الجمعة: 01/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

"ذاكرة لا تصدأ": مهن القرى المُدمرة "تعود" إلى الفارعة!

نشر بتاريخ: 21/04/2013 ( آخر تحديث: 21/04/2013 الساعة: 10:51 )
طوباس- معا - أعاد لاجئون تجرعوا مرارة النكبة استذكار المهن والحرف التي كانت سائدة في القرى المدمرة قبل النكبة. ورسموا ، خلال الحلقة الحادية عشرة من برنامج"ذاكرة لا تصدأ"، الذي تنظمه وزارة الإعلام واللجنة الشعبية للخدمات في مخيم الفارعة، صورة دقيقية للمزارعين والتجار والجزارين والحلاقين والمعلمين والمطربين الشعبيين.

واسترد حبيب سالم العايدي، المولود عام 1936 في قرية سيدنا علي( الحرم) شمال يافا حكاية المزارعين الذين عملوا وعاشوا في أراضي منطقة بسط الفالق: كنا نزرع الخضروات بمختلف أنواعها، ونحرث أرضنا على الخيول والجمال، و كل اثنين من رؤوس الأبقار كانت تجر محراثاً من الخشب أو الحديد، وتسمى( عمّالا).

يضيف: لم نعرف مواداً لرش المزروعات غير السكن( الرماد) الذي نجمعه من الطوابين، وكنا نحصد بالمناجيل، ونستعمل ألواح الخشب الثقيلة، التي تحتوي على حجارة في أسفلها، ونربطها بالخيول على البيادر لفرز القمح والشعير عن أوراقه على البيدر( مكان سهلي لتجميع السنابل وجني محاصيلها).

ووفق العايدي، فقد استعمل بعض الفلاحين ألواحاً معدنية، كانت تسمى ( المدراج)، وتحتوي على دولايب، ولها مقاعد، للإسراع في جني المحاصيل، التي كان تمتد فترتها من أواخر أيار، وحتى نهايات تموز.

وبحسب الرواي، فقد كان في منطقة (بسط الفالق) ثلاثة مدرسين هم: حسين أبو سعدى، وحسين القطّاوي، وخليل أبو مديرس، وكانوا يلبسون الدماية والحطة والعقال، ويتقاضون أجراً ( 25 قرشاً)، أو صاعين من القمح، و3 صاعات من الشعير، عدا عن الخضروات التي تصلهم.

ويزيد العايدي: كان أخي خليل ينقل الخضروات بشاحنة حمراء من نوع( دوج) إلى يافا، ولم يكن للمركبة ( سلف) مفتاح للتشغيل كما هو الحال اليوم، وإنما كانت تدار بسلك معدني طويل( مناويل). وأذكر تاجر زيت إسمه محمود من جيوس قضاء طولكرم، كان يأتي إلينا على ظهر حصان. وكان يُغني في حفلات الأعراس مطلق أبو كريم. أما المختار علي أبو جمعة فكان يسجل المواليد الجدد، وهي العادة التي كانت شائعة في كل القرى.

وتننقل بهية صبح، التي أبصرت النور عام 1931، في قرية أم الزينات، للحديث عن مهن بلدتها القريبة من حيفا: كان عندنا أساتذة ينقسمون في مدرستين، أذكر منهم أحمد الكم من بلعا، وأبو حسن( كان يحضر بناته الأربع للصف ليتعلمن لعدم وجود مدارس للإناث، ويجلسهن في المقاعد الأخيرة)، وأبو عبد الله من كفر قدوم، وخالد الفحماوي من بلدنا، وكانوا يلبسون البدلة الرسمية والجرافة( ربطة العنق) والحطة والعقال.

تضيف: كان في حارتنا تجار مثل حمزة الشخاسفة( نسبة إلى عائلة الشيخ يوسف)، وأبو يوسف الأشقر، وكنا نشتري العجوة بالزنبيل( وعاء يتسع 13 صاعاً)، وحلوى بيض الحمام( ملبس ع لوز)، والدبس، أما الخروب فكنا نصنعه في البيت، ولم يكن الأرز منتشراً كثيراً، وكان السكر يباع بالجلن، والزيت ببطاط الفخار.

