دراسة متأنية لبرتوكول باريس الاقتصادي وتطبيقاته
نشر بتاريخ: 30/09/2012 ( آخر تحديث: 30/09/2012 الساعة: 11:46 )
بقلم: د.حازم الشنار
على وقع ازمة الغلاء الناجمة عن رفع الضرائب والاسعار تصاعدت في الاونة الاخيرة النداءات المطالبة بالغاء اوعلى الاقل تعديل ما يعرف باتفاق أو بالأحرى برتوكول باريس الاقتصادي، محملينه المسئولية عن تلك الازمة، نظرا لربطه سقوف بعض الضرائب والاسعار التي تم رفعها بنظائرها في اسرائيل.
بينما انطلقت نداءات اخرى ترى ان هذا البروتوكول مازال رغم مرور 19 سنة على توقيعه يمثل الحد الادنى الممكن من المصالح الفلسطينية ضمن المعطيات الراهنة وتطالب بالتروي قبل المناداة بالغائه بل تعطي الاولوية للسعي لتطبيق اسرائيل الدقيق والامين له ووقف تجاوزاتها لنصه وروحه وسد الثغرات في تنفيذه، مع ادراكها لاهمية النداءات لاعادة النظر به ومواصلة العمل على تطويره. وترى وجهة النظر الاخيرة ان النداءات التي تطالب بالغائه في الظروف الراهنة نجمت بالاساس عن سوء فهم وتقدير لابعاد ومسببات الازمة الانية ونتائجها من جهة وسوء فهم للبرتوكول ومضامينه ومحدداته من جهة اخرى.
وأول سوء فهم لبرتوكول باريس هو كونه اتفاقية منفصلة مع انه كان ملحقا بالاتفاقية الانتقالية بين م.ت.ف واسرائيل وجزء لا يتجزء منها، وعليه فان الغائه لايمكن ان يكون بمعزل عن تلك الاتفاقية، وان التركيز على الحل في الجانب الاقتصادي مع اهمال الجمود في المجال السياسي ودون انهائه أمر غير معقول أو مقبول. كما أن تحميل السلطة مسئولية الأزمة المالية كاملة وتجاهل الدور المركزي للاحتلال وإجراءاته فيها يوجد به تجن وقصور وتوجيه أصابع الاتهام كلها إلى العنوان الخطأ بل والبحث عن الحل في الاتجاه غير الصحيح .
وللوصول الى قرار حول الموقف الاكثر ملائمة تجاه هذا البرتوكول والطريقة المثلى للتعامل معه وجدولة الأولويات لذلك هناك حاجة لدراسة متأنية له ولاليات ومجريات تطبيقه ونتائجها وتداعياتها. ومن اجل توازن الرؤية نرى ان نتناول اولا مفهوم هذا الاطار للعلاقة الاقتصادية لدى كل من الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي.
المفهوم الفلسطيني:
الغاية من هذا البرتوكول وفق الأخ احمد قريع رئيس الفريق المفاوض والموقع عليه:"إخراج الاقتصاد الفلسطيني من بطن إقتصاد الاحتلال الاسرائيلي، وإحداث أوسع قدر ممكن من التعادل بين اقتصاد اسرائيلي كبير ومتقدم، وبين اقتصاد فلسطيني صغير في طور النمو الأولي، من خلال تقطيع أواصر التبعية الاقتصادية والمالية بالحد الاقصى المتاح، وبالتالي الخروج من دائرة الهيمنة الاسرائيلية الكلية على الحياة الاقتصادية الفلسطينية، وخلق مقومات تنمية مستقلة تتيح تطوير إقتصاد ذي سياسات منفصلة عن الاقتصاد الاسرائيلي."
ووفقا لابي العلاء " فقد جاء هذا الاتفاق لينظم العلاقة الاقتصادية، لأول مرة وعلى نحو فيه قدر وإن كان محدوداً من التكافؤ ، بين اقتصاد تابع واقتصاد مهمين تماماً، كان فيه القرار الاسرائيلي حتى حينه قراراً كلياً ومسيطراً سيطرة مطلقة وتامة على كل مناحي الحياة الاقتصادية الفلسطينية، حيث كانت تجبى الضرائب وتدفع الرسوم الجمركية دون أن يعود منها شيء على الاقتصاد القابع في جوف الحوت الاسرائيلي".
