الإثنين: 13/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

فياض يشارك بالمؤتمر الوطني للارتقاء بالعمل الشعبي لمجابهة الاستيطان

نشر بتاريخ: 12/12/2009 ( آخر تحديث: 12/12/2009 الساعة: 18:46 )
رام الله - معا - ينعقد المؤتمر الوطني للارتقاء بالعمل الشعبي في مجابهة الجدار والاستيطان في وقت تشهد فيه الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحديداً في القدس ومناطق الضفة الغربية الاخرى، نشاطاً استيطانياً يستهدف تقويض المشروع الوطني برمته، وفي وقت يتسارع فيه المشروع الاستيطاني للاستفراد بمدينة القدس وعزلها وبناء جدار الضم والتوسع الذي يقوض أية امكانية لتحقيق الاستقلال الفلسطيني.

ويكتسب هذا المؤتمر أهمية فائقة، أولاً في ابراز الاعتداءات الاستيطانية المستمرة ومخاطرها الفعلية على المشروع الوطني ومستقبل العملية السياسية، وثانياً في تطوير استراتيجة العمل الفلسطيني برمته من حيث توفير متطلبات الصمود الوطني، واستنهاض عناصر ومقومات العمل الشعبي على النطاق الوطني، بالاضافة إلى حشد المزيد من الدعم لتطوير الاصطفاف الدولي في مجابهة مخاطر المشروع الاستيطاني الاسرائيلي على مستقبل السلام والأمن في المنطقة برمتها.

واكد د.سلام فياض خلال مشاركته في المؤتمر الوطني إن السلطة الوطنية وعلى رأسها الرئيس محمود عباس "أبو مازن" تنظر إلى هذا المؤتمر والنتائج المتوقعة منه بكل الجدية والاهتمام، وتتمنى لأعماله النجاح في إيصال رسالة الشعب الفلسطيني، وارادته الموحدة بأن لا سلام مع الاستيطان، وكذلك في تأكيد إصرار شعبنا على حماية أرضه وإسترداد حقوقه الوطنية كما عرفتها الشرعية الدولية دون إنتقاص، وفي مقدمتها حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وما يتطلبه ذلك من تحقيق المزيد من الصمود الوطني، ومواصلة إبراز رسالة الحق والعدل والسلام في مواجهة مخططات الاستيطان ومصادرة الأراضي التي تقضي على فرص السلام.

وجاء كلمة فياض كما يلي :" نعـم، إن إرادة الشعب الفلسطيني وقيادته الوطنية نحو تحقيق الحرية والاستقلال وحماية مستقبل السلام في هذه المنطقة، لم تتراجع ولن تتراجع، وإن صلابة وإرادة شعبنا في القدس وبلعين ونعلين والمعصرة وسلوان في مواجهة جرافات الاستيطان لن تضعف ولن تستكين، وإن ثقة شعبنا في الخلاص من الاحتلال وبناء دولته المستقلة لا يمكن أن تزعزعها أصوات البلدوزرات، ولا همجية الاستيطان وإرهاب المستوطنين. فما تقدمه اللجان الشعبية وصمود الأهالي والمزارعين وكل مبادرات الدفاع عن الأرض من نموذج يُغني رواية الشعب الفلسطيني، ويؤكد تجذره في أرضه، ويوفر عناصر القوة والصمود السياسي لقيادته، ويُمكِّن في نفس الوقت من استخلاص الدروس وبلورة استراتيجية قادرة على تجنيد وحشد المزيد من الدعم الدولي لحقوقه الوطنية وقضيته العادلة".

واضاف :" عندما نتحدث عن نماذج الصمود وحماية الأرض، فنحن نتحدث عن تضحيات أهلنا في كل مدينة وقرية ومخيم وخربة، بل في كل شبر من بلادنا، والذين يناضلون يومياً في معركة البقاء لإبراز إرادة الحياة في مواجهة الموت... إرادة البناء في مواجهة الهدم والتدمير... إرادة الصمود والثبات في مواجهة مخططات الإقتلاع والتهجير والمصادرة والاستيطان والجدران".

