الأربعاء: 11/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

لاول مرة : تكريم المبدعين من مثقفي الحركة الاسيرة

نشر بتاريخ: 28/07/2005 ( آخر تحديث: 29/07/2005 الساعة: 00:38 )
معا - في قاعة بلدية البيرة وبدعوة من نادي الاسير الفلسطيني واشراف وزير الاسرى سفيان ابو زايدة وحضور لفيف من كبار الشخصيات والمهتمين ، جرى تكريم الاسرى الذين الذين ساهموا في خلق حالة من الابداع الثقافي والاعلامي الفلسطيني
وقاد عرافة الحفل الصحافية نجود القاسم فيما القى الوزير كلمته التي اشاد فيها بالثقافة التي انتجتها الحركة الاسيرة وتذكر كيف كانت قصائد المتوكل طه تطفئ لهيب سجن النقب الصحراوي في الانتفاضة الاولى

اما عيسى قراقع رئيس نادي الاسير الفلسطيني فقد اشاد بدور الثقافي للاسرى وقال ان هذه هي المرة الاولى التي يجري فيها تكريم فوج من المبدعين من ابناء الحركة الاسيرة والذين تحدوا الزنزانة والسجان وطوروا ثقافتهم وساهموا من خلالها في اغناء المجتمع الفلسطيني والحركة الوطنية بدوره الشاعر المتوكل طه رئيس بيت الشعر القى قصيدة من وحي السجن وفي الختام قامت لجنة التكريم المكونة من سفيان ابو زايدة وزير الاسرى
المتوكل طه رئيس بيت الشعر عيسى قراقع رئيس نادي الاسير الفلسطيني المحامية فدوى البرغوثي الكاتب اسعد الاسعد والكاتب حسن عبدالله والدكتور سمير شحادة مدير عام المؤسسات في السلطة .

وقبل ان تقوم لجنة التكريم بتسليم الدروع للاسرى الذين جرى اختيارهم ككوكبة اولى القى الكاتب الفلسطيني حسن عبد الله كلمة ملخصة اوضح فيها لماذا جرى اختيار كل اسير وما اسهاماته في الحركة الثقافية الفلسطينية وهذا نص كلمة الكاتب حسن عبد الله

الاخوة والاخوات الحضور، يسعدني ان اقف اليوم في هذه المناسبة ، لاشكر نادي الاسير الفلسطيني على هذه اللفته التي تنم عن شعور بالمسؤولية تجاه اسرانا ومحررينا وتجاه التجربه الاعتقالية بما تمخض عنها من ثقافة وفكر وابداع .
اليوم والنادي يكرم نخبة من المبدعين الذين تحدوا السجان واشعلوا اصابعهم شموعاً بددت ظلمة الاكياس الحجرية ، فإنه يكرم الثقافة الفلسطينية بأبعادها الوطنية والقومية والانسانية الرحبة .... كأننا في هذه اللحظات ننتزع البسمة من بين انياب البؤس ، كأننا نلملم الفرح ونستخرجه من بين حدي الجرح ...اليوم ونادي الاسير يكرمنا ، فإننا بدورنا نقول ان من يكرموننا هم من المكرمين ، حيث لا فرق بين مُكرَم ومُكرََََّم مادام الجميع تخرجوا من تجربة الاعتقال بعد ان تجرعوا مرارتها طويلاً ، تكريمنا اليوم هو تكريم للاخ وزير الاسرى سفيان ابوزايدة الذي له بصمات في ترسيخ الثقافة والابداع في المعتقلات ، وتكريم للاخ الوزير قدوره فارس ، الذي عرفته في معتقل الجنيد مناضلاً صلباً ومحاوراً ذكياً ، كان الاخ قدورة مسكوناً بهم كل واحد من اخوته ورفاقه ، وهو تكريم ايضاً للاخ عيسى قراقع رئيس نادي الاسير مدمن قضية المعتقلين ، يعيشها وهو يتحرك في شوارع رام الله او بيت لحم ، كما لو كان في ساحة ثورة الجنيد او معتقل نابلس القديم ، انسان ينام ويقوم وذهنه مشغول بتفاصيل المعتقلات وبالمحاكم والكنتينة والزيارات والمخصصات ووجع الاطفال والزوجات اما الاستاذ اسعد الاسعد فقد كان له دور بارز في تحضير المبدعين المعتقلين على الكتابة والانتاج ، وشكلت مجلة الكاتب جسراً مهماً بين المبدعين المعتقلين والجمهور الواسع ..... ايتها الاخوات ايها الاخوة ، فرسان الثقافة التي تحدت القيم هم كثر ، بعضهم اصبح له امتداد في الاعتقال حتى بعد مرور سنوات على تحرره كما هو الحال بالنسبة الى الدكتور سمير شحادة الذي يتابع نبتته وهي تكبر وتصبح شجرة وارفة الظلال ، يتباهى بما يطرحه ابنه المعتقل نزار من ثمار :

