أحمد يوسف يكتب لـ معا عن الرئيس ودحلان
نشر بتاريخ: 21/03/2014 ( آخر تحديث: 21/03/2014 الساعة: 18:13 )
الكاتب: د. أحمد يوسف
بالرغم من أن جذوة نار الخلاف بين الأخ الرئيس أبو مازن والنائب عن حركة فتح محمد دحلان كانت تستعر خلف الكواليس، ويطفح على السطح – أحياناً – بعض سعارها، إلا أن الحقيقة المرة أن الرجلين وصلا في عداوتهما لطريق مسدود اتسع فيه الخرق على الراقع، واستعصى على أهل الخير بناء جسرٍ لتجاوزه.
لقد تأثرت كثيراً بالكلمات الصادقة والحريصة على الوطن التي ناشد فيها أخي د. موسى أبو مرزوق؛ رئيس المكتب السياسي السابق لحماس ومسئول الملف الإعلامي بالحركة، كلاً من الأخ الرئيس محمود عباس والسيد محمد دحلان من أجل فلسطين الكف عن سياسة كشف المستور الذي لا يخدم إلا الاحتلال، ودعا إلى ضرورة الابتعاد عن لغة التشهير، قائلاً: إن "فتح على الرغم من الخلافات داخلها في الإطار الفتحاوي، ومع حماس وآخرين في الإطار الفلسطيني، إلا أن الجهد الذي يجب أن يبذل هو في خروج فتح من خلافاتها بوحدة صفها مع مصالحة وطنية مع الآخرين؛ لأن فتح هي إحدى روافع القضية الفلسطينية، وكانت - ولا زالت – تمثل العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهي من يقود السلطة الفلسطينية بشرعية عربية ودولية".
وأيضاً بما كتبه الصديق مصطفى إبراهيم حول نفس القضية، حيث قال: "محزن حال الصمت المقيم فينا، وفي اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية الصامتة، والعاجزة عن استنكار ما يجري من جولات الفضائح الوطنية والسياسية والأخلاقية التي تعصف بالفلسطينيين، وما يدور – للأسف - لم يتوقف عند الفضيحة والعار الذي لحق بنا جميعاً، إنما وصل الى تبادل اتهامات التخوين، ولم نسمع صوت أي رجل حكيم سواء في حركة فتح أو الفصائل الفلسطينية، ولا حس لأي من الأمناء العامين للفصائل.. إن كل هذا العبث يفسر غياب المؤسسات الفلسطينية، ومبدأ النأي بالنفس عن القضايا الوطنية، والمشاركة في تعميق حال السوء والتخبط والجبن والخوف، وعدم مقدرة أي من أولئك على الخروج للناس، والقول "كفى للمهازل" التي وصلت حد الكوميديا السوداء أن لا نسمع أي صوت من أيٍّ من المسؤولين الفلسطينيين.. إن هذا لا يُفسَّر إلا أنه إما شماتة أو خوف وهروب من مواجهة الانحطاط والانحدار أو أن هناك موافقة من البعض على تفتيت حركة فتح وتدميرها، القول كفى ليس تدخلاً في شؤون الآخرين على غرار مبدأ الرئيس بعدم التدخل في شؤون العرب، فما يجري في الساحة الفلسطينية وحركة فتح ليس شأناً فتحاوياً فحسب، بل هو أيضاً شأناً وطنياً بكل معنى الكلمة".
في الحقيقة، لقد لمست إجماعاً في الشارع الفلسطيني وفي حديث النخب التي التقيتها أن ما جرى ويجري لا يصب في المصلحة الوطنية، ولا يخدم صورة الوطن والقضية، وسيكون له تداعيات سلبية سيدفع ثمنها – عاجلاً وآجلاً - الفلسطينيون جميعاً.
لقد سبق وأن خسرنا الكثير على إثر الأحداث الدامية التي وقعت في يونيه 2007م بين فتح وحماس على مستوى مكانة القضية وطهارتها، باعتبارها قضية العرب والمسلمين، وما زلنا حتى اللحظة نعاني مما وقع من انقسام أدى إلى تراجع القضية الفلسطينية سياسياً، من حيث مكانتها على سلم أولويات المجتمع الدولي وفي دعم واهتمامات شعوب العالم بشكل عام.