قال :" نعم أيها الأخـوات والأخـوة، نحن نتحدث عن حكايات البطولة والصمود التي يسطرّها الأبطال الحقيقيون من أبناء شعبنا أمثال "أبو سمير مسعود" في بيت إجزا، وكل الأبطال الذين يشكلون ملح الأرض وسياجها.. من أهالي عزون عتمة المتجذرة بأهلها وزيتونها، إلى عشرات المبادرات الشعبية لحماية الأرض في الشيخ جراح وسلوان وقرى اللطرون وبيت سوريك والنبي صمويل والجيب وبدو والعيسوية والعيزرية وأبو ديس، والعقبة ومسحة وسلفيت وطوباس وكل قرى ومضارب الأغوار التي لن تكون إلا جزءاً من أرضنا وفي حدود دولتنا، كما هي القدس الشرقية التي لن تكون إلا عاصمتنا الأبدية".

واضاف :" نعم، نحن لا ننطلق من الفراغ، بل من صمود حقيقي لشعبنا في دير حطب ونعلين وأماتين ومردا والزاوية وفرعون ودير الغصون وقفين والنزلات، وأم سلمونة والخضر ومسافر يطا، وبيت أمُّر وكل ريف بلادنا، في بيت لحم وبيت ساحور وبيت جالا ونابلس والخليل وجنين وطولكرم وقلقيلية وأريحا وغزة وجباليا وبيت حانون وبيت لاهيا ودير البلح ورفح وخانيونس، وفي كل مكان يعلو فيه صوت شعبنا رافضاً للاستيطان والحصار، ومؤكداً على إصرار شعبنا على نيل حريته واستقلاله وكرامته في دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف".

ومن حق شعبنا، وهو يواجه المشروع الاستيطاني، ويقدم هذه التضحيات أن يتساءل.. كيف يمكن له أن يثق بعملية السلام إن لم يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته الكاملة في إلزام اسرائيل بوقف الاستيطان الذي يقتل مقومات حياته ومصادر رزقه بل ويقتل السلام؟ ماذا يعني السلام، نفسه إن لم يضمن إنهاء الاحتلال؟ أين ستقوم الدولة الفلسطينية، مفتاح الحل والسلام، إذا لم تلتزم اسرائيل بالوقف الشامل والتام للاستيطان، وإزالة، وليس توسيع البؤر الاستيطانية؟! هل يعتقد قادة اسرائيل أنهم سيدفعون بشعبنا للرحيل عن ارضه؟! أو أنه سيقبل بالأمر الواقع، وبدولة الفتات أو دولة الجدار؟!.

عليهم أن يعلموا أن شعبنا تعلم الدرس، وأنه مصمم على الصمود والبقاء على أرض وطنه الذي لا وطن لنا سواه، وأن هذا الشعب العظيم، وبعد ستة عشرة عاماً من المماطلة والتسويف ومحاولات الالتفاف على حقوقه الوطنية، لن يقبل بالانتقاص من أي من حقوقه التي كفلها القانون الدولي، وأكدت عليها قرارات الشرعية الدولية. وعلى المجتمع الاسرائيلي أن يعلم بأن قيادته التي جربت كل وسائل ومحاولات فرض الحلول العسكرية والاستيطانية قد فشلت، ولم يبق أمامها سوى الإقرار بحقوق شعبنا والإلتزام بأسس التسوية السياسية وفقاً للشرعية والقانون الدوليين، وفي مقدمتها الإنسحاب الكامل من أرضنا المحتلة منذ عام 1967. فهذا هو الطريق الذي يوفر الأمن والاستقرار لشعبينا.. وهو الطريق نحو السلام ولا طريق سواه.

