الثلاثاء: 14/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

كيف سيبدو الجيش الإسرائيلي بعد 5 سنوات؟

نشر بتاريخ: 18/05/2013 ( آخر تحديث: 19/05/2013 الساعة: 09:37 )
بيت لحم- معا - وقعت المخابرات العسكرية في خطأ التقدير مرة أخرى حينما اعتقدت أن الحكومة ستقلص ميزانية الجيش ضمن ميزانية 2013/2014 بـ 2 مليار شيقل سنويا لكن القرار الذي اتخذته الحكومة عشية عيد نزول التوراة يقضي بتقليص 1:5 مليار شيكل من ميزانية 2013 " قياسا بميزانية 2012 التي بلغت 54 مليار شيكل" وتقليص ميزانية 2014 بـ 3 مليارات الأمر الذي فاق توقعات استخبارات الجيش بقليل وسيجبر الجيش على المرور بعام ونصف العام من الشدة والضيق المالي وسيتم إلغاء جزء من التدريبات وإلغاء المناورات الكبرى على مستوى الألوية والفرق وستتحول إلى مناورات قيادات فقط وسيتم إلغاء عدد من المشاريع في أقسام واذرع الجيش المختلفة او سيتم تنفيذها على نطاق ضيق اقل بكثير من الخطط الأصلية لكن الجيش سيتعايش نهاية الأمر مع تقليص الميزانية.

اكثر الأمور أهمية التي سيبحثها وزير الجيش ورئيس الأركان ورئيس قسم التخطيط هي الخطة متعددة السنوات التي يطلق عليها الجيش اسم " عوز " والتي صادق عليها المجلس الوزاري المصغر وهي ستحدد طبيعة وشكل وتركيبة الجيش الإسرائيلي نهاية العقد الحالي وتشمل دبابات اقل وتركيز اكبر على تكنولوجيا المعلومات والحرب الالكترونية لكن هذه الأشياء ليست سوى جزءا من الصورة العامة حسب تعبير المحلل العسكري لصحيفة " معاريف" والباحث في معهد بيغن – السادات للأبحاث الإستراتيجية والكاتب الصحفي " عمير ربوبورت " في قراءته لتأثير تقليص الميزانية على طبيعة وبناء الجيش الإسرائيلي وكيف يبدو هذا الجيش خلال السنوات الخمسة القادمة المنشورة اليوم " السبت " في صحيفة معاريف العبرية.

عوز" للدمج

على الطريقة الإسرائيلية الخاصة حصلت الأسبوع الماضي خطة " عوز " على تصديق وموافقة رسمية وباتت سارية المفعول رسميا بعد أكثر من ستة أشهر من خروجها للواقع العملي وحتى نفهم كيف تمت الأمور يجب أن نعود إلى شهر أب 2011 حين اجتمع قادة كبار الجيش في منزل ضيافة بمنطقة " نفيه ايلان " لوضع خطة متعددة السنوات أطلقوا عليها اسم " حلميش" التي كان من المقرر لها ان تحل مكان خطة التسليح السابقة المعروفة باسم " تفن" التي انتهت مراحلها في ذات العام ولسوء حظ الجيش أطلت في تلك الفترة الاحتجاجات الاجتماعية برأسها ليعلن نتنياهو عن تقليص 3 مليار شيكل من ميزانية الجيش وتتجمد المباحثات المتعلقة بالخطة المتعددة السنوات رغم أن إعلان التقليص بقي على الورق فقط لا غير حيث اعتبر عام 2011 من حيث الميزانية عاما منفردا تم خلاله إعداد خطة " عوز" التي من المقرر ان تدخل حيز التنفيذ 2013- 2017 لكن لم يتم المصادقة عليها رسميا بسبب تقديم موعد الانتخابات العامة .

وشهدت هذه الفترة بداية عمليات الدمج حيث اتفق نائب رئيس الأركان في تلك الفترة "يائير نافيه " مع رؤساء الصناعات الأمنية الاسرائيلية على صفقات بلغت قيمتها عشرات مليارات الشواقل على أن تدفع غالبيته في النصف الثاني من هذا العقد أي " 2016 " وقد اجتمعت مصلحة الجيش بمصلحة الصناعات الأمنية لتجد هذه الصفقات طريقها إلى النور حيث تسمح صفقات طويلة المدى للصناعات الأمنية والعسكرية باستغلال القوى العاملة التي تمتلكها لأقصى درجة ممكنه وتمنحها أمان وظيفي لسنوات طويلة فيما تمكن الجيش من تحقيق أهدافه القريبة بتمويل بعيد المدى ورغم معارضة وزارة المالية العلنية لهذه الصفقات قدمت المساعدة وسمحت بترتيبها وسمحت للصناعات العسكرية بتقديم التزامات وتعهدات تتعلق بالمشاريع الضخمة واتفق على إمكانية انسحاب وزارة الجيش من هذه المشاريع في حال رفضت الحكومة الإسرائيلية مستقبلا المصادقة على هذه المشاريع و دفع غرامة انسحاب منخفضة نسبيا .

