الإثنين: 20/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

تالا.. الدولارات اغلى من حياتها

نشر بتاريخ: 27/09/2013 ( آخر تحديث: 27/09/2013 الساعة: 10:39 )
تحقيق ماهر المبيض- تالا ابنت الـ12 ربيعا ذات الوجه البشوش المشرق والابتسامة العريضة والقلب النابض بالحياة والسعادة، فجأة وبدون سابق إنذار غاب نورها وهبط القلب وجعا وألما وبدأت عضلاته تتضخم شيئا فشيئا، ليحيط الخطر المحدق بها على حياتها، وباتت تحتاج قلبا بديلا ينقذها من توقف الحياة نهائيا، ولم تفهم الأم ما الذي أصاب ابنتها ومعنى زراعة قلب، وكيف يتم زراعته، ولم تتمالك نفسها فانهارت على الأرض من شدة الصدمة، حتى أن فارقت الحياة قبل عشرة أيام.

بدأت والدة الطفلة "تالا" أبو قطنه من جنين بسرد تفاصيل معاناة ومأساة كل دقيقة مرت على ابنتها وهي على فراش الموت تتجرع مرارة وقسوة الألم، مشيرة إلى أنها تفاجئت بمرضها ومعاناتها من تضخم في عضلة القلب التوسعي قبل عام تقريبا، وبعد الفحوصات والتدقيق الصحي أقر الأطباء في مستشفى المقاصد في القدس بضرورة زراعة لها قلب صناعي بشكل فوري لحين وجود قلب طبيعي.

وسيطرت علامات الحزن والأسى على وجه والداتها بعد ما أشار الطبيب المختص بأن هناك ثلاثة أصناف تشابه حالة ابنتها منهم من يعالج بالدواء ونسبتهم 30%، وصنف آخر يحتاج زراعة قلب بنسبة 30% والباقون يتوفاهم الله، مؤكدا للوالدة على ضرورة إيجاد متبرع أو مستشفى أوروبي تتكفل بزراعة قلب للطفلة قبل شهر يونيو الماضي.

البحث عن قلب
جففت دمعها وحبست أنفاسها وشمرت عن ذراعيها وبدأت السير في نفق مظلم وطريق مجهول لا تعرف إلى أين سيوصلها في البحث عن مستشفى أو متبرع لينتشل ابنتها من المرض الذي بدأ ينال من جسدها النحيل، ولم تتوان عن مخاطبة الجمعيات الخيرية والمؤسسات الدولية والمستشفيات الأوروبية والأطباء العرب والأجانب مستغلة ايجادتها للغتين الإنجليزية والفرنسية وبعض أصدقائها في إيطاليا وألمانيا، بالإضافة لإنشاءها صفحة خاصة عبر "الفيس بوك" باسم "تالا" لعلها تجد آذان صاغية وقلوب رحيمة تنشلها من مرضها القاتل.

الموافقة متوافرة
وأكدت والدة الطفلة بأن إحدى المستشفيات في إيطاليا قبلت بعلاجها بشرط أن تتعهد السلطة الفلسطينية بتكاليف العملية وزراعة قلب صناعي في البداية على أن تبقى في إيطاليا ما يقارب عام لحين حصولها على قلب طبيعي، لافتا إلى أنه في شهر حزيران الماضي جاءت موافقة أخرى من ألمانيا لإجراء العملية مع توفر القلب الطبيعي ولكن بمبلغ قدرة نصف مليون يورو.

ولكن بدون كلل أو ملل واصلت أم "تالا" الليل بالنهار بالعمل على مناشدة رئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس" ودول أخرى وجمعيات مختصة لإنقاذ حياة طفلتها التي ترقد في غرفة العناية المكثفة في مستشفى "الرازي" في جنين بسبب تدهور وضعها الصحي.

تحولت حياة الطفلة "تالا" لجحيم ومعاناة مستمرة لا تتوقف بعدما باتت تقضي حياتها بين الأطباء والممرضين، ليظهر فجأة بريق من الأمل والتفاؤل وتعود البسمة على شفتا الطفلة وعائلتها بعد قرار الرئيس "عباس" بتاريخ 12/6/12013 يقضي بموافقته على علاجها داخل المستشفيات الأوروبية وتغطية جميع نفقات علاجها.

حالة صعبة
بدأ القلب يدق ويصرخ ألما ووجعا والمرض ينهش جسدها كما تأكل النار الهشيم لتنقل مرة أخرى إلى مستشفى "تل شومير" داخل الخط الأخضر في تاريخ 12/8/12013 بسبب تفاقم الإفرازات والسوائل داخل جسدها، وبعد الفحوصات والمراجعات والتدقيق الصحي توصل الأطباء بعدم مقدرتهم التعامل مع مثل هذه الحالة، مطالبين من والدة الطفلة التوجه الفوري إلى "برلين" لسحب السوائل التي بدأت تملئ كافة جسدها.

