ابو رزق يروي قصة الهباش مع حماس وخروجه من غزة لحظة الانقلاب
نشر بتاريخ: 27/08/2010 ( آخر تحديث: 27/08/2010 الساعة: 17:59 )
غزة -معا- روي الكاتب الصحفي منير ابو رزق عن معركة وزير الأوقاف د. محمود الهباش، مع حركة حماس، هى المعركة الأولى، التي تخوضها السلطة وهي تستخدم نفس أدوات حركة حماس، ممثلة في الدين، وكل ما من شأنه أن يقال في مثل تلك المواقف، غير أن ما يميز الأداءين عن بعضيهما البعض، في هذه الحرب التي وصلت حد التراشق، بالأحاديث النبوية، واختلاق الأوصاف والتنميطات، على الطريقة الحمساوية، ذات النغمة الجهورية العالية، هو أن السلطة الفلسطينية، ممثلة في وزير أوقافها تخوض المعركة، بعد أن استفادت مع درس غزة المؤذي للكل الوطنى.
وقال ابو رزق الهباش كان من القلائل، الذين اكتشفوا زيغ البوصلة لدى حماس، والتعدي على القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، فيما يسميه البعض، بالإقحام في التفسير، الذي يحرف المعاني، ويطوعها لصالح الأماني، في نهاية كل شوط حمساوي يتمسح بالدين. حتى قلب لهم الهباش، ظهر المجن، لفشله في لعب دور المصحح من الداخل، فكان المناكف فالمحاجج فالمعادي لحركة حماس، من الخارج، بعد أن لفظها وما لفظته، لتبدأ مرحلة تشكيك في الهباش، مقابل كل كلمة يقولها أو يكتبها، وطدت لعملية اغتيال معنوي، بالاختلاق والتصفيف الدعائي، على مدار سنوات طوال.
واضاف"تلك تفاصيل نعرفها، فنكتمها إلى حين يجيء وقتها، وتدق فيها الساعة بالميعاد كما الآن، بعد أن جمعتني بالدكتور محمود الهباش، علاقة صداقة وتقارب، أتاحت لي الإحاطة بتفاصيل كثيرة، وساعد في حفظها أشياء ومنها وأهمها القناعة بمظلومية وأهلية وسلامة البرنامج الاصلاحى للدكتور محمود الهباش، والتضامن معه في جرأته على كسر إحدى أهم تابوهات اللسان، في الحديث عن حركة حماس، وبرهنة كذبها من القرآن والسنة .. ولا عجب فالرجل يعرف الإخوان جيدا".
وتابع يقول :وعلى أي حال، فإنني أكتب الآن من باب إنصاف الذاكرة، بشهادة حق، عن أمور تمت أمامي أو على علمي .. وفي هذا أتضامن مع الصديق والاخ محمود الهباش، ولا أسرد الآن ما كتمته، من أجل وزير الأوقاف، كصفة وموقع، ولكن لمنع الانفلات في بيوت الله، في الضفة الغربية وانتصارا لحلم ونهج
صديق ..
فقد بدا لحركة حماس، انها قد استنفذت كل ما لديها من حيل، في التشكيك بالهباش، دون أن يتوارى الرجل، او يتراجع عن برنامجه، حتى عمدت إلى حيلة أخرى، اعتمدت على الترغيب، وعرض موقع متقدم عليه بدرجة وزير، سيما وأنه حتى الآن يتمتع بالنسبة لهم بعضوية حركة حماس، ولم يتم طرده أو فصله، لعله يفيء إلى أمر الإخوان. وقد كنت شاهدا على جلسة، استضفتها في بيتي، قبل الهروب المزعوم للدكتور محمود الهباش إلى رام الله، وكان حاضرا فيها، السفير التونسى احمد الحباسى، وابرز قادة حماس الشهيد المرحوم الشيخ نزار ريان، وآخرون من حماس، تصادف أنهم كانوا تلامذة سابقين، لدى الشيخ الهباش نفسه.
واضاف :أصدق نفسي أولا، أنني ما كنت كاتبا ولا معاتبا، لولا أنني أعرف ما يناقض تماما، الرواية الحمساوية المخترعة حديثا، عن قصة خروج الدكتور محمود الهباش، من غزة إلى رام الله، صبيحة الانقلاب على أنها هروب، كما تقول الرواية الحمساوية التي تعاني من ركاكة في التأليف، وإسناد الرواة .. فالجماعة يكذبون على الملأ.
فبعد أن أكملت حركة حماس سيطرتها، على قطاع غزة، وبعد الانهيار المدوي لمراكز السلطة الفلسطينية، واستسهال البعض فكرة الانسحاب من المواجهة، لأسباب تخص أصحابها. كانت حركة حماس وعبر ميليشياتها، تجمع الغنائم وتوزع أنفسها في نقاط تفتيش، ودوريات استعراضية ترهيبية، في شوارع القطاع، فيما كتائب القسام تؤدي واجبها الحزبي بتنفيذ الإعدامات العامة، وإحداث الإعاقات، في أفراد حركة فتح والأجهزة الأمنية. أذكر جيدا أنه قد جاءتني مكالمة من د. محمود الهباش، في وقت لا تحتمل فيه النفوس جميعا أي نقاش، أو استطرادات حديث، مبديا رغبته في الخروج من قطاع غزة، فقلت في نفسي علينا تأمين خروجك من مخيم النصيرات إلى غزة، قبل كل شيء.
