الإثنين: 20/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

من ذاكرة الحرب: شقيقا نبيل أبو طعيمة أرادا حفر قبره أملا بعودته حيا !

نشر بتاريخ: 29/12/2011 ( آخر تحديث: 29/12/2011 الساعة: 13:59 )
غزة-معا- رواية عن عائلة أبو طعيمة نشرها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان "الحياة تحت نير الاحتلال تعني أن آمالنا ستتحطم يوماً ما. مثلاً، عندما تربي ابنك وتضع كل آمالك عليه، ثم يأتون ويقتلونه، فإن أحلامك كلها تذهب أدراج الرياح."

في ساعة مبكرة من صباح الثامن والعشرين من ديسمبر 2008، كان محمود أبو طعيمة، وزوجته منال، وابناهما خليل ونبيل يجمعون ثمار الكوسة من مزرعتهم في بلدة خزاعة، شرق مدينة خانيونس. وبعد ساعات توجه الأخوان إلى مزرعة عمهم، والتي تبعد مئات الأمتار إلى الغرب من مزرعتهم. في حوالي الساعة 08:30، أطلقت قوات الاحتلال قذيفة من منطقة السياج الحدودي، فسقطت بين الأخويْن، ما أدى إلى مقتل نبيل 16 عاماً، وإصابة خليل بجروح خطيرة.

يعود محمود أبو طعيمة (40 عاماً) بذاكرته إلى ما حدث، فيقول: "عليكم أن تفهموا بأن المنطقة كانت هادئة جداً، وكان المزارعون يعملون في مزارعهم. إنها منطقة مفتوحة. ورأيت قذيفة قادمة من منطقة السياج الحدودي باتجاه الأراضي الزراعية، وسمعت صوت الانفجار بعد ذلك. وركضت بسرعة نحو المكان الذي وقع فيه الانفجار لأنني كنت أعلم بأن إبنيّ كانا هناك، وما أن وصلت حتى وجدت الناس قد وضعوهما على عربة يجرها حمار لنقلهما إلى المستشفى، وكان خليل يعاني من جروح خطيرة في الصدر والأطراف نتيجة لإصابته بشظايا القذيفة، وفور وصوله إلى المستشفى، خضع خليل لعملية جراحية لإنقاذ حياته. تضيف والدة الطفلين منال، 37 عاماً، قائلة: "بينما كنا ندفن نبيل، كنا نتوقع وصول جثة خليل من المستشفى أيضاً."

شعرت عائلة أبو طعيمة، والتي تعيش في بلدة عبسان، شرق خانيونس، بالصدمة لوفاة نبيل، لا تزال الذكريات الجميلة مع نبيل عالقة في أذهان والديه وإخوته الستة: خليل، 20عاماً؛ نعيمة، 18 عاماً؛ إسراء، 15 عاماً؛ محمد، 14 عاماً؛ عبد الرحمن، 9 أعوام؛ إبراهيم، 6 أعوام. ويقول والده: "كان نبيل جزءاً منا، وله مكانة كبيرة في قلبي. أتذكره في كل لحظة وأشعر بأنه موجود بيننا. فمثلاً الآن، عندما أحتسي الشاي، أتذكر نبيل وأشعر به حولي. عندما أتناول طعامي، أشعر به وكأنه لا يزال هنا بيننا. لا يمكنني أن أنسى نبيل."

وتقول الأم "كان تفكير نبيل أكبر من عمره. كان ذكياً في المدرسة، حيث كان مدرسوه والطلاب يحبونه جداً، كما أنهم يزوروننا في ذكرى وفاته من كل عام. بالإضافة إلى الذهاب إلى مدرسته، كان نبيل يحب تربية الأرانب، لقد كان لدينا نحو 50 أرنباً قبل وفاته.ومنذ وفاته، ماتوا جميعاً ولم نحضر أرانب جديدة. لم نعد نحب ذلك الأمر الآن وقد رحل عنا نبيل". كان لإبراهيم، 6 أعوام، وعبد الرحمن، 9 أعوام، علاقة وثيقة بنبيل. تضيف منال قائلة: "لقد تأثرا كثيراً بوفاة نبيل، فقد أرادا أن يأخذا المجرفة لفتح القبر، كي يتمكنوا من إخراجه وعرضه على الطبيب ليعالجه. لقد شعر إبراهيم بالضيق والضغط لمدة طويلة، لذا أخذته إلى طبيب نفسي. عندما أخبرت الأطفال بأن هنالك منظمة تعنى بحقوق الإنسان ستزورنا للحديث معنا، سألني إبراهيم إن كانت هذه المنظمة سوف تعيد نبيل إليهم."