المفهوم الإسرائيلي: لاتتوفر تصريحات لمسئولين اسرائيليين شاركوا في توقيع البرتوكول حول مفهومهم له وغايتهم منه، لكنه من خلال النصوص التي تم التوصل اليها وفي ضوء الممارسة الفعلية على الارض الذي تلت توقيعه من الممكن استقراء الموقف الاسرائيلي تجاهه والذي تطور وفقا لتطور الظروف في العلاقة بين الجانبين وتبدل القيادة السياسية في اسرائيل ويمكن تلخيص ابرز ملامحه بما يلي: تحرير سلطة الاحتلال من مسئولياتها تجاه المناطق المحتلة وتوفيرالامكانية والموارد الضرورية لسلطة الحكم الذاتي لتقديم الخدمات الاساسية لسكان المناطق الواقعة ضمن صلاحياتها ولادارة الشئون الحياتية والمعيشية لهم مع ضمان الاستقرار والهدوء الامني مع اسرائيل، ولكن في نفس الوقت مع ابقاء الاقتصاد الفلسطيني تحت مظلة الاقتصاد الاسرائيلي والحفاظ على سطوة القرار الاسرائيلي عليه وتحكمه في موارده ومقدراته واستمرار جني اقصى ما يمكن من الفوائد منه بما في ذلك ابقائه سوقا مفتوحة للمنتجات الاسرائيلية ومصدرا متاحا للقوة العاملة فيه حيثما ومتى يلزم، والاهم من كل ذلك استخدام الاقتصاد كاداة لتحقيق الاهداف الاستراتيجية لاسرائيل وبرامجها السياسية مهما كانت.
المحددات:
الاطار الجغرافي: الأرض المشمولة بولاية السلطة الوطنية الفلسطينية بحيث يغطي كلاً من الضفة الغربية وقطاع غزة ويبدأ بأريحا وغزة (ولا يشمل القدس) ومع ضرورة الانتباه لتأثر تطبيقه بتقاسم الصلاحيات في المناطق ا،ب،ج، وانه لم يكن ورادا بالاعتبار امكانية فرض الحواجز والسيطرة على المعابر والحصار والجدار.
الاطار القانوني والسياسي: تم التوافق تعاقدياً على تطبيق أحكامه تحت سقف المرحلة الانتقالية، وتمهيدا لمرحلة تالية مقررة مسبقاً هي الحل الدائم والاستقلال.
الاطار الزمني: يتم تنفيذه خلال الفترة الانتقالية والتي كان من المفترض ان تنتهي مع تحقيق الحل الدائم بعد خمس سنوات من تاريخه (اي عام 1999).
مجالات الاختصاص: المجالات الاقتصادية المنصوص عليها (ضرائب الاستيراد، المسائل المالية والنقدية، الضرائب الداخلية المباشرة وغير المباشرة، العمل، الصناعة، الزراعة، السياحة، التأمين) مع إمكانية تطوير الاتفاق بما يتلاءم مع توسيع ولاية الحكومة الذاتية الانتقالية المؤقتة وشمولها المزيد من الاراضي الفلسطينية، بما في ذلك توسيع نطاق هذا الاتفاق على المستويين القطاعي والتخصصي ومجالات اخرى لم يتم التطرق اليها في حينه. وينص الاتفاق على امكانية المراجعة لبنود الاتفاق بناءا على طلب احد الطرفين وعلى مراجعة قوائم السلع المتاح استيرادها مرة كل 6 شهور.
الاطار المرجعي : اللجنة الاقتصادية الفلسطينية الاسرائيلية المشتركة والتي يتبعها لجان فرعية متخصصة يجري تشكيلها من اللجنة المشتركة وفق الحاجة، وتحدد هي اماكن وزمان انعقادها.
المبدأ الاساسي: غلاف جمركي واحد ( ضمن اللوائح المعمول بها في اسرائيل)مع ضمان حرية تدفق السلع والاشخاص بين الاقتصادين الفلسطيني والاسرائيلي، وامكانية استيراد بعض السلع وبكميات محددة من الدول العربية والاسلامية وفق رسوم خاصة.
ا- الايجابيات
تتركز في إعادة كثير من الصلاحيات والموارد والعوائد الى سلطة القرار الاقتصادي الفلسطيني بصورة متدرجة على مدى خمس سنوات:
1.التجارة:
أ-الاستيراد والتصدير عبر سائر المعابر البرية والجوية والبحرية المسيطر عليها من جانب اسرائيل، وان تتم المعاملات التجارية هذه بمعايير مساوية لتلك المطبقة على المستوردين والمصدرين الاسرائيليين.
ب-امكانية إستيراد المواد الغذائية وبعض السلع الصناعية ومشتقات النفط من الدول العربية والاسلامية، لا سيما من مصر والاردن، وذلك بحسب الرسوم التي تقررها السلطة، وبما يشمل مواد بينها المركبات والاسمنت والحديد وغيرها، أي إعادة الروابط بين الاقتصاد الفلسطيني وعمقه العربي لأول مرة منذ الاحتلال الاسرائيلي عام 1967.
