السبت: 04/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

اتحاد الكتاب العرب يحتفي بالروائي احمد رفيق عوض ويعيد طباعة روايته بلاد البحر .. المتوكل :عوض يأتي بالفريد والمدهش

نشر بتاريخ: 11/04/2007 ( آخر تحديث: 11/04/2007 الساعة: 21:51 )
بيت لحم -معا- بدعوة من اتحاد الكتاب العرب يتوجه غدا الى العاصمة السورية دمشق الكاتب والروائي احمد رفيق عوض لحضور حفل توقيع روايته " بلاد البحر " التي تطبع للمرة الثانية في كل من اللاذقية وبيروت.

وسيلقي عوض محاضرة في المركز الثقافي الفلسطيني في مخيم اليرموك وسيلتقي العديد من الكتاب والادباء العرب في العاصمة السورية الذين سيحضرون الحفل .

وكان عوض حصل على جائزة الملك عبدلله الثاني للرواية العربية عام 2003 عن روايته القرمطي .

ويحظى عوض باهتمام النقاد والكتاب الفلسطينيين والعرب لما تتميز به رواياته من جرأة في ملامسة الواقع عبر استدعاءات رشيقة وعميقة للتاريخ .

وقد عبر الشاعر ووكيل وزارة الاعلام د. المتوكل طه عن اعجابه برواية بلاد البحر التي ذهب فيها الكاتب الى التاريخ والى النوم والى الحلم .

جاء ذلك في قراءة نقدية متميزة تليق بالنص الروائي المحتفى به .

وفيما يلي القراءة النقدية كاملة :"يفاجئنا الروائي مرة اخرى، يذهب بعيداً من أجل أن يأتي بالفريد والمدهش، هذه المرة، يذهب الروائي احمد رفيق عوض الى التاريخ والى النوم والى الحلم والى بلاد البحر، ليعجن ذلك كله في تضاعيف نص مختلف حقاً، وليتحول ذلك كله الى نصٍ يدين حضارة القتل والاحتلال من جهة، ويتخلص من بكاء الضحية ورثاء نفسها من جهة أخرى.

رواية بلاد البحر تتكي على موروث عربي اسلامي في شكلها، فهي تلتقط شكل المنامة ـ باعتباره شكلاً تراثياً ـ، أي انها تستخدم شكل الحكي كما استخدمه الأجداد ذات مرة.

هذا الشكل الذي يقع في منتصف المسافة بين الواقع والفانتازيا، وبين الممكن و المستحيل، وبين الارض والسماء، سمح للروائي ان يحكي بحرية شديدة، وان يلتقط من النثر ما يريد ومن الشعر، والخيال ومن الواقع ما يريد.

أحمد رفيق عوض لا يريد ان يغادر تراثه او يدمّره، وهنا يحاول ان يعيد إنتاجه وان يستفيد منه الى أقصى حد. ان الحكاية التي انحدرت الينا من الف ليلة وليلة وقبلها كليله ودمنه وما بينهما من سير وحكايات، لتقدم لنا بوضوح ان الحكاية التراثية انما استخدمت الفانتازيا لتقول الواقع، إدانة كان ذلك أم استعارة.

ان شكل الحكي مهم في رواية بلاد البحر، واذا كانت الرواية تهدف، ضمن أهداف اخرى، الى تعرية مقولة الغرب المصقولة والمنتشرة والمفروضة فرضاً، فإن من اهدافها الاخرى هو شكلها ايضاً، بمعنى ان شكل الحكي شكل عربي تراثي، وكأني بالروائي يريد ان يجادل الغرب بوسيلة لم يتعلمها منه، وان يقول إن الرواية وباعتبارها في نهاية الأمر حكاية ـ لم تبدأ من الغرب ولم تصدر عن الطبقة البرجوازية الغربية بعيد الثورة الصناعية ـ كما قرأنا ذلك دوماًـ وكأني بالروائي يقول إن روايتنا العربية الاسلامية بدأت منذ تمدد الدولة العربية الاسلامية بعد القرن السابع الميلادي. وليس من حق احد أن يحتكر التاريخ او ان يحتكر حكايته او خط سيره، أو أن يحتكر مركزيته. ليس للتاريخ بؤرة واحدة، هناك بؤر متعددة ولكل منها إشعاع ومسار مختلف. واذا كان الشكل هو التاريخ، والسرد هو الموقف، فإن استخدام الروائي للشكل يعني أنه اختار المنطقة التي يريد أن ينطلق منها او أن يبني فيها. لقد اختار شكلاً محدداً بعينه، شكل المنامة، الشكل الذي يظهر في لحظات الانهيار وفترات الهزيمة وأوقات الانكسار. إختار ان يذهب الى حيث النائم يحلم، أو الى حيث الضعيف يتأمل.