لا تشمل الشاباك

ميزانية الجيش الحالية ليست فقط الأكبر والأضخم في تاريخ الميزانيات الحكومية بل الأكثر تعقيدا أيضا حيث يدور الحديث عن ميزانية خاصة وفريدة من بين ميزانيات الوزارات تم إقرارها على شكل " إطار " ما يعني أن الوزراء وأعضاء الكنيست يصادقون على خطوطها العريضة فقط ولا يصوتون على كل بند رئيسي فيها كما هو متبع في إقرار ميزانيات الوزارات الأخرى علما بان الميزانية التي تم إقرارها لا تشمل كافة المصروفات الحقيقية للأمن الإسرائيلي حيث يتم إقرار ميزانيات الموساد والشاباك التي تصل إلى عشرات مليارات الشواقل سنويا بشكل منفرد وبصورة سرية للغاية وهناك مصروفات أمنية أخرى لا تغطيها الميزانية.

وفقا لقرار الحكومة الصادر الأسبوع الماضي سيكون عام 2014 عاما فقيرا من ناحية الميزانية بل الأكثر فقرا خلال السنوات العشر الماضية التي مرت على المؤسسة الأمنية وستكتفي وزارة الجيش خلالها بـ 51 مليار شيقل لكن هذه الميزانية ستعاود الارتفاع خلال السنوات القادمة وتصبح عام 2015 52 مليار , و 55 مليار عام 2016، 57 مليار عام 2018 علما ان 12 مليار شيقل من الميزانية السنوية يدفعها دافع الضرائب الأمريكي وتصل إلى الجيش الإسرائيلي في نطاق المساعدات السنوية لكن مشكلة هذا المبلغ يتمثل باشتراط أمريكا استخدامه في شراء معدات أمريكية لذلك يتم استغلال معظم أموال المساعدات في شراء الطائرات والذخائر المتطورة لذلك يبقى النقص الأساسي في الميزانية يتمثل بنقص تميل بنود الميزانية المقرر بالشيكل الإسرائيلي وليس بالدولار الذي تغطيه المساعدات الأمريكية .

يحتاج الجيش الإسرائيلي الى 22 مليار شيقل سنويا حتى يعمل " ميزانية تشغيلية " تشمل دفع الرواتب والمحروقات والاهتمام بطعام الجنود إضافة إلى أكثر من 10 مليار شيقل تدفعها وزارة الجيش سنويا لسداد التزامات سابقة مثل أموال المتقاعدين وعائلات الجنود القتلى ويتمتع الجيش بقدرة على تحريك او التلاعب بما نسبته 10% من ميزانية الشيقل لتغطية هذه الأمور ومع كل هذا يستثمر الجيش الإسرائيلي 4:5 مليار سنويا في مجال الأبحاث العلمية وهذا البند وفقا لإعلان وزير الجيش " يعلون " لن يتم تقليصه كما يمتلك الجيش مئات المشاريع التي تصل تكلفتها الإجمالية على مدى السنوات الخمس القادمة إلى عشرات مليارات الشواقل بما في ذلك بعض المشاريع الأمنية داخل الولايات المتحدة .

وتعد المؤسسة الامنية ثلاثة مستويات لادارة ميزانية المشاريع المختلفة, الأول يتعلق بالمشاريع الكبيرة والضخمة حيث يتم إدارتها عبر إدارات متخصصة في وزارة الجيش مثل إدارة " حوماه" المتخصصة بالدفاع الصاروخي أو إدارة الفضاء والأقمار الصناعية فيما يقوم الجيش نفسه بادارة ميزانية المستوى الثاني عبر ميزانية مركزية مخصصة لشراء تجهيزات عسكرية باهظة الثمن مثل الطائرات والغواصات وهناك مستوى ثالث يتمثل بميزانية خاصة تحول لكل ذراع من اذرع الجيش مخصصة لزيادة قوته وتعزيز قدراته يمكن لقيادة الذراع استخدام هذه الميزانية كما تراه مناسبا فعلى سبيل المثال تطمح القوات البرية منذ سنوات لامتلاك صواريخ شديدة الدقة وبعيدة المدى او شراء مدافع متحركة حديثه لكن هذه المشاريع وبسبب التقليصات المتعلقة بميزانية الأذرع العسكرية سيتم دراستها مجددا.