إذا كان للسلطة الوطنية أن تستخلص درساً من تجربة العمل الشعبي، والذي تشكل اللجان الشعبية الميدانية في مواجهة الجدار والاستيطان رافعته الرئيسية، وأن تستخلص كذلك دروس الانتفاضة الأولى بمضمونها الشعبي والديمقراطي، مضمون الكفاح لانهاء الاحتلال... والبناء نحو الحرية والاستقلال، وأن تعمق رؤيتها وتطور واجباتها تجاه شعبنا، فإن هذا الدرس يتمثل أساساً في الأهمية القصوى التي يجب أن تولى لتعزيز قدرة هذا الشعب على الصمود، وربط عوامل استنهاض طاقاته مع مشروعنا الوطني التحرري في انهاء الاحتلال وبناء الدولة المستقلة.

واسمحوا لي في هذا المجال أن أؤكد أمامكم أن أساس توجهات ومنطلقات وثيقة برنامج عمل الحكومة يتمحور حول مسؤوليات السلطة الوطنية في الدفاع عن مصالح شعبنا، ودورها في تعزيز صموده وبناء مقومات وركائز ومؤسسات الدولة الفلسطينية وبنيتها التحتية. وهو يستهدف بشكل جوهري استنهاض طاقات شعبنا، كل شعبنا، وتعزيز انخراطه في عملية إنجاز المشروع الوطني بصورة عملية وملموسة، من خلال توحيد جهوده في ورشة بناء تجعل من استكمال بناء مؤسسات دولتنا الفلسطينية وسيلة إضافية، بل ورافعة مركزية، تعجل في إنهاء الاحتلال، وتعيد لشعبنا ثقته بنفسه، وبقدرته على الانجاز، وتضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته إزاء حقوق شعبنا الوطنية وفي مقدمتها حقه في تقرير مصيره ونيل حريته واستقلاله. فإنهاء الاحتلال عن كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ حزيران 1967، وفي القلب منها مدينة القدس الشرقية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة عليها، يشكلان مفتاح السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.

وهنا فإنني أؤكد للعالم بأسره، وخاصة للشعب الاسرائيلي، أن شعبنا يرفض بشدة دولة الفتات، وكافة الحلول الانتقالية المؤقتة التي يجري ترويجها من قبل قادة اسرائيل. فما نسعى إليه هو الخلاص من المرحلة الانتقالية، وقيودها المجحفة، وليس الدخول في مراحل انتقالية جديدة. نعم، إن ما يسعى اليه شعبنا، وتعمل السلطة الوطنية على تحقيقه، هو الخلاص التام من الاحتلال ومراحله الانتقالية، والدخول في عهد جديد هو عهد الحرية والاستقلال لشعبنا، عهد الدولة المستقلة كاملة السيادة، وحدودها الشرقية مع الأردن فقط، وعاصمتها الأبدية هي القدس الشريف.

إن جوهر وثيقة "فلسطين:إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة" يتمثل في البناء والمراكمة على صمود شعبنا وما حققه في السنوات الأخيرة من إنجازات، وبما يعكس خلاصة وعي شعبنا وقدرته على بلورة أولوياته المباشرة في اطار أولوياته وأهدافه الوطنية العامة، وبما يشمل تجسيد دولته المستقلة... دولة المؤسسات وحكم القانون.

نعم، أيها الأخوات والأخوة، نحن نعمل على بناء مؤسسات هذه الدولة وفق أعلى المستويات والمعايير الدولية، المؤسسات القوية والقادرة على تقديم أفضل الخدمات لشعبنا، وتحقيق التنمية الكفيلة بتعزيز صموده. وإن ما تحقق من انجازات على هذا الطريق يبعث على الثقة بقدرة شعبنا على بناء دولة ترقى لطموحاته وتطلعاته وتضحيات أبنائه.

