الأحد: 12/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

كلمة أحمد قريع خلال الندوة الاعلامية حول القدس

نشر بتاريخ: 31/05/2014 ( آخر تحديث: 01/06/2014 الساعة: 11:03 )
القدس - معا - فيما يلي كلمة رئيس دائرة شؤون القدس احمد قريع خلال الندوة الاعلامية حول القدس:


بسم الله الرحمن الرحيم
الاخوات والاخوة
السلام عليكم ورحمة الله
يسرني بداية أن أرحب بكم, وأن انقل لكم تحيات الأخ الرئيس أبو مازن وتمنياته لندوتكم هذه بالنجاح في إعلاء مكانة المدينة المقدسة في الإعلام الوطني والعربي, واشد على اياديكم مثمناً حضوركم هذه الندوة المتميزة، سواء بالمشاركة فيها، اوبالاوراق القيّمة المقدمة من جانب باحثين مرموقين في حقل السياسة والاعلام، آملاً ان تشكل فعاليتنا هذه إضافة نوعية هامة وضرورية لسلسلة الندوات المتخصصة التي عقدتها دائرة شؤون القدس حول سائر الموضوعات التي تشغل بال المقدسيين وبالنا، في هذه المرحلة الدقيقة من حياة القدس وحياة الشعب الفلسطيني.

واذ يسعدني افتتاح هذه الندوة التي تم الاعداد لها جيداً، فلا يفوتني أن أنوه بداية بالاوراق والابحاث المقدمة، وبكل ما انطوت عليه من جهود فكرية رصينة ومن تجارب سياسية ونضالية واعلامية مرموقة، احسب انها ستشكّل اضافة نوعية، لما نحن بصدده في هذه السابقة غير المسبوقة، الخاصة بمكانة القدس في الاعلام الوطني بما في ذلك الاعلام الفلسطيني، وهي مكانة متواضعة مع الاسف، الامر الذي يدعونا بحق الى ايلاء مدينتنا الخالدة كل ما تستحقه من اهتمام جدي في المدى المنظور في كافة المجالات وخاصة في المجالات الاعلامية لأهميتها.

ولا يفوتني التنويه، بكل التقدير للأوراق المعروضة على هذه الندوة, التي تتناول تاريخ الصحافة الفلسطينية, والمطالبة بتوحيد وتكامل العمل الاعلامي من أجل القدس, وبحث حول الاعلام الاسرائيلي ودوره في التركيز على موضوع القدس, والقدس العاصمة الاعلامية التي كانت, وأهمية البحث المقدم حول دليل المصطلحات الخاطئة في الاعلام, وغيرها من الموضوعات الهامة المعروضة على هذه الندوة, ومع أهمية الأوراق المعروضة فإن قضية الاعلام بكافة فروعه وأشكاله المقروءة والمسموعة والمرئية والالكترونية يحتاج الى جهد ومشاركة وتنسيق وتفعيل وتركيز وتوسيع لتغطية ما يجري من انتهاكات ومخططات وعرض علمي وموضوعات لمكانة القدس وتاريخها وأهميتها, وشحذ الهمم وتوحيد الصفوف والجهود من أجلها.

الاخوات والاخوة.
قد لا اضيف الكثير الى كل هذه الاوراق التي بين ايديكم، لذلك دعوني ان اشير فقط الى ان القدس التي لم تغب عن الذاكرة الفلسطينية، وظلت حاضرة في وجدان هذا الشعب المناضل طوال الوقت، تحتاج منا في هذه الآونة العصيبة، الى بذل جهود اضافية في سائر المجالات وعلى كل الصعد، بما في ذلك الصعيد الاعلامي، الذي نرجو ان تكون هذه الندوة علامة فارقة في اطار الاهتمام الفلسطيني التقليدي بمدينة القدس، وبداية لائقة يمكن المراكمة عليها لجعل مدينتنا العربية الاسلامية هذه، في قلب الاهتمامات الوطنية الفلسطينية, وفي مركز الاهتمامات العربية والاسلامية والدولية كذلك.