وكان الروائي واضحاً في ذلك، عندما انطلق من لحظتين محددتين في التاريخ، وأقصد بهما، لحظة كتب الشاعر ابن القيسراني منامته بينما كانت بلاد الشام في معظمها تحت الاحتلال الصليبي، ولحظة كتب الوهراني منامته بينما كانت دولة الفاطميين تتهاوى أمام الايوبيين. اذن، كانت المنامات تعبيراً عن ردٍ على الهزائم والانهيارات.

إن استعارة الروائي احمد رفيق عوض هذه الاجواء ليس فيها مصادفة ولا عفو خاطر. هناك تخطيط شديد، ورغبة في إعادة الانتاج بطريقة فاعلة وقوية رغم كل الهزائم.

يجب أن نسجل للروائي جرأته وذكاءه وتخطيطه النافذ، ذلك ان في ذلك نوعاً من مشروع ثقافي يقوم به الروائي، متجاوزاً مهمة الحكّاء الى مهمة الُمنَّظر لفكر جديد ومستقبل مشرق. واذا جمعنا ما كتب من روايات حتى اللحظة، فإن هناك ما يرسم ملامح هذا التنظير الذي نتحدث عنه.

شكل المنامة الذي اختاره المؤلف كان شكل الجنون الذي يريد نسف "العقل" وأسلوب اللامنطق أمام "المنطق" الذي يذل ويحتل ويقتل باسم "العقل" و"العلمية" و"الحضارة".

المنامة كانت بشكل أو بآخر رغبة في عدم رؤية الواقع او عدم الاستسلام له او حتى التعامل معه. وليس من باب الصدفة ان جميع اشخاص رواية بلاد البحر تصرفوا حسب "احلامهم" لا عقولهم.

شكل المنامة كان جزءا من رؤية شاملة اذن، وفي هذا الصدد، لا بد من ملاحظة ان الروائي احمد رفيق عوض له حساسية خاصة تجاه شكل روايته منذ "العذراء والقرية" وحتى "بلاد البحر"، إنه يستخدم الشكل استخداماً حكيماً ومناسباً لمضمونه، بحيث لا ينفصم الشكل عن هدفه، ولا يخالف المضمون طريقة سرده. اختيار الشكل هو اختيار الوقت والزمن. ان هذه العلاقة الجدلية بين الشكل والمضمون، تجلت في بلاد البحر كأجمل ما يكون، التي تدفقت على مدى 274صفحة دون توقف، ودون تقسيمها الى فصول او فقرات، وبدون مقدمات، وبدون تمهيد. كانت كل المجريات تتدفق وتنفجر دون سابق انذار، تماماً، كالأحلام التي تتقدم الينا دون تفسير او إنذار. وكالأحلام ايضاً، فليس هناك اعتبار للزمان والمكان وقوانينهما.

كان على مضمون الرواية ان يتصدى لمقولة الهزيمة المتّصلة، ولمفاعيل التغيرات الكبرى، والأهم من كل ذلك، كان على مضمون الرواية ان يتصدى لأكثر المقولات قوة ومضاء، وأعني بها مقولة الغرب الحديث، وموقف هذا الغرب من نفسه ومن الآخرين، ومن كل تلك المقولات الناصعة حول الحرية والإرهاب والحضارة وحقوق الانسان والليبرالية والجندر.

