الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

كاتب اسرائيلي تجول في شوارع غزة ووصف الوضع فيها ببرميل بارود ينتظر عود الثقاب

نشر بتاريخ: 06/09/2006 ( آخر تحديث: 06/09/2006 الساعة: 21:26 )
بيت لحم-معا- قال الكاتب الاسرائيلي "يغال سيرنا" في مستهل تقريره الصحفي الذي ضمنه خلاصة جولته الميدانية في قطاع غزة ونشر اليوم ان خير ما يختصر وضع غزة المدمرة والمحطمة هو منظر بائع الطوب المستعمل واصفا اياه بـ "الفقير الذي يستبدل جواربه القذرة بجوارب صديقه" .

واضاف الكاتب " اينما ذهبت وحيثما جلست في غزة تجد بائعا يعرض الطوب المستعمل بعد ان ازال عنه بقايا اسمنت القصارة التي علقت به ليبيعه بشيكل واحد بدلا من ثلاثة شواقل هي ثمن قطعة الطوب الجديدة واذا سألت عن مصدر البضاعة يتضح لك بانها قادمة من بقايا المستوطنات المدمرة او البيوت الفلسطينية التي يدمرها الجيش الاسرائيلي بعد ان يتصل باصحابها هاتفيا ويطلب منهم اخلاءها خلال نصف ساعة تاركا اياهم في حيرة من امرهم لا يعرفون لمن يتوجهون او من اي مكان يراقبهم هذا الاسرائيلي غير المنظور هل يراقبهم من طائرته المسيرة ام من طائرته العمودية ام من خلال المنطاد الذي يعلو سماء غزة ؟ لكن النتيجة واحدة وهي اختفاء جدران منازلهم وتلاشيها بعد اول تحليق لطائرة اسرائيلية" .

واستطرد سيرنا قائلا " في كل مرة تعتقد بانك وصلت الى قاع برميل غزة تكتشف بان قاعا اخر اكثر عمقا ينتظرك ولم اشاهد غزة مدمرة وملوثة اكثر مما رأيتها الاسبوع الماضي، حيث لا رواتب لعمال النظافة وجامعي القمامة التي ازكمت رائحتها الانوف ولا كهرباء او ماء او رواتب فكل شيئ مفقود سوى الروائح النتنة والخوف الذي يسيطر على اجواء المدينة سواء من الجيش الاسرائيلي الذي يهدم منازلهم من الجو او مطلقي صواريخ القسام الذين يسيطرون عليهم من البر .

ووصف سيرنا غزة باكبر معتقل في العالم واسهل ميدان تدريب اسرائيلي واضاف " ان المرحلة الاخيرة من حياة غزة قد بدأت يوم 25/6 عندما هاجمت مجموعة فلسطينية دبابة اسرائيلية واسرت جنديا كان من ضمن طاقمها حيث افادت مصادر وزارة الصحة الاسرائيلية عن مقتل 240 فلسطينيا بنيران الجيش الاسرائيلي منذ ذاك اليوم قسم منهم من النساء والاطفال وعدد كبير من الجرحى ليشكلوا نزيفا بشريا بعيدا عن العين الاسرائيلية تماما مثل بعد غزة ذاتها التي تشكل موقعا سهلا ومريحا لتدريب الجيش الاسرائيلي يشهد معركة مضللة جدا تدور بين الاقوياء والضعفاء لتصبح اكبر معتقل في العالم يضم بين جدرانه مليون ونصف المليون انسان دون ماء او كهرباء بسبب تدمير اسرائيل محطة الكهرباء بعد خمسة ايام على اسر الجندي ليحول ليالي غزة الاسيرة الى ظلام ويمنع مراوحها وبراداتها عن العمل المتواصل ".

ودخلت غزة مرحلة التقنين في التيار الكهربائي فكل ثماني ساعات من التيار يتبعها ثمان اخرى من الظلام مما يؤدي الى توقف برادات المنازل عن العمل وتلف الاغذية التي عمد سكان غزة على تجميدها خلال ساعات الكهرباء املا في صمودها فترة الظلام .