وقال ابو رزق :ولعل غزة التي كانت حينذاك لا تشبه في حزنها، إلا نفسها يوم حزنها ورعبها، قد كانت مسرحا كبيرا لحركة حماس، تمارس فيه عمليات القتل والضرب والإعاقة والاعتقال والدهم، كيفما شاءت حماس نفسها. فيما الطريق التي تربط شمال القطاع مع وسطه وجنوبه، كانت تكتظ بعناصر مسلحة حمساوية، تمركزوا في نقاط تفتيش متتالية، وكان على الدكتور محمود الهباش اجتيازها وصولا إلى غزة، في ظل رفضه التخفي بزي آخر، علما أن بعض أبناء القسام يكنون الاحترام، لشيخهم السابق، وقد رفضوا إيذاءه ــ أي الهباش ــ ماديا في مراحل سابقة.
اتصلت بثلاثة من أبناء القسام، الذين أعرفهم يكنون الاحترام للشيخ محمود الهباش، وقد تتلمذوا على يديه صغارا، ورفضوا الخروج معه كبارا، تمسكا بمبدأ التصحيح من الداخل الحركي، على أن يصطحبوا الشيخ الهباش إلى مقر صحيفة الحياة الجديدة، في منطقة الرمال بمدينة غزة، بعد أن وافق الهباش نفسه، شريطة عدم إخبارهم بنيته الخروج من قطاع غزة، بعد وصوله غزة المدينة. وانصرف الحمساويون الثلاثة من مكتب الصحيفة، بعد أن همس أحدهم محذرا إياي، من أنني قد أتعرض لسوء، وأن المكتب غير آمن للإقامة.
ــ الخروح في حماية السفير ..
وقال ابو رزق:لم يكن أمامي إلا وأن أطرق أقرب الأبواب، وأقصرها إلى السلامة، فاتصلت بالسفير التونسي السابق لدى فلسطين، د. أحمد الحباسي، الذي ربطتني فيه علاقة صداقة وعمل مميزة، سيما وأنني قد عملت مستشارا إعلاميا، لدى السفارة التونسية، لمدة تزيد عن العشر سنوات، عله يأخذ الدكتور محمود الهباش، في ركبه الذي كان يتهيأ للخروج من غزة إلى رام الله، وهو ما قبله بدافع الالتزام الأخلاقي والتقدير للموقف، وسمو القيم العربية والإسلامية لديه، وقد كنا الاثنان، نعلم أن المسألة تخضع لضوابط، وأن العملية ستضوي تحت لواء المخاطرات.
وما أن اجتمع الدكتور محمود الهباش بالسفير، في مقر بعثته بمدينة غزة، حتى بدأت الأحداث تتسارع، على نحو مخيف، سيما وأن من ظن نفسه هالكا بالإقامة في ظل انقلاب حركة حماس، وناجيا منها بالخروج من غزة، قد وقع بين فوهتي بندقيتي جنود الاحتلال الإسرائيلي، على حاجز معبر بيت حانون، وعناصر حركة حماس، وكالعادة كان الناس الضحية، دون أن يصاب أي إسرائيلي أو حمساوي بأذى.
انطلق موكب السفير الحباسي، بعد ساعات من استكماله إجراءات الإخلاء العاجل في حالات الطوارئ، متجها نحو معبر بيت حانون، وفي المقعد الخلفي يجلس الشيخ محمود الهباش، وبجانبه العميد أبو شهاب، المتزوج من سيدة تونسية، فيما السفير أحمد الحباسي، الذي كان في قمة الوفاء والذكاء والإباء، يجلس على غير العادات البروتوكولية، في المقعد الأمامي على يمين السائق.
ــ المرور عن حواجز الموت
..
ووصف ابو رزق لحظة الخوج بالقول: مرت السيارة الدبلوماسية، والتي تعتبر في الأعراف الدولية، جزءً من الأراضي التونسية، كالسفارة ومكان سارية العلم، من بين حواجز الملثمين المزهوين بنصرهم وقتلهم أخوتهم، فيما السفير يبادر بإخراج ما يثبت هويته، لكل ملثم استوقف السيارة. حتى وصلت السيارة الحاجز الأخير لميليشيات حماس، قبيل 300 مترا عن معبر بيت حانون، الذي يرابط فيه جنود إسرائيليون، فاستوقف السيارة ملثم حمساوي، فعاجله السفير بجواز سفره وبطاقته الدبلوماسية. وقبل أن تنطلق السيارة، وإذ بالصراخ يعلو من الخلف، (الهباش الهباش)، حتى دفع الملثم نفسه أمام السيارة طالبا منها التوقف وعدم الانطلاق، وذلك على وقع صوت السلاح واستعداده لإطلاق الرصاص.