يا والدي طال الزمن وضفاف جرحي نازفة
يا والدي جرحي وجرحك توأمان
اواما سمعت هتافه
فيه الالم وفيه الامل ، يعني العزيمة لا الوهن

ومن هؤلاء الفرسان عائشة عودة الكاتبة الجريئة التي تناولت الحياة في المعتقل بعمق غير مسبوق وبصدق غير مسبوق ايضاً ... ومنهم ايضاً مؤيد عبد الصمد ، الشاعر الذي مازال يقبع في الاعتقال ، ينظم شعراً يجمع ما بين شفافية وخشونة الانسان والقلم .... صوت المتوكل طه الشاعري متميز ، لكن ما كتبه في الاعتقال كان له طعم مختلف ، ولو اخذنا مطوله " فضاء الاغنيات " كنموذج لوجدنا انفسنا امام قصيدة ملحمية ، حيث صدق الاستاذ جمال صالح الديك حينما قال عنها : ان المتوكل تماوج في القصيدة كما البحر وخبأنا من حر شجنه في خمائل قصيدته التي هي مجموعة رسائل في رسالة واحدة .... لابد ان نذكر في هذا المقام الشاعر والروائي خضر محجز ، الذي نسج روايته الاولى في معتقل انصار 3 ، وقد واكبت شخصياً حالة مخاض الرواية لحظة بلحظة قبل ان تحمل الايدي الشريرة خضر محجز وتقذف به خارج الوطن ، ولاننسى فايز ابو شماله الذي ظل طيلة فترة اعتقاله يغرد شعراً ، ويجترح من الشعر تغريداً ، او يجعل من التغريد صوت الشعر ويطابق بين ملمس وشفافية الشعر والتغريد ، زميلنا وصديقنا الشاعر عبد الناصر صالح ، الذي تشعر بقربه التلقائي منك حينما تقرأ له اشعاره التي كتبها في المعتقل او بعيداً عن الاعتقال ، كما تشعر بنفس القرب عندما تلتقيه صدفة في الشارع او في ندوة ثقافية ، وماذا ايضاً ايها الاخوة والاخوات هل نستطيع الحديث عن فرسان الكلمة والابداع دون ان نتوقف عند اسم ناصر اللحام ، الذي عرفته منذ سنوات طوال ، عندما كان يقبع في معتقل رام الله غرفة 10 ، يسابق الزمن في التعلم والقراءة ويسهر على تثقيف نفسه ، وها هو ما زرعه هناك في تربة السنين يصبح بستان ثقافة ولغة واعلام ... الكتابة في المعتقل هي نفح الروح في الكلمات لكي تتفاعل وتتجدد وتنمو ، وتخرج من اطار حيزها لتتجاوز مكان ولادتها ومن ثم تأخذ طريقها لتتمدد في كل الوطن بل وابعد من حدود الوطن .. واذا كانت الكتابة تبشر بولادة نص ادبي ، فإن تجربة فهد ابو الحاج قد بشرت بولادة انسان جديد ، كيف لا وقد دخل المعتقل لا يعرف القراءة والكتابة ، وخرج باحثا ، ومن يريد ان يعرف تفاصيل اكثر عن جهد ومثابرة الاخ فهد ، فليذهب وليزر مركز ابوجهاد لشؤون الحركة الاسيرة ، ليجد لمسات هذا الانسان في كل كراس ولوحة ..... وحينما نريد مثالاً على ارتباط الابداع بالارادة ، فإن لوحات الاخت مي الغصين تقول لنا ، انا المثال الانصع ، وعندما مريد قصة ينطبق عليها السهل الممتنع ، فما علينا الا ان نقرأ للكاتب سامي الكيلاني ، المبدع الذي تناول مواضيع لم يسبقه اليها احد ، اما خديجة ابوعرقوب ، التي بدأت النضال فقيرة ، واستمرت بعد سنوات طويلة فقيرة ، لكن فقرها يحمل في طياته كل اشكال الغنى ، مادام الغنى الحقيقي هو غنى النفس وغنى الموقف ، فخديجة التي كانت قبل بضع سنوات لا تملك جهاز تلفاز +++ حافظ ابوعباية الذي علم الكثيرين في المعتقل ، كيف يستطيع الاسير ان يجعل من برشه مكتبة دائمة وورشة عمل مفتوحة ، كان يضمد جراح الآخرين حتى وجراحه تنزف ، واذا كان المطلوب اليوم من المثقف ان يظل منتصباً ، مستنفراً ، مؤمناً برسالته يشحذ لنفسه يومياً ليستطيع ان يشحذ للآخرين ، فقد كان وليد الهودلي نموذجاً للشحذ المستمر ، وكذلك فاضل يونس بقصصه ورواياته حيث مازال يمارس بعد تحرره فعل الشحذ والتعبئة ، مثلما تمارس الاخت عطاف يوسف رسالة الصحافة وترسمها بأفق جديد وبرؤية جديدة وبقلب مفتوح الصفحات في كل اتجاهات الابداع ...... ايتها الاخوة والاخوات ، التقى الصحفي الاسرائيلي يرون ميخائيلي ، عندما كان يقوم بمهمة سجان في معتقل النقب ، بالصحفي الفلسطيني عدنان الضميري ، الذي كان يمارس مهماته النضالية في الاعتقال ، الضميري اجبر ميخائيلي على الاعتراف بأن الكاتب او الصحفي الفلسطيني المعتقل هو من طراز خاص ، الضميري نفسه الذي وصفوه في هآرتس بتاريخ 18/3 ، ب " الديسك" ، والمقصود ديسك الكمبيوتر الذي يجمع في الذاكرة كماً هائلاً من المعلومات في الشأنين الفلسطيني والاسرائيلي ، ان تكريم الضميري اليوم ، هو تكريم الروح المبادرة الوثابة ......... رحل الكاتب المبدع عزت الغزاوي ، وبقيت روحه تعيش معنا ، نتحسسها بأصابعنا وبقلوبنا ونحن نقرأ له ، ومع كل نص كتبه الغزاوي في الاعتقال او خارج الاعتقال ، سنظل نذكر اباجاد الذي مثل دائماً العمق في البساطة .... ايها الحفل الكريم ، ان الوطني والقومي والانساني ثلاثية جمعها سمير قنطار اللبناني الذي سلخ من عمره اجمل السنوات كرمال عيون فلسطين ، وهو يدرك ان ذلك كرمال عيون الوطن العربي الكبير ، سمير قنطار المناضل والمبدع يحبه جميع الفلسطينيين ، كما يحب كل واحد منهم اخوته ، ويخافون عليه كما يخاف الواحد منا على ابنائه ، وينتظرون تحرره بلهفة انتظارهم للتحرر من السجن الكبير الذي جعله الاحتلال بمساحة وطن ..