تهديدات النسبية

تبدأ الخطط متعددة السنوات التي يبلورها الجيش بتحديد التهديدات التي من المتوقع أن يواجهها الجيش وفرص خوض حرب على جبهة من الجبهات أو على عدة جبهات ومن هذا المنظور حدث تغير جوهري ودراماتيكي منذ لحظة شروع الجيش بإعداد خطة " حلميش" التي لم تخرج إلى النور حيث بدأ العمل على بلورتها قبل سقوط نظام حسني مبارك وصولا إلى الاحداث والتغيرات التي تعيشها المنطقة حاليا حيث كان من المفترض ان يشكل الجيش السوري تهديدا نسبيا مركزيا في سياق الخطة الجديدة " عوز "لكن هذا الجيش اخذ في التفكك بشكل سبب الدوار من حيث السرعة .

بشكل عام تعتبر المنطقة في الوقت الراهن منطقة غير مستقرة ويتوجب على الجيش الاسرايلي ان يعد نفسه لمنظومة واسعة ومتنوعة من التهديدات من حرب واسعة ضد ايران الى مواجهات مع عناصر جهادية عالمية تأتي من وراء الحدود مع مصر وسوريا لكن تبقى الصواريخ والقذائف الصاروخية التهديد المركزي الذي يواجه إسرائيل ولايزال الجمهور يعيش الوهم الجميل بان " القبة الحديدية" تمنح ألان الحماية بنسبة كبيرة كما حدث خلال الحرب الأخيرة على غزة " عامود السحاب" لكن في حالة حرب مع سوريا وإيران وحزب الله تلك الأطراف المسلحة بعشرات ألاف الصواريخ لا يمكن لبطاريات القبة الحديدية سوى الدفاع عن المواقع الإستراتيجية والقواعد الجوية في أحسن الأحوال وأفضلها .

ونسبت المصادر الغربية قبل أسبوعين لإسرائيل مسؤولية تنفيذ غارة جوية استهدفت مخازن صواريخ الفاتح 110 تابعة لحزب الله ومخزن في سوريا لكن نصر الله لا يزال يمتلك صواريخ M-600 المزودة بنظام توجيه يقوم على أساس نظام " جي بي اس" وإذا ضربت هذه الصواريخ مثلا محطة الكهرباء في الخضيرة ستتسبب ضررا كبيرا بتدفق التيار الكهربائي ولا يمكن أن ننسى وان لا نتحدث عن تشويش التهديد الصاروخي لحركة الطيران في مطار بن غريون وذلك للمرة الأولى منذ إقامة إسرائيل رغم وجود خطة إسرائيلية بديلة تتعامل مع وضع يتم فيه إغلاق مطار بن غريون لفترة طويلة .

وداعا للدبابات

اخر مرة مر فيها الجيش الإسرائيلي بعملية تغير دراماتيكية تتعلق ببناء القوة كانت في عام 80 من القرن الماضي بعد توقيع اتفاقية السلام مع مصر حيث أغلق الجيش الإسرائيلي الكثير من السرايا والكتائب والوحدات الميدانية كانت مخصصة لخوض القتال على الجبهة الجنوبية وأغلقت خلال العقد الماضي أيضا عدة سرايا وكتائب مدرعة وألان تتحمل خطة " عوز " بعض المخاطر المحسوبة فرغم المخاوف من انهيار اتفاقية السلام مع مصر لا ينوي الجيش الإسرائيلي العودة إلى تضخيم حجمه بل سيواصل تقليصه .

هناك أصوات داخل الجيش الإسرائيلي تنادي منذ سنوات بضرورة إحداث ثورة تتمثل بتقليص ميزانيات ومصروفات القوات البرية وذلك على ضوء تغير التهديدات وحقيقة عدم وجود أي جيش نظامي يربض على حدود إسرائيل لكن خطة " عوز " ما زالت بعيدة عن كونها خطة صورية بهذا المعنى لكنها تسير نحو الأصوات الداعية للثورة حيث سيواصل الجيش الذي سبق وان قلص عدد الدبابات وناقلات الجند التي يمتلكها خلال العقد الماضي سيره بهذا الاتجاه وسيواصل إغلاق وحدات مدرعة أخرى إرسال الدبابات القديمة إلى المتحف أو يبيعها لدول العالم الثلاث او يفككها ليبيعها خردة معدنية لكنه سيحتفظ بقوة مناورة أساسية لكنه سيخفض من وتيرة إنتاج دبابات الميركفاه وناقلات الجند " نمر" بشكل يتناسب ومخطط اخراج المعدات القديمة " للتقاعد ".