اليوم، ومع هذه الكبوة السياسية وجرأة تبادل الاتهامات بالفساد والخيانة، نوشك أن نخسر ما تبقى لنا من رصيد ومكانة وحظوة لدى شعوب أمتنا العربية والإسلامية.. كم كنا نتمنى لو أن "كشف المستور" ظل في إطار الأسرة الفتحاوية الواحدة، باعتباره "إشكالية داخلية" مطلوب تداولها واتخاذ قرارات بشأنها، ولكن هذا العرض المفتوح والذي بدأت أولى جولاته بما أورده أحد قيادات فتح حول القيادي النائب محمد دحلان خلال زيارته التفقدية لكوادر الحركة في قطاع غزة، ثم توسع بأحاديثه التشهيرية تلك على وسائل الإعلام وبشكل غير معهود عنه، الأمر الذي أدى لاحقاً لمعاودة طرح الموضوع في اجتماع المجلس الثوري، ليبدأ "الردح الإعلامي" - بعد ذلك - والمطالبة بتشكيل لجان قضائية تحقق في كل ما صدر من اتهامات.
إن هذا الذي جرى داخل أروقة حركتنا الوطنية الرائدة (فتح) يطرح سؤالاً جوهرياً: أين هي مؤسساتنا القضائية؛ الوطنية والحزبية، لتفصل في مثل هذا النوع من النزعات.؟ وأين هي اللجان الحركية المنوط بها غلق الملفات أولاً بأول، كما شاهدنا في المعالجة السريعة والتسوية الأخوية بين القياديين في الحركة جبريل الرجوب وجمال أبو الرب قبل شهرين تقريباً.
إن ما عهدناه على الرئيس أبو مازن هو حكمته، وتوخيه الحذر الشديد في تعاملاته السياسية، والتراجع – أحياناً - عن بعض مواقفه وأقواله إذا ما وجد بأن هناك ردَّات فعل شعبية رافضة لذلك.
إن ما جرى على لسان الرئيس أبو مازن في اجتماع المجلس الثوري الاخير من اتهامات لمحمد دحلان وبعض الكوادر القيادية القريبة منه كان مدخلاً لفتنة ما تزال ذيولها تتوسع وتتصاعد، ليس فقط عبر الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، بل حركياً - أيضاً - بين كوادر حركة التحرير الوطني (فتح)، حيث غدت لغة المجالس والدواوين، ومسرحاً للتجاذبات والمناكفات وتبادل الاتهامات، وكانت في توقيت صدورها مقتلة للرئيس، حيث جاءت بين يدي رحلته - ربما - الأهم إلى واشنطن، والتي كانت تتطلب مشهداً تضامنياً خلف الرئيس والتفافاً شعبياً واسعاً حوله، بدل هذا الشرخ الذي شق وحدة الحركة، وجعل من قياداتها "شركاء متشاكسون".
لقد كان حجم الاتهامات من العيار الثقيل، الذي يستفز الحجر ويبعث فيه روح الشيطان الرجيم.. لذلك، جاء رد دحلان المنفعل جداً سريعاً على قناة دريم المصرية، أي بعد أسبوع - تقريباً - من خطاب الأخ الرئيس، وكان قاسياً ومتجاوزاً لكل الخطوط الحمراء في العلاقة الشخصية والتنظيمية مع الرئيس أبو مازن.
إن ما ورد في الخطابين - للأسف - هو تشهير وتصعيد غير مسبوق، ولم نعهد مثله في فترة قيادة الرئيس أبو عمار، الذي تمكن بحكمته وحنكته السياسية أن يستوعب الجميع، ولا يسمح أن تصل الأمور داخل حركة فتح - العزيزة على قلوبنا جميعاً - إلى مرحلة "الجهر بالسوء" حتى ممن ظُلم.
لا شك أن أجواء العلاقة المتوترة بين الرئيس أبو مازن ومحمد دحلان كانت مشحونة بطاقة متفجرة من الغضب الدائم، وقد أحجمت الكثير من الجهات القيادية – للأسف - عن التدخل؛ باعتبار أن هذه مشكلة تخص الرئيس أبو مازن نفسه، وقد حسمت فيها اللجنة المركزية عندما قامت بالمصادقة على فصل النائب محمد دحلان منها وطرده من الحركة.