2.توفيرمصادرالتمويل الذاتي للسلطة:
أ-الحصول على عوائد الجمارك التي تدفع على المستوردات الفلسطينية عبر تلك المؤانى، على أن يتم تحويل المبالغ الى حساب السلطة الوطنية خلال ستة أيام من التخليص على البضائع المستوردة حتى وإن كانت عبر وكيل اسرائيلي.
ب-تحصيل الضرائب غير المباشرة واهمها ضريبة القيمة المضافة على السلع المشتراة من اسرائيل او من خلالها وتحويلها للسلطة بعد اجراء مقاصة على تلك الضرائب مع السلع الفلسطينية المباعة لاسرائيل.
ت-تقاسم الايرادات غير الضريبية من رسوم وخلافه على المعاملات التي تشارك اسرائيل في تحصيلها من المواطنين الفلسطينيين.
ث-تحويل 75% من عوائد ضرائب العمال الفلسطينيين في اسرائيل، وشمولهم بالتأمين الاجتماعي والخدمات الصحية.
ج-ضمان الحق في فرض الضرائب المباشرة، مثل ضريبة الدخل والاملاك والاراضي وجميع الرسوم البلدية والمعاملات المدنية، وفق المتطلبات المالية والاقتصادية الفلسطينية، وبصورة مستقلة تماماً عما هو معمول به في اسرائيل، أي إنتهاج سياسة مالية مستقلة في المجالات المذكورة تحدد بموجبها النسب الملائمة في مناطق السلطة الفلسطينية دون فرض أو إملاء من جانب اسرائيل.
3.العمل : استمرار تشغيل العمالة الفلسطينية وتدفقها بانتظام قدر الإمكان دون إلزام أي من الطرفين وبالتنسيق بينهما وضمان حصولها على حقوق متساوية مع العمالة الإسرائيلية.
4.المجال الانتاجي:
الزراعة: إمكانية التصدير الحر للمنتجات الزراعية الفلسطينية والتعاون في المجالات التقنية والفنية الزراعية.
الصناعة: التنقل الحر للسلع الصناعية بين الطرفين و حق الجانب الفلسطيني في استخدام أساليب مختلفة لتشجيع وتعزيز وتنمية الصناعة الفلسطينية عن طريق تقديم المنح والقروض والمساعدة في البحث والتطوير والفوائد الضريبية المباشرة، وحقه أيضا في استخدام أساليب أخرى لتشجيع الصناعة يلجأ إليها في إسرائيل.
5.المجال الخدمي: انشاء سلطات فلسطينية مستقلة تعنى بالمهام المتعلقة بقطاعات النقد والسياحة والتامين وتمهد الأولى لإنشاء بنك مركزي وتقوم بمهامه ما عدا إصدار العملة.
أ-السلبيات والمحاذير- مكامن الخلل في الاتفاق:
1.إقامة غلاف جمركي يشمل الاقتصادين الفلسطيني والاسرائيلي، الأمر الذي أدى إلى إدامة روابط واسعة وغير متكافئة بين الاقتصادين المتفاوتين بكل المعايير.
2.فرض شروط المرحلة الانتقالية اي القبول بسلطة انتقالية منقوصة السيادة، وبسياسات اقتصادية مالية اجتماعية منقوصة السيادة كذلك أي بقاء السلطة الوطنية تحت الاحتلال، يجور عليها وينتهك صلاحياتها، ويقرر من طرف واحد ما هو مسموح به وما هو محظور، يغلق المعابر متى شاء، ويقيم الحواجز إينما رغب.
3.عدم القدرة على تنويع مصادر التجارة الخارجية والاستفادة من الاتفاقيات المتعددة الاطراف الموقعة مع العديد من التكتلات الاقليمية او الثنائية مع الدول الشقيقة أو الصديقة.
4.نظام المحاصصة والاقتطاع من مستحقات السلطة والاستيلاء على المتسرب منها وفرض عمولات إسرائيلية على العمليات والمعاملات التي تنفذها السلطة أو تقوم بتنفيذها إسرائيل بالوكالة عنها مثل عمولة 3% للخزينة الإسرائيلية كرسوم تحصيل ضريبة القيمة المضافة.
5.تحديد سقوف الواردات من بعض السلع والصادرات من السلع الزراعية إلى إسرائيل، في الوقت الذي تكون الواردات من إسرائيل مفتوحة بالكامل مما يعمق العجز التجاري مع إسرائيل، ويحرم السوق والمنتج الفلسطينيين من فرص متكافئة.
