الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

المخيمات الفلسطينية في لبنان.. تغيب الكلمات في واقع المعاناة

نشر بتاريخ: 27/01/2013 ( آخر تحديث: 27/01/2013 الساعة: 15:24 )
بيروت - خاص معا - رولا سلامة - كانت الساعة قرابة الواحدة فجرا، وكنا نجلس مع بعض الأخوة والأخوات نتحدث ونتسامر عن واقع المخيمات واللجوء ، مرت الساعات ونحن ما زلنا في شوق لنسمع المزيد من القصص والروايات، من الأحداث والتاريخ، عن واقع كتبناه بالدم والشهادة والمأسي.. كنا نستمع لعشرات القصص من منْ عايش الواقع الأليم والحروب والقصف والدمار الذي حل بالمخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان.

كنا نتناقش عن القصص التي استمعنا لها على مدار الأيام الثلاثة الماضية والتي قضيناها متنقلين ما بين مخيم صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة ونهر البارد ومخيم البداوي ومشفى غزة - وهو ما كان يعرف بمشفى غزة وكان من أهم المشافي ليس في بيروت وحدها ولكن بالشرق الأوسط كذلك، ولكنه تحول بفعل الدمار الى مخيم أو مقبرة أو ملجأ او كلمة ما زلت أبحث عنها منذ ذلك اليوم لأجد التعبير المناسب الذي أستطيع من خلاله أن أعبر عن واقع لم أره مطلقا قبل ذلك اليوم الذي زرت فيه هذا المكان ولن أنساه ما حييت.

|203034|
ما بين أزقة المخيم ومداخل البيوت أو أشباه البيوت أو علب الصفيح أو ممرات افترشها أصحابها ليعيشوا بين جدرانها، يلتحفون السماء تارة وصفائح الزنك تارة اخرى وينامون على أصوات مياه المجاري تخترق ظلمة الليل وسكونه وتضيء بلمعانها وانعكاس بعض أشعة أبت الا أن تخترق جدران المخيم وتدخل قليلا قليلا لتبعث بصيص أمل وتقول "أن الحياة فيها بعض النور وأن ظلمة المخيم لا بد لها من زوال وأن دماء الشهداء التي افترشت أزقة مخيم شاتيلا وانتشرت لتروي جدران الجامع وتبرق الى بارئها أننا نعشق النصر ولكنا مستعدون للشهادة فداء لله والوطن والأرض ولفلسطين".

في كل بيت حكاية وقصة ، وفي كل زقاق وحارة اناس يعشقون ذكر الوطن ، يحملون ذكريات من سنين وسنين حملوها من أبائهم وامهاتهم وأجدادهم وجداتهم ، حملوا فلسطين الأرض والشجر والحجر والحمضيات وبساتين الخير وحبات الزيتون وزيته، وفنجان قهوة كانوا يحتسونها على مدخل بيتهم المتواضع ويتسامرون مع الجيران ويحلمون بذلك اليوم الذي يكبر فيهم حلمهم ويبنون دولتهم ويشتد ساعد أبنائهم ويزرعون ويحصدون وهكذا يتحقق الحلم ويعيشوا الأمل .

تغير كل شيء ، تبدل الحال وفروا من الموت والقهر والعذاب ، تركوا المجازر تحصد من حصدت وفروا الى نهاية مجهولة ، وعذاب يتجدد يوميا ، وغربة أكلت شبابهم ، وتشرد غير موازين القوى وأًصبحوا يبحثون عن ملجأ ومأوى ومقبرة ، فالجدة غزالة ما زالت تحلم بذلك اليوم الذي تنقل فيه قبل وفاتها الى بيتها هناك في يافا ، لتنام نومتها الأخيرة، والخالة عسلية تحلم ببيتها هناك في عكا وتنتظر من يبشرها بقرب الموعد، فالانتظار صعب والوقت يمر والمرض بدأ يأكل من جسدها النحيل ، وما زالت تذكر بعض ما سمعته من والديها عن بيتها هناك في الوطن .

وأما الطفولة الغائبة وألعاب أطفال المخيم التي يكتنفها الخطر والموت ، فهي منتشرة بين أزقة المخيم ، فهناك من يحمل الحجارة ليقذفها على صخرة كبيرة ويكرر ذلك مرارا الى أن يجد شيئا اخر يلعب فيه أو ينشغل مع طفل اخر في حفر حفرة يخبؤون فيها الحجارة ، وطفل اخر يلتقط أنفاسه وهو يركض خلفنا يطلب أن نصورة صورة ومن ثم يطلب أن يراها ليبتسم مغادرا المكان ، فيتبعه طفل اخر وبيده ما يأكله ويطلب صورة ثم يسأل من نحن ، فيبتسم عندما نجيبه أننا فلسطينيون قادمون من الوطن ، فيركض باتجاهنا ضاحكا ويقترب أكثر فأكثر ليسألنا ان نرغب أن يحمل معنا بعض الأمتعة ومعدات التصوير.

|203032|
|203036|
|203033|
هذه طفولة المخيمات ، وهؤلاء أطفال وطني ، يركضون ويلعبون ويحلمون كما أطفال العالم ، ولكنهم رجال صغار تعبوا من الانتظار ،وعاشوا الحرمان ويحلمون بغد مختلف ، غد مشرق يحمل لهم الحب والأمل والوطن ، فهنيئا لنا بأطفالنا ، وهنيئا لهم بوطنهم ولتحيا فلسطين بأبنائها .

لا بد أن أذكر هنا أن واقع المعاناة والحرمان والفقر والمرض كبير وخطير جدا، وأن علينا كشعب أولا أن نفكر جديا ونطبق بسرعة كبيرة مسألة في غاية الأهمية وهي موضوع الكفالة الشهرية لأسر فلسطينية تعيش المعاناة يوما بيوم ، لا بل ساعة بساعة ، فغلاء المعيشة هنا ، وقلة الأشغال والأعمال ، والمرض الذي لا يجد من يطببه وغياب دور المؤسسات الدولية الفاعلة والأزمة الخانقة التي تعاني منها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ، كل هذه العوامل مجتمعة تزيد الفقر وتدعو للتصرف فورا وطلب النجدة والدعم من أبناء شعبنا ومن رؤوس الأموال الفلسطينية فأنا لن أطلب أو أستجدي غير أبناء شعبي وهم جميعا مطالبون بالتحرك فورا ، فبعد زيارة العديد من الأسر الفلسطينية في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان صدمنا عندما علمنا أن الأسرة المكونة من خمسة أنفار فقط بحاجة لخبز بقيمة 8 دولار يوميا فما بالكم لو كانت قيمة الكفالة الشهرية لبعض الأسر هي 100$ ، فبالله عليكم أجيبوني هل سيكفي هذا المبلغ لشراء الخبز فقط لأسرة من خمسة أنفار ولمدة شهر واحد فقط ، علما أن غالبية الأسر التي زرناها لديها ما معدله 8 أنفار ......هل تصدقون ؟
|203031|
|203029|