الخلاف وحديث الصالونات الدائم:
في شهر يناير 2013م، سافرت للمغرب مع مجموعة من القيادات الوطنية والإسلامية استجابة لدعوة وجهها "حزب الأصالة والمعاصرة" المقرب من القصر، بهدف مناقشة موضوع المصالحة الفلسطينية، والخروج برؤية وطنية ومقترحات عملية يمكن أن تسهم في دخول المغاربة على خط المصالحة وإنهاء الانقسام، حيث تحظى القضية الفلسطينية بمكانة متقدمة في اهتمامات الشعب المغربي وتياراته الوطنية وأحزابه الإسلامية. كان حجم الحضور وتمثيله واسعاً وشارك فيه أصدقاء جاءوا من الضفة الغربية، أمثال توفيق الطيراوي وروحي فتوح وماجد أبو شمالة وآخرين. وعلى هامش المؤتمر وفي جلسات المساء، كنا نتبادل الحديث في الشأن الفلسطيني الداخلي، وكان البعض يأتي على ذكر الخلاف القائم بين الرئيس أبو مازن والنائب محمد دحلان وتداعياته على وحدة حركة فتح، الأمر الذي دفعني في لحظة من الحماس والوطنية والغيرة على حركة فتح؛ والتي أكن لتاريخها النضالي بالكثير من التقدير والاحترام، أن اتحرك لبذل بعض الجهد لإصلاح ذات البين، بالرغم من وجود من هم أوثق عُرى وأقرب للطرفين منيِّ.. لقد شعرت من نقاشاتي مع بعض الإخوة الفتحاويين أن هناك من الخصومة ما يستعصي على الحل، وأن "بينهما ما صنع الحداد" .!!
لذلك، لم تتجاوز جهودي – آنذاك - غير اسداء النصيحة لبعض الإخوة من أصحاب الحظوة والقريبين من دائرة الرئيس أبو مازن والسيد دحلان بضرورة عمل شيء لرأب الصدع، من أجل أن تظل حركة فتح شامخة قوية، وعصية بتاريخها وشبيبتها على الشرخ، وقادرة على الاستمرار بشراكتها في حماية وقيادة المشروع الوطني الفلسطيني.
أتذكر أنني التقيت النائب محمد دحلان في القاهرة قبل عامين تقريباً، بهدف التوسط للإفراج عن أحد الإخوة المعتقلين في الإمارات على خلفية الانتماء لحركة حماس، وقد سمعت منه – آنذاك - شيئاً عن ذلك الخلاف القائم بينه وبين الرئيس أبو مازن.. كان دحلان دائم القول "إنه جاهز لأي محاكمة نزيهة، وإن لديه ما يثبت براءته من كل ما نُسب إليه، وأن الذي بينه وبين الرئيس أبو مازن هو القضاء ليقول كلمته، وهو سيحترم ذلك"، وقد تكرر هذا القول على مسامعي مرة أخرى عندما التقيناه في مدينة أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة في يونيه 2012م، كوفد "اللجنة الوطنية الإسلامية للتكافل الاجتماعي"، والممثل لمختلف التيارات الفلسطينية بهدف جلب الدعم للقطاع المحاصر، وقد بذل – من خلال علاقاته بالأسرة الحاكمة - جهداً مشكوراً لتسهيل مهمة وصول الوفد إلى الجهات والمؤسسات الخيرية في البلاد.. لم أكن أتخيل – آنذاك - أن مستوى الخلاف بينه وبين الأخ الرئيس يمكن أن يصل بالعلاقة إلى درجة أن "لا تلاقيا".
القضية الفلسطينية في مهب الريح:
عندما استمعت لكلمة الرئيس أبو مازن التي تمَّ بثها على تلفزيون فلسطين، ثم لكلمة دحلان بعد ذلك على فضائية دريم المصرية يوم 16 مارس 2014م، وما أعقب ذلك من جدل، قلت: يا رب يا ساتر.. لقد وقعت الواقعة، وسندفع – كفلسطينيين - من جديد فاتورة هذه الفضائح عربياً وإسلامياً، وقد سبق لنا أن خسرنا الكثير من دعم وتعاطف شعوب أمتنا بعد الأحداث الدامية في يونيه 2007م .
وبالرغم من التحذير الدائم بالابتعاد عن تناول خلافاتنا الداخلية عبر وسائل الإعلام؛ باعتبار أنها سيف ذو حدين، إلا أنه – وكما يقول المثل الفلسطيني – "ما يقع إلا الشاطر".
ماذا تعني حرب الملفات، وقد تعودنا على القول بأن "المجالس أمانات"، وما يدور في كواليس الحكم والسياسة ليس كلأ مستباحاً، والدول تضع قيوداً على أسرار مجالسها تطال الجميع ولا تستثني حتى الرئيس.
اليوم كرَّت السبحة، ولا ندري من القادر على تجميع حباتها من جديد، وخاصة بعد التطاول على الرئيس أبو مازن من شخصيات مصرية إعلامية وحزبية، ليضاف إلى ما سبق من تحريض وتشويه واتهامات لحركة حماس، ليتكامل مشهد الاستهداف والشيطنة – الآن - لكل ما هو فلسطيني.!!
فهل وصلنا – كما يرى البعض - إلى حدِّ القول: إن السلطة الفلسطينية وحركة حماس قد خسرتا جمهورية مصر العربية، وأن هناك في الساحة الإعلامية من بدأ يتحرش ويُحرض لإضعاف روابط "العروة الوثقى" التي تجمع بين شعبينا، والعمل على ما يعتقد أنه الحلقة الأخيرة أو "شعرة معاوية" التي يتوجب قطعها، لتفكيك العلاقة مع كل ما يربط هذا البلد الشقيق بالقضية والشعب الفلسطيني.!!
لقد كان جاء رد الخارجية المصرية قوياً وسريعاً، وما سمعناه على لسان السفير المصري الجديد لدى السلطة السيد "وائل نصر الدين عطية" بإدانة الإساءة التي وُجهت للرئيس محمود عباس، واعتبار أن الإساءة للرئيس هي بمثابة إساءة لمصر، مؤكداً على عمق العلاقات التاريخية التي تربط الشعبين الفلسطيني والمصري.
لا شك أن هذا كلام جميل ومسئول، ويعبر عن عمق العلاقات الأخوية والتاريخية التي تجمع بين الشعبين المصري والفلسطيني.. وبانتظار أن تتعافى مصر الشقيقة من همومها وانشغالاتها الداخلية، يحدونا الأمل أن تنهض مصر الدولة سريعاً للقيام بدورها الطليعي، ومهامها القيادية ومسئولياتها القومية، وعلى رأسها معاودة جهودها المشكورة لجمع الصف الفلسطيني، وذلك بتحقيق المصالحة وانهاء الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
لقد ساقني ألم الحالة التي وصلنا إليها في ساحتنا الفلسطينية جراء هذا التدافع السياسي البغيض إلى الاتصال بالقيادي الفتحاوي القريب من النائب محمد دحلان الأخ سمير المشهراوي (أبو باسل) في أبو ظبي، والطلب منه العمل مع إخوانه من عقلاء حركة فتح سرعة التحرك لوقف حالة التدهور في علاقاتنا الوطنية، والابتعاد عن سياسة تصفية الحسابات عبر وسائل الإعلام، وأسلوب "خلي الليِّ ما يشتري يتفرج".. لقد وعد الرجل خيراً، ولكن يبدو أن "وراء الأكمة ما وراءها".. والله يستر.
اتهامات الخيانة: ظاهرة غير وطنية:
إذا حاولت أن تبحث عن شخصية فلسطينية لخلافة الرئيس أبو مازن لرئاسة السلطة، في حال تعرضه – لا سمح الله – لأية مكروه، فقد تحتاج إلى ساعات طوال تُقلب فيها النظر بين كل الوجوه التي تتقلد – اليوم - مناصب قيادية، للأسف قد تعجز في الوصول إلى كامل الأوصاف، فلا أحدَ مبرءٌ من كل عيب، حيث إن غالبية السياسيين طالتهم اتهامات – وإن بدرجات متفاوتة - بالخيانة أو التواطؤ مع الاحتلال من ناحية، واتهامات الفساد والمحسوبية أو النفاق السياسي من ناحية أخرى، الأمر الذي يجعل خياراتك محدودة جداً، وقد تصل بعد تقليب كل وجوه المسألة إلى حالة من اليأس والاحباط، إذ واأسفاه: "يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ".