يتوجب على الجيش ان يحدد في خطة " عوز " نقطة التوازن بين القدرات الدفاعية والهجومية والتزود بأنظمة دفاع فعالة مثل " القبة الحديدية" والعصا السحرية وحيتس 2 وحيتس 3 التي ستكلف خزينته مليارات الشواقل ويبدو أن الجيش لن يتزود بأكثر من 9 بطاريات من طراز " القبة الحديدية" رغم خطة وزير الجيش السابق الداعية لشراء 10 بطاريات على الأقل لكن يبدو أن تحسن قدرات هذه المنظومة وزيادة مدى صواريخها سيفور على الجيش شراء بعض البطاريات الإضافية .

سيركز الجيش خلال السنوات الخمسة الماضية اهتمامه على تسليح قواته البرية والبحرية والجوية بالذخائر الذكية فيما سيخصص سلاح الجو غالبية الميزانية لشراء السرب القتالي الأول من طراز F-35, وهي طائرة أمريكية حديثة جدا ولها قدرات التملص من الرصد الراداري ستصل طلائعها إلى إسرائيل نهاية عام 2016 وسيتم شراء سربا أخرا من هذه الطائرات مع نهاية الخطة التسليحية الجديدة إضافة إلى تزويد سلاح الجو بطائرة جديدة " مروحية – طائرة" وصهاريج وقود طائرة .

وسيحول الجزء الأساسي من ميزانية " الشيقل" لشراء ثلاثة غواصات جديدة من طراز " دلفين" تتسلمها البحرية الإسرائيلية خلال السنوات الخمسة القادمة علما بان تكلفة الغواصة الواحدة تصل الى نصف مليار يورو ورغم تمويل الحكومة الألمانية لثلث التكلفة يبقى العبء المالي مرتفع جدا بالنسبة للجيش الإسرائيلي كما سيعمل الجيش خلال خطة " عوز" على شراء سفن وزوارق حربية مخصصة لحماية مواقع استخراج الغاز الطبيعي في البحر المتوسط وحماية المياه الاقتصادية الإسرائيلية وسيتم تمويل هذه السفن والزوارق من وزارة المالية مباشرة خارج إطار الميزانية العسكرية وسيصل حجم هذا التمويل الإضافي خلال العام الحالي إلى عشرات ملايين الشواقل ترتفع خلال السنوات القادمة إلى ما يفوق المليار شيكل سنويا .

وستمنح الخطة التسليحية الجديدة مثلها مثل سابقاتها أفضلية من الدرجة الأولى لسلاح الجو وأجهزة الاستخبارات حيث يمتنع الجيش عن توفير شيكل واحد في مجال تزويد اجهزة مخابراته واستخباراته بكل ما يلزمها وسيستثمر مبالغ طائلة في منظومة جديدة للتعامل مع سيل المعلومات الواردة من مجسات واجهزة تحسس لا يمكن حصرها تم نشرها خلال السنوات الماضية وستقوم المنظومة الجديدة بفرز المعلومات وتحويلها الى المستوى الميداني التكتيكي كما سيعزز الجيش الاسرائيلي خلال السنوات القادمة وبشكل كبير من قدراته في مجال الحرب المستندة لمعلومات الشبكة والحرب المستندة للمعلومات الاستخبارية وسيصل الى انجازات ضخمة في هذا المجال لم يصلها أي حيش في العالم حتى الان حسب تعبير المحلل العسكري لصحيفة " معاريف" حيث سيتمكن من مهاجمة اهداف بدرجة خطأ لا تتجاوز المتر الواحد عبر الضغط على زر صغير فقط يحدد نوعية " إيقونة " الهدف التي ستظهر على شاشة حاسوب متحرك " لاب توب " حيث يدور الحديث عن نظام يمكن الجيش الاسرائيلي من اغلاق دائرة النيران خلال ثوان فقط.

وسيواصل الجيش الإسرائيلي خلال السنوات الخمسة القادمة ومن باب استخلاص العبر من حرب لبنان الثانية استثمار مبالغ كبيرة في مجالات حماية المقاتلين في الميدان بما في ذلك دفاعا فعالا عن السيارات والمركبات العسكرية المدرعة لكن يبدو أن المجال الاكثر تطورا سيكون بعيدا عن ساحة القتال التقليدية حيث سيستثمر مبالغ هائلة في مجال الحرب الالكترونية باتجاه الدفاع والهجوم .

ووفقا لخطة " عوز" سيقلص الجيش الإسرائيلي من قواته الدائمة لتصل الى 3000 مقاتل فقط على الاقل حسب السجلات " ع الورق" ليتحول مع نهاية الخطة عام 2018 الى جيش صغير مسلح باسلحة حديثة ودقيقة لكن الايام وحدها ستقول هل تحقق هذا الهدف ام ازداد عديد الجيش الاسرائيلي واقعيا وانخفض رسميا فقط .