نعـم، أيهـا الأخوات والأخوة، نحن نتقدم يومياًونراكم الانجاز تلو الآخر لبناء وترسيخ ركائز ومقومات دولتنا المستقلة وعلى قاعدة التكامل والمشاركة بين المؤسسات الرسمية والأهلية والقطاع الخاص، وفي إطار المسؤولية الشاملة لمنظمة التحرير الفلسطينية كمرجعية عليا لشعبنا ومؤسساته. وهذا حق لشعبنا، بل واجب عليه أيضا. ونحن نعمل على تحقيق ذلك في غضون العامين القادمين بما يحقق التنمية المطلوبة، ويرسي دعائم الحكم الرشيد في تلك المؤسسات، ويضمن الاستثمار الكامل لمواردنا الطبيعية، بعيداً عن القيود والتصنيفات المجحفة التي فرضتها المرحلة الانتقالية، والتي آن الأوان أن تنتهي. فليس من أرضنا المحتلة منذ حزيران عام 1967، وفي مقدمتها القدس الشرقية والأغوار وغيرها من المناطق المسماة (ج)، مناطق متنازع عيها. فكلها تشكل مجالاً حيوياً لبناء مؤسسات دولتنا وبنيتها التحتية. ونحن لا نراهن في أي من هذا إلا على أنفسنا، وشعبنا يعلم أن طريقه ليست مفروشة بالورود.

إن مضمون وثيقة برنامج عمل الحكومة يعكس إرادة شعبنا لبناء مستقبله بنفسه، ومراكمة الانجازات التي تحققت تحت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا. كما أن هذه الوثيقة تشكل أداة فعالة لإبراز عناصر الوحدة والقدرة على الانجاز. فهدف إقامة الدولة يوحد شعبنا بكل أطيافه، بديلاً عن التشرذم الذي لا يؤدي إلا إلى إطالة عمر الاحتلال، واستمرار المعاناة وفي مقدمتها معاناة شعبنا في قطاع غزة. فما أحوجنا اليوم، لإعادة الوحدة للوطن، وإغلاق فصل الانقسام المأساوي والكارثي في تاريخ شعبنا وقضيته العادلة، لنعيد الأمل لشعبنا في حتمية إنجاز حقوقه الوطنية.

ان حق شعبنا في التمسك بأرضه وحمايتها هو حق مقدس، بل واجب وطني على كل فلسطينية وفلسطيني. وفي هذا المجال فإنني أجدد امامكم التزام الحكومة بدعم كافة المبادرات الجماهيرية القادرة على استنهاض طاقات شعبنا، وتعزيز قدرته على الصمود. كما ان الحكومة تضع كل ما لديها من امكانيات لتحقيق هذا الهدف. وان الحكومة التي نفذت حتى الان ما يزيد عن تسعمائة مشروع بالاضافة إلى حوالي ستمائة مشروع قيد التنفيذ معظمها يتركز على دعم صمود المناطق الريفية والمهمشة والأكثر تضرراً من الجدار والاستيطان، تعلن اليوم امامكم ان هذا الامر يمثل جوهر سياسة الحكومة وبرنامج عملها في مختلف المناطق، بما فيها الأغوار والقدس الشرقية ومناطق خلف الجدار. وندعوكم لمزيد من أخذ زمام المبادرة، وبلورة وتقديم المزيد من تلك المشاريع التي تستهدف تعزيز هذا الصمود، وتستجيب لاحتياجات المواطنين في هذه المناطق، وتمكنهم من البقاء والحياة الكريمة، وتساهم في تعزيز ثقة شعبنا بمستقبلة وقدرته على استرداد حقوقه والعيش في أمن وسلام في دولة له كما كل شعوب العالم. ولن تجدوا من مؤسسات السلطة الوطنية إلا كل تجاوب مع هذه المبادرات.

لقد قدم شعبنا تنازلاً تاريخياً ومؤلماً في مبادرة السلام الفلسطينية عام 1988، تمثل في قبوله بدولة فلسطينية على 22% فقط من أرض فلسطين التاريخية. وعلى العالم أن يدرك أنه لا مجال لمزيد من التنازلات. وسيظل شعبنا صامداًَ ومتمسكاً بخيار السلام الدائم والحقيقي الذي يضمن السيادة الكاملة على أرضنا، ويمكن شعبنا من بناء مستقبله في دولته المستقلة، ويؤمّن حلاً لقضية اللاجئين وفقاً للقرار 194، كما أكدت على ذلك كله مبادرة السلام العربية. وما زال شعبنا بقيادة الرئيس محمود عباس (أبو مازن) يحمل غصن الزيتون الذي رفعه الرئيس أبو عمار في الأمم المتحدة عام 1974، مؤكداً بذلك تمسكه بحقوقه الوطنية كما عرفتها الشرعية الدولية دون انتقاص، ورفضه الوقائع الاحتلالية بديلاً عن المرجعية التي حددتها الشرعية الدولية للعملية السياسية.