أمضى خليل السنوات الماضية وهو يخضع للعلاج كي يتماثل للشفاء من جروحه."بعد ثلاثة أيام، تم تحويلي إلى مصر لإجراء عملية جراحية أخرى. وبعد عدة شهور، توجهت إلى منظمة أطباء بلا حدود بعد انتهاء العام الدراسي آنذاك وخضعت لثلاث جلسات من العلاج الطبيعي، مدة كل جسلة ثلاث ساعات. لقد كانت أياماً طويلة، وعلى الرغم من كل ذلك، لاتزال هنالك بعض الشظايا التي لا يمكن إزالتها في ساقيّ وصدري وذراعيّ. يوجد مناطق في ساقي اليسرى لا أشعر بها على الإطلاق، فضلاً عن ذلك، أشعر بألم مستمر في كاحليّ ولا يمكنني أن أتحرك مثلما كنت أفعل سابقاً. لقد تأثرت حركتي، بما في ذلك سيري، فلا يمكنني القيام بكل ما أريد. على سبيل المثال، ألعب الآن كرة القدم لوحدي لأنني أخشى أن يضرب أحدهم قدمي فتؤلمني."

بالإضافة إلى إصابته الجسدية، يحاول خليل أن يتعامل مع خسارته لأخيه والصدمة التي تعرض لها بسبب تلك الحادثة، "لقد اعتدنا الذهاب إلى المدرسة وإلى أي مكان آخر معاً. أشعر وكأنني فقدت جزءاً من جسدي، ومن الصعب أن أواصل حياتي دون ذلك الجزء، لقد كنت في مرحلة التوجيهي عندما بدأ الهجوم على غزة، وكان عليّ أن أذهب إلى المدرسة. لقد شعرت بصدمة كبرى عندما وقعت الحادثة. عندما كنت أخلد إلى النوم، كنت أسمع صوت صاروخ يأتي باتجاهي. لقد أنهيت مرحلة التوجيهي آنذاك بطريقة أو بأخرى، وأنا أدرس في الجامعة الآن." تضيف منال بأن خليل أصبح يتعرض لنوبات من الخوف بعد وقوع الحادثة، فتقول: "حتى صوت العصافير قد يصيبه بنوبة من الذعر."

بعد مرور عدة أيام على الهجوم، قامت قوات الاحتلال بتجريف المزرعة التي تمتلكها عائلة أبو طعيمة، والتي تبعد حوالي 700 متر عن السياج الحدودي، "كنا نزرع ثمار الكوسة في مزرعتنا، وكانت فيها غرفة صغيرة لتخزين الأسمدة والمعدات، ومضخة للمياه، وشبكة للري. لقد دمر كل شيء الآن. لم نتمكن من الوصول إلى المزرعة لمدة عامين لأن الوضع كان خطيراً. أما الآن، فبإمكاننا الذهاب إليها على الرغم من إطلاق جنود الاحتلال النيران باتجاهنا، ولكن الأمر غاية في الصعوبة. يضيف محمود: "لقد فقدت الدافع للعمل في المزرعة بعد أن فقدت ابني."

لم يعد محمود يجرؤ على تعليق آمال أو وضع تصورات للمستقبل بعدما حدث. ويقول: "الحياة تحت نير الاحتلال تعني أن آمالنا ستتحطم يوماً ما. مثلاً، عندما تربي ابنك وتضع كل آمالك عليه، ثم يأتون ويقتلونه، فإن أحلامك كلها تذهب أدراج الرياح. نحاول أن نفكر في المستقبل وأن نضع أهدافاً بعيدة المدى، ولكن أضحى الأمر مستحيلاً بالنسبة لنا".

لا تشعر عائلة أبو طعيمة بالتفاؤل بشأن محاكمة المسؤولين عن مقتل ابنهم. ويقول محمود: "لم يكن نبيل أول ولا آخر من تقتله قوات الاحتلال، فقد قتل العديد من الأطفال أيضاً حتى لو تمكنوا (الإسرائيليون) من اعتقال الجندي الذي أطلق القذيفة، فسوف يدّعون بأنه مجنون."

وتقدم المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بشكوى جنائية إلى سلطات الاحتلال نيابة عن عائلة أبو طعيمة في الثاني من يوليو 2009، ولكنه لم يتلقَ أي رد حتى الآن.