والحق، ورغم كل ما ترمز اليه القدس في حياتنا الوطنية من مركزية، وكل ما تحوز عليه من قداسة، فقد كانت التغطية الاعلامية لشؤون القدس وقضاياها الفرعية العديدة، اقل بكثير مما تستحقه عاصمة الروح وعاصمة دولتنا المستقبلية، وهو الامر الذي كان بمثابة الحافز الرئيسي لنا، لعقد هذه الندوة المتخصصة، واعادة تركيز الضوء برؤية موحدة وعمل إعلامي منسق لهذه المدينة العظيمة، لعلنا نتمكن من استدراك الوضع قبل فوات الأوان، ونرتقي بجهودنا الاعلامية الى المستوى الذي تستحقه القدس بكل تأكيد.

في واقع الامر، لقد خف الإهتمام الإعلامي بالمدينة المقدسة، ولم تعد تحظى بالأولوية الإعلامية والإخبارية والثقافية في الاعلام العربي ككل، والفلسطيني خاصة. وصارت وسائل الإعلام تتناول احداث القدس بشكل روتيني وخبريا, كما قلت الدراسات الوثائقية والتحقيقات الصحفية حول المدينة المقدسة. وحتى المؤسسات المقدسية العاملة في المدينة منذ ما قبل اوسلو عانت, وتعاني من الاغلاق ومن السياسات والممارسات الاسرائيلية ومن التجاهل الداخلي، وتلاشى بعضها وهاجر البعض الآخر منها خارج المدينة المقدسة.

واليوم دعونا نرى ما الذي يفعله الاحتلال في المقابل؟ فهناك ثمة أجندة رسمية اسرائيلية تركز على القدس، استيطانا وثقافة وفنا وتاريخا وديموغرافيا وجغرافيا، وهناك جهات اخرى كبلدية الاحتلال وغيرها, ومن المؤسسات الحكومية ومن الجمعيات الصهيونية اليهودية والامريكية اليهودية التي تستضيف شخصيات دولية سنويا، من رسامين وكتاب وأدباء ومؤرخين وعلماء اثار وغيرهم، حيث يمنح هؤلاءالتسهيلات المادية والمعنوية ليكتبوا ويرسموا ويؤرخوا عن القدس، فهم الآن يصدرون نحو 150 مطبوعة سنويا عن المدينة من وجهة نظر يهودية صهيونية بحتة، لتزوير الحقائق التاريخية وطمسها فما الذي فعلناه في المقابل؟ هل ثمة تلفزيون فلسطيني ملتزم بالقدس وخاص بها؟ هل هناك مكاتب صحفية وإعلامية ذات اعمال منسقة؟ هل هناك مراكز ابحاث ودراسات وتخطيط مجهزة للقدس وعنها؟ هل هناك تنسيق جدي بين الاعلاميين من الصحفيين والكتاب والمصورين لتنسيق الخطط والبرامج الاعلامية حول القدس وانتهاكات الاحتلال اليومية في القدس؟ وهل...؟ وهل ...؟

دعونا لا نغرق في التساؤلات، ولكن اسمحوا لي ان اعود الى الماضي البعيد لنأخذ منه عبرة، ففي التاريخ إبان إحتلال القدس من قبل الفرنجة كان نور الدين زنكي يستعد عسكريا وثقافيا وفكريا لتحرير المدينة المقدسة، وكان يتحين الفرص ريثما يوحد المدن والإمارات في بلاد الشام، وكان ذلك القائدالمؤمن يجمع خطباء المساجد والأئمة والشعراء والادباء كل سنة من كل المدن التي يمكنه دعوتها، ويطلب من الشعراء ان يكتبوا شعرا عن بيت المقدس، ومن الخطباء والأئمة ان يركزوا على بيت المقدس، وأهميته الدينية، بمعنى اخر كان يقوم بحملة اعلامية واسعة مستخدما وسائل الإعلام المتاحة، وهي الشعر والخطابة والمنابر.