إن هناك الكثير من المرات التي جمعتنا بنخب فكرية، وكان جوهر القضية هو السؤال: من تراه مناسباً لخلافة الرئيس أبو مازن؟ وكالعادة يتكرر مشهد التفكير والحيرة المصاحبة له، وعند طرح اسم أي شخصية اعتبارية لتلعب دور "رجل المرحلة" انتفض الآخرون وقاموا بتشريحها سياسياً وأخلاقياً، بحيث ينتهي اللقاء بعدم توفر ما نبحث عنه.!!
إن الحقيقة الموجعة داخل ساحتنا الفلسطينية هي أننا لا نحسن "صناعة البطل"، ولا نعرف كيف ننمي أو نحافظ على من امتلك المؤهلات لذلك.!! حيث تعودنا – بشكل عام - عند اختيارنا لموقع الرجل الثاني أن يكون مجرد "طرطور" أو من نوعية "سمعاً وطاعة يا مولاي" أو نحو ذلك، حيث تتقدم دائماً مهارات الولاء على الكفاءة.
للأسف الشديد أن إسرائيل قد أسهمت بتحطيم شخصيتنا الوطنية، حيث أكثرت من الإشارة إلى وجود الألاف من العملاء "مدفوع الأجر" في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، والزعم بأن بعض هؤلاء هم في مواقع متقدمة داخل أجهزة السلطة وبين الكوادر القيادية للفصائل والتنظيمات الفلسطينية.!!
وبالرغم من عدم صحة مثل هذه الادعاءات إلا أنها – للأسف - أسهمت في تغييب صورة البطل للكثيرين مما قدَّموا خلال مسيرتهم النضالية صفحات مشرقة للوطن، وأضحى الكثير من هؤلاء الأبطال في معايير "الجرح والتعديل" إما "خيار الضرورة" أو من "سقط المتاع".!!
وإذا كانت فلسطين هي الأرض التي بارك الله فيها للعالمين، وأنجبت على ثراها أكرم الأنبياء والمرسلين، وكان من ساحات أقصاها معراج خير الخلق أجمعين، وقدمت في المسيرة الجهادية من الأطهار والنجباء والشهداء والأعلام الكثيرين، وكانت انتفاضة أطفالها مدرسة إعجاب وبطولة لشعب لا يلين، فلماذا هذا التبخيس بمشهدنا الوطني والإكثار من ألفاظ العمالة والتخوين.؟!!
أتمنى من الجميع مراجعة مفرداته السياسية، والابتعاد عن لغة "التخوين" ومصطلحات التبعية للآخرين، والتي لا يليق تداولها في أدبيات الخلاف الحزبي والصراع على السلطة.. نحن شعب عظيم، وتاريخنا تشرف به صفحاتنا الحضارية، ورجالاتنا هم أيقونة هذه الأمة ومشكاتها، وأيامنا هي تواريخ للرجال الذين صنعوا صفحات البطولة والمجد.
منَ من حكمائنا يملك زمام المبادرة؟
نحن كفلسطينيين لنا أكثر من عتب على قيادات العمل الوطني، حيث إننا لم نلحظ أي جهد يبذل من أجل وقف مسلسل الاتهامات والاتهامات المضادة بين الأخ الرئيس أبو مازن والنائب محمد دحلان، فالقضية اليوم خرجت عن دائرة التنافس والصراع السياسي على السلطة إلى ساحة التأثير على مواقف الرسميَّات العربية وشعوب المنطقة تجاه قضيتنا الفلسطينية.
وإذا لم يتحرك حكماء هذا الشعب العظيم لتدارك الأمور، ووقف مسلسل الاتهامات وكشف المستور، والخروج برؤية ملزمة للطرفين تمنع مثل هذا التداول الإعلامي لحملات التشهير والتشويه، فإن ما ينتظرنا هو المزيد من التدهور، لنصبح "كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً"، حيث تذهب ريحنا وهيبتنا وتضيع شوكتنا، ويغدو مشهدنا الحزين لوحة سريالية يرسمها مشهد "وأصبح يقلب كفيه" .