وهذه هي معركة الرواية الحقيقية. كانت معركة الرواية الحقيقية تتمثل في رصد الغرب هنا، في فلسطين، في بلادنا، "بلاد البحر"، التي ضاعت ذات مرة، وتضيع مرات ومرات كل يوم، فإن الرواية التي بين ايدينا تقول إن ذلك بمثابة فضيحة العالم الاخلاقية كله، فضيحة الغرب وأناقته وحريايته وديموقراطياته، وفضيحة العرب الرسميين وشعاراتهم، وفضيحة كل البنى الاجتماعية والثقافية والفكرية السائدة، فضيحة كل شيء في نهاية الأمر.

الرواية تقول باختصار إن الغرب كاذب في كل ما يدّعي، لسبب بسيط تماماً، هو انه سوّغ وسّهل وبرّر ورسّخ ضياع وطننا، وانه كاذب، لانه يعود الينا كل مرة بادعاء جديد وذريعة جديدة، وهو كاذب لأنه منافق في سياسته وفي ادبه وفي فنه المتعلق بنا، وهو كاذب، لانه لم يعلمنا الديموقراطية ولا الحرية، وانما علّمنا ان نحرق مدننا ـ كما فعل الاشرف خليل بن قلاوون في مدينة عكاـ. لا بد هنا من التوقف قليلاً أمام اختيار الروائي الكبير لهذا الحدث ايضا، إن تسليط الضوء في الرواية على حادث حرق عكا ليظهر لنا مرة اخرى تخطيط الروائي لمشروعه الذي يؤسس له. ان حرق عكا في العصور الوسطى كردٍ على الحروب الصليبة الاولى، يشبه الآن الردود العنيفة التي نراها في منطقتنا رداً على هذه الهجمة الفظيعة التي نشهدها في كامل تفاصيل حياتنا. كانت هذه هي الجملة البؤرية في رواية بلاد البحر.

فضح الغرب وحضارته في بلادنا، واستنساخ الذرائع ذاتها واعادة انتاج الادعاءات إياها. ولأن الامر كذلك، فقد ذهب الروائي الى كل المناطق الشائكة في المشهد كله، الاحتلال والاستيطان والسلطة الوطنية والتركيبة الاجتماعية والثقافية الحديثة والهجينة، ورغم أن في الامر سخرية شديدة الا أن الروائي لم يستطع ان يسخر من شيء، كان مشغولا بأجواء أشبه ما تكون بشعورمَنْ يمشي على حافة قبره، أو كالمطل على حافة الانهيار.

الرواية تكتشف خداع كل شيء، وترفض ان تمارس الخداع على نفسها أو على قارئها. تقول الرواية استياءها بوضوح وباستعمال اللونين الاسود والابيض، تماماً كتفريقها بين الموت والحياة.

والرواية واضحة وحادة وقليلة الحيرة رغم كثرة الاسئلة وفتح أبواب السجال. تقول الرواية إن الغرب هذه المرة نجح في حملته العاشرة لانه ببساطة استطاع ان يجرّعنا أفكاره، هذه المرة لم يحتلّ الارض فقط وإنما احتلّ العقل والوجدان، هذه رواية تكتب تاريخ الحملة الصليبية العاشرة علينا، حملة طويلة وعميقة وشديدة الأثر، لأنها ـ وبعد استفادتها من الحملات السابقة ـ استطاعت، إلى حدّ كبير، أن تجعل منا عبيداً نؤمن بها ونؤمن بمقولاتها.

وبهذا تكون هذه الرواية شديدة الأهمية ورائدة في أنها تصدر من هنا، من فلسطين أولاً، وفي انها تجاوزت لغة المواربة والدجل والشعوذة. رواية مواجهة، واجهت فيها ذاتها مقابل ذوات الأخرين، وذهبت مباشرةً الى مقاصدها وأهدافها، مستخدمة في ذلك تراثها ومرجعياتها الاصيلة. وكما بدأت في اول كلامي، فإن احمد رفيق عوض مدهش وفريد .. وسيبقى كذلك.