الآن لم يعد اعتقال مئات الاطفال والصبية ومصادرة الاراضي وهدم عشرات المنازل وبناء الكنس في البلدة القديمة من القدس، يتصدر نشرات الأخبار، ولم تعد اقتحامات المسجد الاقصى، ولا حتى مشروع تقسيم المسجد الاقصى، مكانا وزمانا، يحظى بالتغطية التي يستحقها.

القدس تحتاج اعلاماً مقيماً لا متنقلا، تريد إعلاماً يقترب من معاناتها اليومية، ويسجل انفاسها وهي تئن يومياً تحت ممارسات الاحتلال, القدس ليست بحاجة الى أي اعلام او حتى اعلام خبري، بل توثيقي تسجيلي، يواكبه دعم مادي لصمود اهلنا، فلا حاجة لإعلام لتسجيل خيباتنا بل لشحذ هممنا وصمودنا فيها، نحتاج دعماً سخياً للقدس، وتنسيقاً جاداً من أجل القدس، وعملاً دؤوباَ لتسليط الضوء كل يوم وكل ساعة على القدس, يصور صمود أهلها ويعلن بصوت شجاع قصور الأمة تجاهها.

لقد بات ضروريا ايجاد مرجعية واحدة ومحددة تتولى رعاية القدس وحمايتها،تنسق مع جهات عدة تتولى التغطية الاعلامية اليومية في كل المجالات، وذلك حتى يثق المواطن المقدسي ان معاناته ستصل الى من يهمهم الامر، وحتى يدرك المواطن العربي ان هناك في القدس اناسا ما زالوا على العهد باقين في ارض الرباط في بيت المقدس واكناف بيت المقدس صامدين.

وفي هذا المجال فإنه لا بد من التنويه الى ما تتمتع به (وكالة وفا) من مصداقية، وما ميّز تاريخها الطويل من مثابرة وحيوية، نطلب اليها في هذا الوقت مضاعفة جهودها في مواكبة قضية القدس، وفي الارتقاء بادائنا الاعلامي الخاص بمدينتنا الخالدة، الى المستوى المتساوق مع تطورات العملية الاعلامية في الوقت الراهن، وفي تقديم الخدمة التي نتطلع اليها جميعاً، ونحن نحاول وضع حاضر القدس ومستقبلها في قلب مركز الاهتمامات العربية والاسلامية والدولية.

ولا يفوتني التذكير، في نهاية هذه الكلمة الافتتاحية الموجزة، اننا نعيش اليوم في خضم ثورة الاعلام والاتصال الرقمي، او ما يسمى بثورة الصورة التي هي ابلغ من كل مادة وصفية مكتوبة، وهو ما يوفر لنا امكانيات لا حدود لها، من اجل خوض معركة القدس على الصعيد الاعلامي بوسائل وتقنيات حديثة، باتت في متناول ما صار يعرف باسم المواطن الصحفي، على نحو ايسر وافعل واسرع من ذي قبل، الامر الذي يمكن معه الارتقاء بسوية هذه المعركة، واعادة بناء صورة القدس على النحو الذي تستحقه.

إننا نتطلع لنرى توظيف وسائل الاتصال الالكترونية الحديثة، لتعزيز حضور القدس في الذاكرة العربية والاسلامية، بل وفي مختلف انحاء العالم.
وفي النهاية، اشكركم واكرر تمنياتي لجهودكم المباركة بالتوفيق، ولندوتناهذه بالنجاح ان شاء الله. كما أتوجه باسمكم جميعاً وباسم القدس إلى الإعلاميين العرب والمسلمين أن لا تشغلهم الأخبار اليومية المؤلمة التي تجري في بعض الأقطار العربية عن القدس وما تواجهه من مخططات التهويد والأسرلة التي تواجهها المدينة المقدسة في كافة المجالات الديمغرافية والجغرافية والثقافية والحضارية والتاريخية.

أعبر عن اعتزازي بكم وبمشاركتكم, ورغبتي واستعدادي للعمل والتنسيق معكم في كافة المجالات الاعلامية, من أجل القدس ومن أجل حمايتها وتحريرها إنشاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته