكها من اجل الوصول الى مدينة بيت لحم، تكشف الى حد كبير كيف ان الإسرائيليين استولوا على الطرق السهلة والواسعة والمعبدة ، في حين تركوا لنا الطرق الوعرة والملتوية والخطرة ونصبوا على اولها حاجز "الكونتينر" قبل الولوج الى طريق واد النار الذي يمكن في لحظة واحدة ان يشهد كارثة حقيقية اذا ما انزلقت شاحنة كبيرة وانحرفت عن مسارها سواء وهي تتسلق تلك الطريق او خلال نزولها عنها.

يبقى المسافر اسيرا لتلك المقارنات حتى يصل الى مداخل بلدة العبيدية التي تحاول اعادة ترميم ذاتها من خلال الاهتمام بالطرق عبر تعبيدها ووضع اشارات مرورية واضحة، وكلما تعمقت اكثر باتجاه بيت لحم تبدا بالاستقرار النفسي بعد كل تلك المشاهدات والمفارقات التي رافقتك طيلة الطريق، لكن وصولك الى وسط مدينة بيت لحم ومشاهدة "مستوطنة ابو غنيم " تكون بمثابة صفعة على وجهك لتقول لك "نحن ما زلنا هنا ننغص حياتكم".