الانسان قضية ، الانسان موقف ، هكذا قال الشهيد غسان كنفاني منذ سنوات ، كان الشهيد علي فرج ، جسد القضية والموقف في الاعتقال ، فقد ظل يجسدهما حتى اللحظة الاخيرة ، وهو يرحل عنا برصاص الغدر ، وبالتأكيد مازالت روحه الطاهرة تجسدهما وهي ترفرف في العلا .
هيهات هيهات ... ان يستطيع الكاتب مهما حاول الاختزال والتكثيف ان يفي اخوته ورفاقه ما يستحقون ، هل يستطيع في سطرين او ثلاثة ان يتحدث عن ابداعات عطا القيمري الذي يشكل لنا ب " مصدره " نافذة يومية على المجتمع الاسرائيلي ، وماذا يستطيع ان يقول في عجاله حول من اتقن اللغة العبرية في الاعتقال اكثر من اهلها .... واذا كانت الكلمات القليلة عاجزة عن تناول تجربة القيمري كما ينبغي ، ليس بمقدورها ايضاًالاحاطة بتجربة ذات ابعاد كثيرة لأحمد ابوغوش تراوحت بين الشعر والقصة والمقالة السياسية والنظرية والبحث العلمي ، ابوغوش مثال للمثقف العضوي على رأي غرامشي .....

ايها الاخوة والاخوات ، اعترف ان كلمتي كانت طويلة مع انني اكره الاطالة في الكلمات ، لكن حينما تريد ان تضمن سبعاً وعشرين تجربة ، في كلمة تلقيها في مهرجان فإن ذلك يعني ركوب مجازفة حقيقية ، فليعذرني اذا الاخوة ، نمر شعبان الصفدي ، وحمد الله عفانه ، وجمال سلسع ، وعيسى عبيدو ، ومعاذ حنفي ، فليعذروني ، مادام كل واحد منهم قد شكل بصمة ، فعسقلان اكاديمي هي يا عزيزنا شعبان كانت ابداعاً ، اما الاخ جمال سلسع فإن اشعاره ظلت وفية للتجربة حارة كحرارتها ، في حين عيسى عبيدو وحمد الله عفانه فقد كانت لوحاتهما تمثل صوت وجعنا ولون فرحنا كما كانت اشعار معاذ حنفي ..... ان العطاء في فلسطين انواع ، فهناك عطاء حد الشهادة ، وعطاء مفتوح على افق الحياة ، شهادة من اجل الحياة ، وحياة تتجسد فيها كرامة الانسان ، ففلسطين تنهض بمبدعيها سواء كان ذلك في الميدان الانتفاضي او في ميدان القلم والريشة والكاميرا ، فالوطن ينهض بمبدعيه ، يغني ، يحزن ، ينتصر ، ينزف ، يعزف ، يكبو ثم ينهض ، ينكمش ، ينتشر ، يتراجع ، يتقدم ، يخبو يتوهج ، يجيء يسافر ، يبقى ، ينبلج ، من عظمة ابناءه المعطائين ، يسير على قدميه راسخاً ، يتلون بلون عطائهم وينتشي بعبق عرقهم .)