فرغم الظلم التاريخي الذي لحق بشعبنا، إلا أن رغبته في تحقيق السلام العادل الذي يضمن له إنجاز حقوقه الوطنية في الحرية والاستقلال والعودة، لم تتراجع ولن تتراجع. وكما قال شاعرنا الكبير محمود درويش "إن أيدينا الجريحة ما زالت قادرة على حمل غصن الزيتون اليابس، من بين أنقاض الأشجار التي يغتالها الاحتلال، إذا بلغ الإسرائيليون سن الرشد، واعترفوا بحقوقنا الوطنية المشروعة، كما عرفتها الشرعية الدولية، وفي مقدمتها حق العودة والانسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967، وبحق تقرير المصير في دولة مستقلة ذات سيادة، وعاصمتها القدس. إذ لا سلام مع الاحتلال ولا سلام بين سادة وعبيد". وأضيف لا سلام مع الاستيطان.

ومن منطلق الحرص الأكيد على مستقبل السلام العادل والدائم في المنطقة، دعوني أؤكد بأنه آن الأوان لان يستخلص المجتمع الدولي العبر من الأسباب التي أدت إلى عدم نجاح العملية السياسية، واستمرار تعثرها، وعدم تمكنها من الوصول إلى الأهداف المرجوة منها. فإعادة المصداقية لعملية السلام تتطلب أساساً إلزام إسرائيل بالوقف الشامل لكافة أشكال الاستيطان في كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي مقدمتها القدس الشرقية ومحيطها، ورفع الحصار عن شعبنا، ووقف الاجتياحات والاعتقالات، والتي طالت قادة ونشطاء العمل الشعبي والسلمي، ومن ضمنهم الأخ عبد الله أبو رحمة الناطق الاعلامي باسم لجنة بلعين. نعم، لا بد من وقف الاستيطان، وغيره من الانتهاكات الأخرى كمقدمة لانطلاق عملية سياسية جادة ومتوازنة تفضي إلى إنهاء الاحتلال. إذ، وكما تبيّن حالة الاستعصاء القائمة حالياً، والتي نشأت بسبب عدم قبول إسرائيل بالوقف الشامل للاستيطان، فإنه لم يعد ممكناً أن تظل العملية السياسية رهينة، كما هي منذ ما يزيد عن 16 عاماً، لما لإسرائيل، وهي القوة المحتلة، من استعداد لتقديمه، بديلاً عن الالتزام بمرجعيات تلك العملية المتمثلة في قرارات الشرعية الدولية، ورؤية حل الدولتين والمبادرة العربية للسلام، بما ترك أمر إنهاء الاحتلال لإسرائيل لتقرر بشأنه.

إن تصويب هذا المسار لا يمكن أن يتم إلا بتحمل المجتمع الدولي بنفسه لمسؤولية إنهاء الاحتلال، وذلك من خلال تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة لإنهاء أطول احتلال شهده التاريخ الحديث، وضمان حق شعبنا في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشريف.

