الإثنين: 14/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

"مقاتلو المال": من يريد جيوشًا خاصة؟

نشر بتاريخ: 03/05/2014 ( آخر تحديث: 03/05/2014 الساعة: 12:02 )
بيت لحم- معا - إنهم محترِفون، حسنو التدريب، أجورهم من بين الأعلى في العالم، وهم ينافسون في السنوات الأخيرة مستوى حرفيّة جيوش نظامية. مرتزَقة العصر الحديث يُمسون جزءًا لا يتجزأ من أية ساحة معركة.

في السنوات الماضية، تتواجد جيوش العالم في مراحل مختلفة من خطط التقليصات؛ ففي المنظومة الأمنية الإسرائيلية يدور صراع على كلّ شيقل، أمّا في الولايات المتحدة الأمريكية فيجري التخطيط لتقليص عدد الجنود إلى 450 ألفًا، فيما تركّز دول أوروبا على جيش ذكيّ، صغير، واقتصاديّ.

ربّما نعتقد أنّ العالم يخطو نحو حدَث يوتوبي، لكنّ كلّ عاقل يُدرك أنّ العالم لا يزال مكانًا خطرًا. فالحرب العالميّة على الإرهاب في أوجها، وإلى جانبها عدد من الصراعات الإقليمية: جنوب السودان متصدّع، الحرب الأهلية دائرة في سوريا والعراق، ومؤخرًا انضمّ تهديد أوروبي جديد حول مكانة أوكرانيا ومكانة شبه جزيرة القِرم. إلى كلّ هذه الأمور، من الواجب إضافة حرب ليست أقل صخبًا على التنظيمات الإجرامية واتّحادات المخدّرات في أمريكا الجنوبية، التي كثيرًا ما تنضمّ إليها تنظيمات إرهابية عالمية.

|277951*مقاتلو المال في ساحة المعركة الليبية (AFP)|

ومَن يدخل بزخم كبير إلى قلب هذه الصراعات هم "مقاتِلو المال"، جيوش خاصّة أضحت لاعبًا هامًّا ومصيريًّا لديه معدّات متطوّرة، وكذلك موازنات ضخمة تصل إلى مليارات الدولارات. لا شكّ أنّ هذا حلّ مريح لبعض دول العالم.

لكنّ المشكلة أنّه كثيرًا ما يكون الحديث عن عصابات غير منضبطة، لا تلتزم بمسلَّمات مثل "معاهدة جنيف" أو بحقوق الإنسان. حتّى المرتزَقة أنفسهم يواجهون مشكلة، فعملهم غير شرعيّ، وفي دول كثيرة يكون الموت عقاب جريمتهم. وحتّى معاهدة جنيف لا تحمي حقوقهم.

شهادات على القتال من الميدان - الحالة السورية

أعلن تنظيم القاعدة في سوريا، الذي اتّحد العام الماضي مع تنظيم "جبهة النصرة"، في تشرين الأول 2013 أنّه ضرب عنق محارِب روسيّ أجير. وفق بيان التنظيم، الذي نُشر في تويتر إلى جانب صورة عن جواز سفر باسم "Alexay Malluta"، فإنّ الأخير مقاتل أجير عمل في إطار شركة تُدعى "Moran Security"، بدأت عملها وفق ادّعائهم عام 2012، وتعمل في الواقع كغطاء للاستخبارات الروسيّة.

وفق تقرير المتمردين السوريّين، قُتل أليكسي إلى جانب مئة مقاتل من جيش الأسد، عناصر حزب الله، ومرتزَقة آخَرين في إطار المعارك على مدينة حمص. وفق أقوالهم، ثمّة تورّط كبير للاستخبارات الروسية، وكدليل على ذلك نشروا أيضًا مقطع فيديو وجدوه حول القتلى وبعض الوثائق. "يدعم بوتين نظام مجرم الحرب الأسد، ويتستّر على جرائمه"، ذكر التنظيم.

وفق عناصر أمنية في إسرائيل، "يدّعي الثوار في السنة الماضية أنّ روسيا أنشأت عدة شركات حماية مقاوِلة، تساعد عبرها النظام في دمشق. ثمة أدلة غير قليلة على تدخُّل روس، معظمهم خرّيجو وحدات خاصّة، في الحرب السورية، لكنهم لم ينجحوا في إثبات تدخّل النظام أو الاستخبارات الروسية بشكلٍ لا يرقى إليه الشكّ".

لكن، تضيف المصادر أنّه "حتمًا، يمكن أن تكون هذه طريقة عمل ينتهجها الكرملين. مَن يعرف التاريخ يُدرك أنّ هذا ملائم جدًّا لطبيعة الروس، أي تشغيل قوات غير رسمية، من الصعب ربطها بالهيئات الرسمية".