وقالت والدة الطفلة بقلب مكسور وحزين " بعد حديث الأطباء عن تدهور حالتها الصحية جن جنوني وأصبحت لا أدري ماذا أفعل وإلى أين أتوجه، فأجبرت على التواصل مع الدكتور ناصر القدرة والذي يعد أفضل طبيب في العالم في زراعة القلب وشرحت له حالتها الصحية الصعبة والذي توجه بدوره بخاطب لوزارة الصحة موضحا لها حالة "تالا" وحاجتها ماسة لزراعة قلب، كونها لا تتحمل فترة انتظار طويلة حاجتها لزراعة قلب صناعي، حفاظا على حياتها لحين وجود متبرع لزراعة قلب طبيعي داخل ألمانيا التي تبلغ تكلفتها ( نصف مليون يورو).

بدائل مختلفة
أشار الطبيب القدرة الذي تواصلت معه عبر الهاتف من ألمانيا للاطلاع على التفاصيل الدقيقة إلى وجود بديل عن علاج الطفلة في أوروبا عبر قدومي إلى مستشفى "تل شومير" ومساعدة الطاقم (الإسرائيلي) في العملية وهذا يتطلب أن يكون الجهاز ومتطلباته متوفرة هناك، مشيرة إلى قيامهم بخطوة مشابه في وقت سابق في "(تل أبيب)".

وقال" والدة الطفلة كانت تتصل بي يوميا وتخبرني بأن وضع ابنتها سيئ للغاية، وفي هذا الوقت لم أكن ناقشت معها الأمور المادية ولم أخبرها بموافقة المركز على استقبال المريضة بعد تحويل المبلغ نظرا لحساسية الموضوع وتفهمنا للوضع الاقتصادي في فلسطين".

وبعد هذا العرض الذي قدمه الطبيب القدرة شعرت والدة الطفلة ببريق أمل بعودة الابتسامة لابنتها فهرعت لـ د.مدحت طه المتابع لملفها في وزارة الصحة طلبت منه الإسراع في الموافقة على ذهابها للعلاج في ألمانيا أو قدوم الطبيب إلى (إسرائيل)، الذي أجابها بضرورة توفر كتب رسمية وأوراق جديدة، عندها أيقنت بوجود "مماطلة وتهرب" كما قالت من المسرولية ولسان حالها "لو أنها بنت وزير أو مسؤول لذهبت للعلاج بدون أي تقارير أو كتب رسمية لماذا التأخير والموافقة المالية جاهزة والمستشفى لا تمانع".

لا نرمي أموالنا في البحر
وأضافت " بعد طول انتظار حاولت التواصل مع أحد المسؤولين في الرئاسة الفلسطينية، لكي أتعرف على سبب تأخرهم في نقلها إلى ألمانيا أو ايطاليا الذين أبدوا استعدادهم لإجراء العملية، بالإضافة لموافقة شركة "الانترناشونال" العالمية للطيران للعلاج بنقلها لأي دولة فورا.

ولكن الذي أصابني بالصدمة والذهول ومليء قلبي مرارة عندما عرفت من خلال مسؤول مقرب من وزارة الصحة "كما قالت" بأن أحد المسؤولين في الرئاسة قال" لا نريد أن نرمي أموالنا في البحر البنت سوف تموت قريبا"، فحينها أحدقت النظر في "تالا" وعدت والألم والحسرة والقهر تملأ قلبي إلى أن فارقت الحياة أمامي بتاريخ 13/9/2013 التي طالما حلمت بإجراء العملية وتحقيق أمنيتها بأن تصبح طبيبة أسنان، لكن كانت الجنة أقرب لها من حلمها.

القيام بكافة الواجبات
ومن جانبه، قال المسؤول في وزارة الصحة لدى الرئاسة الفلسطينية والمكلف بملف الطفلة تالا د. مدحت" بأننا قمنا بواجبنا نحو المريضة ولم ندخر أي جهد أو وقت لمساعدتها عندما علمنا بمرضها".

وأضاف طه لصحيفة لـ"الاستقلال" قمنا بزيارة الطفلة وطلبنا من والدتها أن تجلس في البيت وتدع قضيتها لنا وسنقوم بالبحث عن المستشفى والطرق الأفضل لعلاجها، وأخذنا ملفها الطبي وعرضناه على اسبانيا وايطاليا في تاريخ 15/6/2012 ولكن لم نخاطب ألمانيا لعدم معرفتنا بأن لديها الخبرة في إجراء عمليات زراعة قلب"، لافتا إلى أن السلطة لا تعرف أين تتواجد المراكز الطبية لزراعة القلب، كما كتب الصحفي في تحقيقه.

أوضح د.طه أنه بتاريخ 9/7/2013 استقبلت وزارة الصحة ثلاثة منح من دولة أوكرانيا لإجراء عمليات زراعة القلب بالمجان لثلاثة أطفال فلسطينيين.