إن ما يؤكد قناعتنا بضرورة تولي المجتمع الدولي لمسؤولية إنهاء الاحتلال هو أن التحركات الدبلوماسية التي قادتها الولايات المتحدة مؤخراً بالنيابة عن اللجنة الرباعية الدولية، لا بل والمجتمع الدولي برمته، لم تفلح في انتزاع التزام من إسرائيل بالوقف الشامل للاستيطان، وهو أمر تمهيدي ليس إلاَّ، ولا ينطوي في جوهره إلا على إلزام إسرائيل بالتوقف عن خرق القانون الدولي. وهنا فمن حق شعبنا أن يتساءل، إذا كان هذا مصير التدخل الدبلوماسي الدولي فيما يتعلق بأمر تمهيدي بسيط، فكيف له أن يشعر بأية ثقة فيما يتصل بجوهر عملية السلام المتصل بقضايا الوضع الدائم؟ ما الذي يطمئنه بأنه لن يواجه في وقت لاحق بموقف دولي يقول بأن هذا هو كل ما استطعنا تحصيله من إسرائيل بشأن الحدود على سبيل المثال، أو القدس، أو اللاجئين؟ هذا ما نعنيه بأن أمر إنهاء الاحتلال هو مسؤولية يجب أن يضطلع بها المجتمع الدولي، ولاينبغي أن يترك للقوة المحتلة، وهي إسرائيل، لتقرر شأنه. ان ما تقوم به اسرائيل من توسيع للاستيطان في مناطق مختلفة، يؤكد أهمية استمرار الاصطفاف الدولي لإلزام إسرائيل بالوقف الفوري والتام لكافة الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس، كاستحقاق لا يمكن القفز عنه أو تجاوزه. وهنا فلا بد من الإشارة إلى أن ما نسعى له ليس الوقوف معنا ومعاداة الآخرين بقدر ما نتطلع إلى ضرورة الانتصار لقيم العدالة والشرعية الدولية، والعمل من أجل حماية مستقبل السلام في هذه المنطقة. فلا مناص للمجتمع الدولي من تحمل مسؤولياته لتحقيق ذلك، وبما ينصف شعبنا بعد ما يزيد عن واحد وستين عاماً من النكبة، واثنين واربعين عاماً من الاحتلال، ويحقق له الحرية والاستقلال.

وفي هذا السياق جاء ترحيبنا بالبيان الصادر عن وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي والذي اعتبرناه انتصاراً للشرعية والقانون الدوليين. فهذا الموقف يشكل بالنسبة لنا محطة هامة يجب البناء عليها على طريق تولي المجتمع الدولي لمسؤولياته المباشرة في إنهاء الاحتلال الاسرائيلي عن كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية.

فالموقف الأوروبي اكد على رفض اوروبا لقرار إسرائيل بضم القدس الشرقية، وعدم اعترافها بأي تغيير في حدود عام 1967، كما أكد على ضرورة وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة في مدينة القدس الشرقية المحتلة، وفتح المؤسسات الفلسطينية فيها، وكذلك على رفض الممارسات الإسرائيلية في مدينة القدس والمتعلقة بسياسة الاستيطان وهدم البيوت وسياسة التهجير، واعتبارها وكافة أشكال الاستيطان، بما في ذلك جدار الفصل، أعمالاً تتناقض مع القانون الدولي وتتعارض مع أهداف عملية السلام وإمكانية الوصول إلى حل على أساس الدولتين. هذا بالاضافة الى دعوة الاتحاد الاوروبي الصريحة لرفع الحصار عن قطاع غزة فوراً ودون شروط وفتح المعابر تنفيذاً لاتفاق العبور والحركة لعام 2005. ان هذا الموقف يشكل قاعدة لبناء موقف دولي شامل، ويجب أن يتحول إلى موقف عملي ملزم لاسرائيل، فتأكيد البيان الوزاري الأوروبي على مرجعيات عملية السلام، والمتمثلة في قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية، ومبدأ الأرض مقابل السلام يفتح الطريق أمام الاتحاد الأوروبي كي يلعب دوراً سياسياً فاعلاً في العملية السياسية، بالتعاون مع باقي الشركاء الدوليين في إطار اللجنة الرباعية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، لتمكين هذه العملية من تحقيق أهدافها في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي عن كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وفي مقدمتها القدس الشرقية.