6.الغموض في المرجعية: عدم وجود نظام او قواعد اومنهج عمل واضح للجنة المشتركة، وكذلك الية واضحة لاتخاذ القرارات وتنفيذها فماذا يعني القرار "بالاتفاق" و ماذا لو لم يتم الاتفاق كيف يتم الحكم اوالتحكيم؟ وماذا حول دورية الاجتماعات وكيف يتم التعامل مع الطرف الذي لايلتزم بها؟ ما هي المعايير التي تحكم قرارات اللجنة وعملها.
7.ترك الحرية للطرف الاسرائيلي لتقدير مدى حاجته للمنتجات و للعمال الفلسطينيين وكيفية التعامل معهم.
8.عدم وجود آلية لحل الخلافات والتحكيم حولها من أطراف ثالثة، ولا آلية للإلزام أو للتعويض عن الخلل في التنفيذ أو عدم الالتزام به.
9. الممارسات والخروقات الإسرائيلية للاتفاق:
1.التجارة:
•فرض القيود على حركة البضائع عبرالموانئ والمعابر، واعاقة عمليات الاستيراد والتصديروفرض رسوم اضافية عالية عليها بحجج "امنية" مما ادى لزيادة تكلفة المنتجات الفلسطينية وحتى السلع المستوردة للسوق الفلسطينية.وما ترتب عنها من على المنتجين والتجار والمستهلكين الفلسطينيين.
•اصرار الوكلاء الاسرائيليون وعدد من كبريات الشركات العالمية على شمول نطاق وكالاتهم لاسرائيل المناطق الفلسطينية.
2.العمالة: تسريح عشرات الاف العمال من العمل في اسرائيل واستخدام تصاريح العمل والسفر وحتى التنقل الداخلي للابتزاز والضغط الاقتصادي لتحقيق اهداف امنية وسياسية" التخابر" وتنفيذ السياسات والممارسات المطلوبة من المخابرات الاسرائيلية. انعكس ذلك في زيادة معدلات البطالة والفقر والهجرة الخارجية وفي سوء ظروف عمل العاملين في السوق السوداء الاسرائيلية "بالتهريب" وحرمان الخزينة الفلسطينية من الاقتطاعات الضريبة والتأمينات التي تخصهم.
3.الموارد الطبيعية: الاستيلاء على مزيد الموارد الطبيعية من ارض ومياه وتعميق السيطرة على المجال الجوي والبحري والمنافذ البرية.
4.الموارد المالية: لجوء اسرائيل منذ بداية الانتفاضة الثانية للسطو على ايرادات السلطة من خلال:
أ-اجراء مقاصة على ديون الهيئات والشركات وحتى المواطنين الافراد رعايا السلطة الفلسطينية من مستحقاتها، دون التنسيق او حتى الاشعار المسبق بالضرورة .
ب- تأخير او تجميد اسرائيل لمستحقات السلطة الفلسطينية واستخدامها كأداة للابتزاز السياسي والاقتصادي، وعدم دفع الفوائد المستحقة على التأخير عند دفعها.
ج- اقتطاع اسرائيل لمبالغ من مستحقات السلطة تحت ذرائع مختلفة.
د- التغطية الفعلية على التهرب الضريبي واقتناص حقوق السلطة التي يتم تسريبها.
5.القيود الجغرافية: فرض الحصار والاغلاقات الداخلية والخارجية عموما بصورة مفاجئة ولمدد طويلة خصوصا مع بداية العقد الماضي:
أ-الحصار على غزة وعزلها عن الضفة.
ب-عزل القدس عن باقي الارض المحتلة عام 1967.
ت-حرمان التجمعات الفلسطينية في المنطقة ج من امكانيات التنمية والتطور من خلال رفض تصاريح البناء والاستثمار فيها.
ث-استباحة المناطق الفلسطينية المصنفة ا،ب وعزل الكثير من التجمعات بواسطة الطرق الالتفافية.
6.الاستيلاء على الأراضي ومصادر المياه ، التهويد والسيطرة والعزل:
أ-المستوطنات وممارسات المستوطنين ضد التجمعات السكانية الفلسطينية واقتصادها .
ب-الجدار العنصري الفاصل
ت-الطرق الالتفافية
ث-المعسكرات مراكز التدريب
النتائج المترتبة على الغلاف الجمركي
أ-خسارة الجمارك على البضائع المنتجة في اسرائيل او تلك التي يعاد تصديرها الى الارض الفلسطينية. خصوصا ان العجز التجاري الرئيسي للارض الفلسطينية هو مع اسرائيل وهو في تصاعد مستمر.