لقد أوجعتني تلك العبارة التي سمعتها من أحد الغيورين على هذا الوطن، حين قال: "إحنا ما صدَّقنا نخلص من قصة فتح وحماس، عشان تطلع علينا سالفة عباس ودحلان.. حسبنا الله ونعم الوكيل".
إنني أنبه إخواني في فصائل العمل الوطني والإسلامي بأن هناك من يعمل على حرف بوصلتنا النضالية، وأخذنا إلى متاهات ومقاتل جانبية، والمطلوب اليوم سرعة العمل لتطويق ما يجري بين الأخ الرئيس أبو مازن ومحمد دحلان، لوقف مكيدة الاستنزاف للحالة الوطنية، ومنح الرئيس أبو مازن الوقت والتركيز لحشد الدعم السياسي - الإقليمي والدولي - خلف القضية الفلسطينية، وتمكينه من مقارعة إسرائيل ووقف مخططاتها الاستيطانية والتهجرية، ومحاولاتها لتهويد المدينة المقدسة وبسط السيادة اليهودية على المسجد الأقصى المبارك.
إن الأخ الرئيس أبو مازن هو اليوم في أشد الحاجة لوقفة شعبية داعمة له، ونأمل أن يكون على رأس أجندته - الآن – العمل على استكمال ملف المصالحة الفلسطينية، وذلك بعد أن أنهى لقائه بالرئيس أوباما، وعاد إلى أرض الوطن من واشنطن حائزاً بثقة شعبه، حتى نتمكن جميعاً من استعادة عمقنا العربي والإسلامي، والانفتاح على الغرب لكسب دعمه وتضامنه مع حقنا في التحرير والعودة.
ختاماً: ماذا بعد زيارة واشنطن؟
كما ذهب الرئيس أبو مازن للقاء أوباما في البيت الأبيض مردداً القول بالحفاظ على الثوابت والتمسك بالحقوق، عاد إلينا بنفس القوة والعزيمة والإصرار، قائلاً: "سافرنا وعدنا ونحن على العهد باقون وبالوعد متمسكون، فكونوا أبناء شعبنا مطمئنين بأن النصر لنا بإذن الله.. وإننا لمنتصرون".
أتمنى أن نطوي الذكر صفحاً عما اتخذه البعض حديثاً لمجالسهم، وأن نفتح صفحة جديدة عنوانها: الآن حصحص الحق وجدَّ الجد، وتنتظرنا أياماً صعبة علينا مواجهتها جميعاً، وهذا يتطلب وقوفنا خلف الرئيس أبو مازن لنشكل له رافعة تحميه، وتأخذ بيديه وتمكنه من مواجهة التحديات وما يبيته الإسرائيليون من مكر للإيقاع به.
علينا أن نتذكر كيف قامت إسرائيل بتصفية الرئيس أبو عمار (رحمه الله) لأنه رفض التنازل عن القدس وحق العودة، ولم يمنح الإسرائيليين أية تطمينات بشأن إمكانية التلاعب بحدود الدولة الفلسطينية، والإصرار على الشكل الذي كانت قائمة عليه قبل الرابع من حزيران 1967م في الضفة الغربية وقطاع غزة .
إن الرئيس أبو مازن – اليوم - هو في دائرة الاستهداف، وعلي الكل الوطني والإسلامي التخندق معه في معركة الحفاظ على الثوابت؛ وهي معركة تحتاج جهد الجميع.. ولعلي هنا، ونحن نعيش ذكرى اغتيال إسرائيل لإمام شهداء فلسطين الشيخ أحمد ياسين؛ الظاهرة المعجزة واسطورة التحدي، تذكر ما قاله للرئيس أبو عمار (رحمه الله) وقد ضاقت بالجميع السبل، وهو ما أريد أن أكرره – اليوم - للأخ الرئيس أبو مازن، الذي نمر وإيَّاه في ظروفٍ بالغة الصعوبة والقسوة بلغت فيها القلوب الحناجر: "كان الله في عون الرئيس، كان الله في عون الرئيس، كان الله في عون الرئيس".