كيف بدأت الظاهرة؟

ينتشر المرتزَقة والجيوش الخاصّة كواحدة من أقدم المهَن في العالم. ولفهم مرتزَقة العصر الحديث، يجب العودة إلى إفريقيا في السبعينات والثمانينات، حيث ساعَدوا الحكومات على محاربة المتمرّدين. أحد أبرز الأشخاص في هذا المضمار هو مايك هوار، المعروف أكثر بلقبه "مايك المجنون".

لقد كان هذا الرجل ضابطًا بريطانيًّا إبّان الحرب العالمية الثانية، أصبح مع انتهائها محاسبًا. لم تلائمه المهنة المكتبيّة، فأنشأ جيشًا خاصًّا مكوَّنًا من مُرتزَقة.

|277952*جندي فرنسي (مرتزق) في زيمبابوي (AFP)|

كان مايك المجنون متورّطًا في جميع النزاعات التي دارت رحاها على أراضي القارّة السوداء تقريبًا، لكنه تصدّر العناوين عام 1978، حين حاربت حكومة سيشل قوّات الثوار.

أدركت السلطات أنّ الجيش الرسمي عاجز عن التغلّب على المتمردين، فاستأجرت خدمات مايك هوار. قام هوار بتجنيد 53 مقاتلًا أجيرًا من خريجي حرب فيتنام والحروب الأهلية المختلفة في إفريقيا، ونجح معهم من حسم المعركة ضدّ المتمردين وإحباط الانقلاب. رغم النجاح، اضطُرّ إلى تسديد ثمن مرتفع بسبب الحُكم عليه بالسجن عشر سنوات لاختطاف طائرة ركّاب استخدمها ورجاله للوصول إلى الدولة. حتّى اليوم، يُعتبَر مايك المجنون الأب المؤسس للجيوش الخاصّة.

صحيح أنّ القانون يحظر استخدام محاربين مرتزقة، لكنّ هذا لا يعني أنهم اضمحلّوا. فعبر كلمات مموّهة بسيطة، مثل "عمّال مقاول" أو "رجال أمن"، عادت الجيوش الخاصّة إلى إفريقيا، هذه المرّة لمحاربة القراصنة الذين يُلحقون أذًى كبيرًا بالاقتصاد العالميّ. أرسل العديد من الجيوش إلى منطقة القرن الإفريقي سفنًا حربية وقوّات، لكنّ معظم العمل يقوم به "رجال الأمن" التابعون للشركات الخاصّة.

|277949*محاربة ظاهرة القرصنة في الصومال (AFP)|

بدأت ضربة القراصنة، الذين يأتي معظمهم من الصومال، بإلحاق الأذى بطرق الإبحار في المنطقة في بداية التسعينات. مذّاك، تفاقمت الظاهرة، وأصبحت مصلحة القراصنة واضحة. فهم يُطلقون سراح السفن مقابل فدية تبلغ قيمتها عشرات ملايين الدولارات، يذهب معظمها إلى الزعماء. رغم ذلك، حتّى القرصان العاديّ حظي بحصة كبيرة قد تبلغ 150 ألف دولار، وهو مبلغ لا يمكن للصومالي العاديّ أن يجنيه طيلة حياته. أرسلت جيوش عديدة، كما ذُكر آنفًا، قوّات إلى المنطقة في إطار "فرقة العمل المشتركة في القرن الإفريقي" التي أقامتها الولايات المتحدة الأمريكية، لكنّ مَن تواجد على السفن نفسها كانوا رجال أمن حظَوا بأجر سنويّ وصل إلى 200 ألف دولار، وأكثر أحيانًا.

الجيش الخاصّ للولايات المتّحدة

في حزيران 2010، قرّر إريك برينس مفارقة مشروع حياته، وبيع Blackwater. قبل 18 عامًا، أنشأ ما نما ليصبح "الشركة الأمنية الخاصّة للولايات المتحدة"، إمبراطورية تتمتع بمداخيل عملاقة وموازنات حكومية هائلة. لكن في السنوات الماضية، اضطُرّ الأمير اليمينيّ المتطرّف إلى المعاناة من الرياح الليبرالية التي تهبّ في أمريكا، فقد رأى رئيسًا أسود يدخل البيت الأبيض، تلقّى لوائح اتهام ضدّ عماله حول قتل مواطنين، ففهم أنّ ثمة أمرًا يتغيّر. تواصل Blackwater العمل، لكنّ برينس، الرجل الذي جمع مئات ملايين الدولارات من المرتزقة والحروب، تقاعد.

|277953*وزارة الامن الداخلي الامريكية (AFP)|

كانت Blackwater مجرّد شركة لديها خسائر ماليّة، تدرّب مجرّد مئات من المقاتلين في منشأة على أراضي كارولينا الشماليّة. لكن حينذاك قُتل جنود أمريكيون قبالة ساحل اليمن، سقط برجا مركز التجارة، وانطلق الرئيس جورج بوش في حروب في الجانب الآخر من العالم.