ــ موقف لا يحسد عليه أحد ..
ترجل جنود حركة حماس، وأحاطوا بالسيارة مشهرين أسلحتهم، وطلبوا من السفير تسليم الهباش لهم، فما كان من السفير أحمد الحباسي، إلا تصرف بذكائه الحاد، ورجولته في تحمل المسئولية، وقوة شخصيته الآسرة، حينما نزل من السيارة مترجلا، وخاطب الجميع قائلا بصوت عال؛ إن السيارة تعتبر أرضا تونسية، وأن مساسها يعتبر مساسا بالسيادة التونسية، وأنهم بإمكانه قتله قبل العبث بسيارة سفارة دولته، وانتهاك حرمتها.
ولعل أخطر ما في الموقف يومها، أن الملثمين كانوا مصرين على اعتقال الدكتور محمود الهباش، قبل السماح للسيارة بالعبور، وهذا يعني نهاية الرجل، في أيام كان فيها القتل أسهل إجراء ممكن، ومتبع لدى عناصر حماس. وبدا أن ارتكابهم مجزرة بحق السفير ومن معه، لن يكلفهم سوى بيان يشيدون فيه بالسفير ومناقبه، وبحرص حماس على علاقاتها مع الدول العربية جميعا، سيما تونس، وأن عملية القتل كانت نتاجا لخطأ فردي، ستفتح فيه حماس تحقيقا..
اقترح السفير الحباسي، عودة السيارة بمن فيها إلى مقر البعثة في غزة، ولم يصر على اجتياز المعبر ومن معه، وكان ذلك تقديرا موفقا للموقف، امتص فيه ردة فعل كافة ملثمين حركة حماس، وهذا ما دفع قائد مجموعة ميليشيا الحاجز للاتصال بقائده، الذي رحب بالاقتراح، لأنه يضمن بقاء الهباش تحت سيطرتهم، وفي قبضتهم، ولكنهم اشترطوا مصادرة هوية وجواز سفر الدكتور محمود الهباش.
في طريق العودة إلى مقر السفارة بغزة، تابعت إحدى سيارات السلطة الفلسطينية التي استولت حركة حماس عليها حديثا، من نوع لاند روفر، ويستقلها أربعة أشخاص مسلحين، فآثرنا عدم الذهاب إلى السفارة أو منزل السفير، خشية تعرضهما لحصار من حركة حماس، وكانت الطريقة المثلى تقتضي تضليل العسس الحمساوي المسلح، وهو ما تم بعد جهد كبير، والتوجه إلى مكان آمن، حتى كان منزلي في تل الهوى، أفضل خيار ممكن لنا جميعا.
ــ اللقاء والعرض والخروج
..
وما أن وصلنا إلى البيت، حتى بدأ هاتف الدكتور محمود الهباش في الرنين، من مسئولين كبار في حركة حماس، كان أبرزهم الشهيد الدكتور نزار ريان، الذي طلب مقابلة الهباش وجها لوجه، في أي مكان يراه مناسبا، وهو ما تحفظت عليه في البداية، كوني لا أعرف مستوى العلاقة التي جمعت بين الهباش وريان، ولا أريد لأحد أن يترصدني في بيتي.
وأخيرا تم اللقاء في بيتي، وكان أمرا مفاجئا بالنسبة لي، حينما وصل ريان ببدلته العسكرية، بمرافقة عشرة من أفراد المليشيا، وخاطب الهباش بما يمكن تسميته عتابا أخويا، مستنكرا رغبته مغادرة غزة، قائلا: الحمد لله على سلامتك يا شيخ .. عندما سمعت على اللاسلكي ما حدث معك، أخذت على خاطرى .. لا لا يا شيخ سامحك الله ... أنت ستبقى شيخنا وحبيبنا، ومهما وصل بيننا من خلاف في الرأي نبقى أخوة..... أتتركنا بعد أن من الله علينا بالتمكين ...ستبقى شيخنا وأخانا، وما حدث سنجد له حلا، وأخذت وعدا من الأخوة بطي صفحة الماضي وأنا اضمنه بمنحك أي وزارة تريد..'.
هنا قاطع الدكتور الهباش، حديث الدكتور نزار ريان، قائلا: لا أريد سوى مغادرة غزة .. المشكلة ليست في المواقع والمناصب .. أنا لا أستطيع التعايش معكم ... ما يحدث لا يرضى الله .. ولا استطيع السكوت عنه'.
وبعد أكثر من ساعتين، من الحوار والنقاش، نزل ريان عند رغبة الهباش، وقاده بنفسه إلى معبر بيت حانون .
تلكم هي قصة خروج الدكتور محمود الهباش، من قطاع غزة، وما سواها باطل مختلق، تلقى إثمه حركة حماس، التي لا ترعى في الخصومة أي شرف.