وقال السائق منير الذي رافق الكاتب الاسرائيلي في جولته " معبر كارني مغلق مما يعني ارتفاع ثمن السجائر الى تسعة شواقل بدلا عن خمسة واختفاء الحليب وبقاء بعض البندورة والملفوف والعنب فقط كون باقي الخضار تأتي من اسرائيل وقت فتح المعبر ومياه غزة قذرة رغم الكثير من اليافطات التي تحذر من الاستخراج الارتجالي للمياه لكن الاغنياء لهم مضخاتهم الخاصة التي تستخرج المياه من الاحتياطي الاخذ في التقلص وكذلك ابتاع الاغنياء مولدات الكهرباء بـ 4000 شيقل اما نحن الفقراء فلا يوجد لنا شيئ ".

وتابع الكاتب يقول "الغزاويون اسرى عاطلون عن العمل ومعتقلون بلا مصدر رزق بسبب الحصار الاسرائيلي وحين وصلنا الى مركز المدينة شاهدنا طابورا من الرجال يصطفون امام مكتب البريد حيث يوجد عنصران من حماس يدققان في قوائم كمبيوترية قبل ان يمنحا كل عامل يسعفه الحظ ويظهر اسمه في تلك القوائم ما يعادل المئة دولار من اجل شراء الكتب والقرطاسية استعدادا لافتتاح العام الدراسي وقال لنا احد المواطنين " فتح سرقت النقود ومنحتها الى فاسديها قبل ان تذهب وحماس توزع النقود للفقراء لكن لفقرائها فقط ومن يعطينا نحن الفقراء غير التابعين لحماس ".

واضاف الكاتب يقول "ومن خلال هذه الصورة القاتمة والمدمرة لا تشاهد سوى مقر امني يشبه البنتاغون في وسط الصحراء يدل على الحداثة والتطور ويحتوي الكثير من الممرات الداخلية وملاعب الرياضة ويقع على مقربة منه فندق فخم يحتوي على بركة سباحة يشترك في ملكيته الامير السعودي طلال وهناك لحظات تشاهد فيها مناظر بهيجة في غزة لكنها سرعان ما تختفي .

وتابع الكاتب تقريره "وجلس رجل المخابرات الفلسطينية ممدوح بورنو الذي يجيد الانجليزية والابتسام في غرفته الفاخرة وقد تسمرت عيناه على شاشة التلفاز المسطحة وهو على معرفة بان اسرائيل تبحث عن جنديها المفقود دون ان تحقق اية نتائج حتى الان رغم اكثار اهالي غزة من الحديث عن المجموعات الثلاث التي اسرت الجندي الا ان كل غزاوي يدرك الستار السري الذي احيطت به تلك العملية وكذلك مكان احتجازه مما يشكل فارقا مهما عن عمليات حركة فتح التي كانت مستباحة لعملاء اسرائيل وسهلت الكشف عنها .

وقال ممدوح الذي تجنب طوال الحوار استخدام مصطلح خطف او اسر واكتفى بالقول "مشكلة شاليط "ان كل شيئ تعطل في غزة بعد تلك المشكلة وفقد 240 فلسطينيا حياتهم معظمهم من المدنيين ".

وحين سألته عن مكان الجندي وقلت له اين الجندي لقد مرت فترة عليكم كنتم تعرفون فيها كل شيئ وهناك اشاعات عن نقله الى مصر ؟

اجابني ممدوح " لا فكرة لدي وانا اعرف انكم تبحثون عنه لكن يوجد لنا 10000 شاليط في سجونكم وعدا مشكلة شاليط يوجد لنا مئات المشاكل المتفجرة من كهرباء وقتلى وجرحى وعمل وفقدان القانون والنظام لقد فقدنا 80% من طاقة الكهرباء نتيجة غارتكم ومصر اعربت عن استعدادها لاصلاح الكهرباء لكنهم ينتظرون وصول قطع الغيار من النرويج واسرائيل التي يجب ان توافق على ادخالها ...ان كل شيئ معطل ".

وتساءل كاتب التقرير "هل مكان احتجاز شاليط سري جدا" ؟

واجاب قائلا :واضح ان الامر كذلك وغزة شديدة الازدحام وعندها ابتسم ممدوح وكأن الازدحام قد تحول في هذه الحالة الى افضلية وسلاح واستمر قائلا " ان افضل طريقة بالنسبة اليكم لايجاد الجندي هي الحوار والمفاوضات وهناك اشاعات عن نيتكم القيام بعملية عسكرية واسعة لاطلاق سراحه لكن المفاوضات افضل لكم ".