ان هذا الموقف يؤكد للعالم بأسره أننا لسنا وحدنا، وأننا لا نضع شروطاً مسبقة، بل هناك استحقاقات ومطالب دولية على اسرائيل الالتزام بها، كنقطة إنطلاق نحو عملية سياسية جادة وقادرة على تحقيق أهدافها. فاسرائيل ليست فوق القانون، كما أنها ليست اللاعب الوحيد في تحديد مصير المنطقة ومستقبل حقوق شعبنا، وعلى اسرائيل أن تخضع لقواعد القانون الدولي التي أكدت عليها قرارات الشرعية الدولية وفتوى لاهاي في تموز 2004، وما تفرضه هذه الفتوى من التزامات واضحة وفق قواعد القانون الدولي على الأطراف الثالثة. وفي هذا المجال فإننا إذ نحيي كافة الدول والمؤسسات التي تتخذ مواقف واضحة وملموسة إزاء الاستيطان، بما في ذلك مقاطعة منتجاته وحظر التعامل معه، فإننا ندعو إلى شمولية الالتزام الدولي بهذا الموقف. وهنا لا بد من التأكيد على أهمية أن يساهم هذا المؤتمر في تضافر الجهود وتعميق الآليات الكفيلة بتنفيذ قرار الحكومة، بمنع دخول بضائع المستوطنات إلى السوق الفلسطيني ومحاسبة المخالفين لهذا القرار.

اسمحوا لي وقبل أن أختم حديثي أن أتوجه بتحية الاكبار والاعتزاز لكل شهداء الامة وعلى رأسهم الخالد في ضمير شعبنا الشهيد أبو عمار، وأن أخص في هذا اليوم شهداء مواجهة الاستيطان، وفي مقدمتهم شهيد بلعين باسم أبو رحمة، وشهداء نعلين أحمد حسام موسى، ومحمد سعدات الخواجا، وعقل صادق سرور، وعرفات راتب الخواجا، ويوسف أحمد عميرة، وعطا الله حسين عميرة، وشهداء بيت لقيا عدي مفيد عاصي، وجمال جبر عاصي، ومهيوب نمر عاصي، وشهداء بيت فوريك محمد سليمان زلموط، وفريد موسى نصاصرة، وشهداء منطقة شمال غرب القدس محمد داوود بدوان، وضياء عبد الكريم أبو عيد، ومحمد فضل ريان، وزكريا محمود عيد، وشهيد جيوس عبد الله بشير، وشهيد بلدة بدرس حسين عليان، وشهيدة قرية فرعون دعاء ناصر عبد القادر، والشهيد اسلام هاشم زهران من دير أبو مشعل، والشهيدة عبير بسام عرامين من شعفاط، والشهيد علاء عبد الرحيم خليل من بيتونيا، والشهيد محمد الياس محمود من ام الشرايط، والشهيد طه محمود صبحي من مخيم قلنيديا، والشهيد قاهر موسى زواهرة من المعصرة. المجد والخلود لكل شهداء فلسطين... شهداء الحرية والاستقلال.

وفي الختام اسمحوا لي أن أتوجه بتحية الإكبار والتقدير لكافة الاصدقاء المتضامنين الاجانب، ونشطاء السلام في اسرائيل، والذين وقفوا ويقفون مع شعبنا في جبهة السلام والحياة ضد الاحتلال والاستيطان، بما يعطي لشعبنا الامل والثقة بأننا لسنا وحدنا في معركة الارادة والكفاح من اجل الحرية والاستقلال. وكذلك أن اتوجه من خلال مؤتمركم هذا الى شعبنا في كل مكان بأن وعد الحرية قريب، والى اسرانا الابطال القابعين في سجون الاحتلال بأن حريتهم جزء لا يتجزأ من حرية الشعب والوطن. كما أتوجه الى كل قادة ونشطاء لجان الدفاع عن الارض والى الاخوة والاخوات في اللجان الشعبية لمقاومة الجدار وكافة اللجان والأطر والهيئات الاخرى العاملة في هذا المجال بالتقدير على كل الجهود والمبادرات التي تؤكد امكانية الانتصار، وما يفرضه ذلك من ضرورة تطوير وتكامل الجهد الوطني على الصعيدين الرسمي والشعبي لانهاء الاحتلال والاستيطان والجدار وبناء دولتنا المستقلة، على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف.


أتمنى لمؤتمركم النجاح، وللعمل الشعبي في مواجهة الاستيطان والجدار المزيد من التقدم والانجاز.