ب- العمولات على المعاملات البنكية
ت-اقتران الاجراءات والسياسات الفلسطينية بنظيرتها الاسرائيلية وتبعيتها لها مثال معدلات الضريبة المضافة والجمارك والرسوم رغم التباين في مستويات المعيشة والظروف الاقتصادية بين الاقليمين.
ث-ارتباط معظم السياسات والاجراءات الاقتصادية الفلسطينية بالقرار الاسرائيلي، واشتراط القيام باي برامج او مشاريع إنمائية بالموافقة الإسرائيلية.
تقييم نتائج الاتفاق على الاقتصاد الفلسطيني بعد 19 عام على تطبيقه
وفقا للاخ احمد قريع رئيس الوفد المفاوض على الاتفاق:" لم يكن اتفاق باريس الاقتصادي إتفاقاً عظيماً، ولم تتح بنوده إقامة بنية اقتصادية متحررة ومتوافقة تماماً مع أماني الشعب الفلسطيني، لكنه كان إتفاقا أحدث فرقاً ملموساً في الحياة اليومية للفلسطينيين، وإنتزع قدراً في بعض الجوانب الاقتصادية والمالية والمصرفية والتجارية، وأرسى سابقة يمكن البناء عليها، وأكد حقوقاً كانت مسلوبة بالكامل وغير معترف بها على الاطلاق، ولم يتم التنازل بموجبه عن أي شيء كان بين أيدي الفلسطينين، بل انتزعوا ما كان في وسعهم إنتزاعه في إطار حل سياسي انتقالي”. ويخلص الأخ أبو العلاء إلى القول: "بأن المعركة الحقيقية ليست مع الإتفاق، على أهمية الدعوة لتطويره، إذ لا يمكن التخلص من تبعاته دون إنجاز معركة الحرية والاستقلال. من خلال بناء موقف وطني، مدعوم بموقف عربي وآخر دولي، يساعد على تسويغ المطلب بإنهاء الاحتلال وتحويل الاتفاق الى إتفاق تعاون اقتصادي بين كيانين مستقلين، شرط إنهاء الانقسام، وتجديد الشرعيات، وخوض مقاومة شعبية سلمية متواصلة ضد سائر مظاهر الاحتلال البغيض والكريه".
بينما يرى آخرون أن الاتفاق رغم انه وفر موارد مهمة للسلطة الوطنية ولاستمرارها، إلا انه لم يساعد على تخلص الاقتصاد الوطني من معضلاته بل ساهم بالطريقة التي تم تطبيقه فيها في تعميق الخلل البنيوي والطابع الخدمي والاستهلاكي له، وتكريس تبعيته للاقتصاد الإسرائيلي واعتماده على المساعدات والقروض وتضاؤل فرص الاستثمار وهروب الاستثمارات إلى الخارج واكبر دليل على ذلك تزايد العجز التجاري والفجوة في الحساب الجاري والمديونية، مما تسبب في الأزمات المالية والاقتصادية المتعاقبة للسلطة. وعليه برزت الدعوات لتعديله وإلغائه المشار إليها أعلاه.
الموقف المقترح:
نقترح تطوير الموقف الفلسطيني على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: المرحلة الآنية وفيها يتم السعي لتفعيل وانتظام عمل اللجنة الاقتصادية المشتركة ووضع الضوابط لعملها، ولالزام إسرائيل بتطبيق بنود الاتفاق بشكل دقيق وتمكين السلطة من تطبيق ما يتيحه لها الاتفاق مثل شراء المحروقات عن طريق الأردن إن كان ذلك مجديا وإقامة مناطق "بوند" للتخليص الجمركي على أراضيها بعد دراسة الأبعاد القانونية الدولية لها. وتطبيق اتفاقية منع التسرب الضريبي، ووقف الاقتطاعات الجائرة من مستحقات السلطة وعدم التلاعب بانتظام تسليمها بضمانة أطراف ثالثة .
المرحلة الثانية: إلغاء الاتفاقات اللاحقة لبرتوكول باريس التي يتبين تناقضها مع المصلحة الفلسطينية، العمل على تعديل بعض البنود الملحة فيه وخصوصا بنود البرتوكول المتعلقة بالضريبة المضافة وأسعار المحروقات.
المرحلة الثالثة: عند التوصل للحل النهائي اونضوج ظروف مناسبة لإنهاء الاتفاقية الانتقالية – إلغاء البروتوكول وإقرار اتفاقية اقتصادية بين دولتين مستقلتين.