كان بوش يحتاج إلى جانبه إريك برينس - وريث إمبراطورية صناعية، اختصاصيًّا سابقًا في البيت الأبيض في عهد جورج بوش الأب، مقرَّبًا من الواعظين الإنجيليين المتطرفين، ومالك جيش خاصّ مستعدّ للانطلاق إلى أية نقطة في العالم، وتنفيذ أية مهمّة قذرة.

لكن حتّى إدارة أوباما لا يسهل عليها حلّ رُبط العلاقة التي نُسجت بين Blackwater والإدارة الأمريكية. فالشركة تستمرّ في نيل دعم بمئات ملايين الدولارات كلّ عام، تدريب 30 ألف شخص في السنة، تشغيل 1700 مقاتل كلّ لحظة، والاحتفاظ باحتياطيّ من 40 ألفًا آخرين يودّون الانضمام إلى آلة الحرب هذه. أنهت الشركة عام 2009 بدخل يُقدَّر بـ 660 مليون دولار، وفق تقديرات "Fortune Magazine‏"، أمّا عام 2010 فقُدّر الدخل بمليار دولار.

من المدهش الاكتشاف أنّ بيل كلينتون أيضًا مسؤول عن زيادة عدد الشركات الأمنية الخاصّة. ففي التسعينات، إبّان عهد بوش الأب، وخاصّةً في عهد كلينتون، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تطمح إلى الاقتصاد في نفقات الأمن. كانت الاستعانة بمصادر خارجية الحلّ المنطقيّ، فبدأت إدارة كلينتون تستخدم جيوشًا خاصّة من أجل القيام بمهامّ متنوّعة. شُغّلت شركات الحماية الخاصّة ضدّ ميليشيات تجّار المخدّرات في كولومبيا، درّبت الجيش الكرواتي، و DFI International تقاتل في عدّة دول في إفريقيا.

في إسرائيل أيضًا

لا ريبَ أنّ الولايات المتحدة تتصدّر في هذا الشأن، لكنها ليست الدولة الوحيدة التي تعمل فيها جيوش خاصّة أو "شركات تعهّد". فيمكن العثور على هذه في جميع أرجاء العالم، إذ حتّى الدول الأوروبية تستخدم الجيوش الخاصّة من أجل أهدافٍ شتّى. في قائمة الشركات البارزة، يمكن العثور على "‏Armor group‏" البريطانيّة التي تحمي بين أمورٍ أخرى منشآت للأمم المتّحدة، "‏Blackwater Securtiy‏" التي تعمل في إفريقيا والدول العربية، بما فيها العراق، وحتى على مندوب لكندا يُدعى "‏Black Bear Security‏"، وكذلك على - ‏International Port Services‏ الأستراليّة.

في إسرائيل أيضًا، جرت خصخصة عددٍ غير قليل من المهامّ التي كانت تقوم بها في الماضي القوى الأمنية. فثمة عدد غير قليل من الشركات الإسرائيلية التي تجني كمية هائلة من المال، تشابه إلى حدّ كبير ما ندعوه جيشًا خاصًّا. يبدأ ذلك بشركات الأمن الخاصّة، التي تشمل مسؤوليتها حماية طرق النقل الجويّ، البحري، وحتى البري. تقوم شركات خاصّة بحماية عدد غير قليل من المنشآت الحسّاسة، حتّى إنّ (الشاباك) يرشد "شركات متعهّدة" تقوم بحماية أشخاص سياسيين أو ذوي أعمال هامّة خارج البلاد.

يمكن أن تُضاف إلى جميع هؤلاء الشركات ورجال الأمن الإسرائيليون الذين يزوّدون الحماية والاستشارة في دول مختلفة، لا سيّما في إفريقيا وأمريكا الجنوبية، ولكن أيضًا في آسيا ودول الاتّحاد السوفياتي السابق.

يمكن العثور على شركات الأمن الخاصّة أيضًا في منشآت الجيش الإسرائيلي، أو مثلًا في الحواجز والمعابر الحدودية في المناطق الفلسطينية، مهمّة كان يقوم بها الجيش حتّى قبل سنواتٍ قليلة.

كما يبدو، ليست الجيوش الخاصّة أمرًا عابرًا. فهي قوّة، فيها مقاتلون نالوا تأهيلهم في خيرة وحدات النخبة في جيوش العالم. ولديهم قدرات إدارة احترافيّة ومذهلة، لكن يجب القول إنّ هذه ذبابة في الحساء، فهم موجودون من أجل المال، والمال فقط. فليس لديهم أيّ التزام أخلاقيّ بالهدف، كما يجب القول في نهاية المطاف إنّ المديرين أيضًا هم ضبّاط سابقون مرتبطون بالأشخاص المُناسبين.

"المصدر"