تتابع: أذكر النجار محمد الصبّان، الذي كان يصنع أبواب الخشب، وعود الحراث( المحراث)، وكان الحداد من عائلة بشير، ويحسم سكة المحراث( يجعلها حادة). أما اللحامين(الجزارين) فمنهم أبو عباس، وحسين عرسان أبو خليل، وأحمد الدبور الفحماوي، وحسين الدبور، وكانوا يذبحون الخرفان والعجول. ولا أنسى جميلة الملاحية التي كانت توّلد الناس( قابلة)، وتشد( تصنع) اللحف، وتخيط الملابس. وكان أبو أحمد من أم الشوف يحضر للبلد ليصنع مساند القش(وسائد ثقيلة). وكان الشيخ عبد الله من كفر قدوم إمام المسجد والمؤذن ويغسل الموتى ويكفنهم. وأذكر الحلاقين: أبو علي الشيخ يوسف، وأحمد الدبور والفحماوي، والإسكافي حنا المسيحي. وكان في الريحانية محلب يجمع الحليب من الأهالي لتاجر يهودي. وفي حواسة عمل محمد العيسى وأخوته توفيق وحسن في المسلخ. أما زوجي فارس عبد الفتاح فعمل في شركة الاسمنت، ومصنع (كرمان للدخان) والفينري( المصفاة) وسكة الحديد.

ويسرد تقي الدين محمد حسن علي، المولود في إجزم عام 1935: كان الأهالي يتساعدون في بناء المنازل، فيحضرون الحجارة والشيد(الجير) من ( الكبارات) التي نصنع من الحجارة المحروقة، وكان معلمو البناء يشيدون العقود، ويصنعون لها قبة كبيرة.

ويروي محمد رجا سعيد، الذي ولد في عام النكبة ذاته، نقلا عن والده: كان أهالي قريتنا الريحانية، قضاء حيفا، يزرعون الأرض ويحرثونها على الخيول، واستخدموا الباص الذي كان يمر من بلدتهم باتجاه حيفا لنقل الخضروات لتسويقها. وكان مأذون البلدة محمود حسين.

وينقل عاصم منصور، المولود بعد النكبة بخمسة عشر عاماً، عن والده حسن وعمه أبو منصور: كان محمد أبو مايهة ينفخ الكير، ويصنع المحاريث، ويحسم سككها، وعملت بعض النساء في مصنع السجائر في حيفا، واتجه بعض الشبان للعمل في سكة الحديد، ومصفاة البترول، ومصنع الإسمنت.

ويتذكر محمود أمين أبو لبادة، المولود في الكفرين، عام 1943، ما رواه له والده من قصص لحرف ومهن، كمعلم البناء أبو عبد الله الشوبكي، الذي شيد الكثير من بيوتها، فيما قدِم للقرية مدرسون من نابلس وطولكرم، بينما حضر إليها التجار من منطقة طولكرم لتسويق زيت الزيتون؛ لعدم انتشار أشجار الزيتون في المنطقة، بينما عمل عبد الوهاب أبو صبري حلاقاً، فيما كان التجار من منطقة نابلس يسوقون الصابون.

بدوره، ذكر منسق وزارة الإعلام في طوباس، عبد الباسط خلف، إن سرد الروايات الحياتية بتفاصيلها الدقيقة، يسعى لنقل قصة النكبة الكبرى حية طوال العام من مختلف جوانبها.

وأضاف أن الحلقة القادمة من ذاكرة لا تصدأ ستكون استثنائية، وستوثق العديد من الشهادات التي ستركز على لحظة الاقتلاع من القرى والبلدات المدمرة، قبل 65 عاماً.

فيما أشار نافز جوابره من اللجنة الشعبية، إلى أن البرنامج الشهري بدأ بجمع شهادات مرئية حول النكبة، وسينقلها للأجيال الشابة خلال نشاطات قادمة في المخيم.