الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

أمسية شعرية لمحمد دقة

نشر بتاريخ: 14/04/2015 ( آخر تحديث: 14/04/2015 الساعة: 14:32 )
أمسية شعرية لمحمد دقة

رام الله - معا - نظم متحف محمود درويش أمسية شعرية لاطلاق وتوقيع ديوان "ليست رؤيا" للشاعر محمد دقة والصادر عن الدار الأهلية للنشر والتوزيع، وقام بتقديمه الشاعر عرفات الديك.

وفي تقديمه استهل الشاعر الديك كلمته باسم الديوان "ليست رؤيا" مضيفاً " بهاتينِ الكلمتينِ اختار محمدٌ أن يُعنون مرحلةً كاملةً من حياته قضاها نبشاً ونحتاً وتشكيلاً وتهديماً وغناءً ورقصاً في الفراغْ، لكن لا تنخدعوا، فما نفى إلا ما أرادَ أن يقولْ، جلبَ النفيَ إليه تواضعُ الشاعرِ، وانحيازُه للسؤالِ والتشكيكْ." ومن خلال كلمته قام الديك بربط العنوان بالمضمون بقوله:


"الشاعر عدوُّه اليقينْ؛ إن انتظمت أفكارُهُ وتناسقَت أكثرَ ممّا يحتملُ الشعرْ، راحَ يرمي حجرَ السؤالِ ليعيد تشكيلَ القطيعْ، أو يَهُشُّ بعصاهُ الزمنْ، ينْهَرُهُ خطوةً أو خطوتين ليَحِلَّ محَلَّهْ، فيتَحركَ على هواهُ، حتى تختلطَ حبالُ الذاكرةِ ونبالُ المستقبلْ.


  هي رؤيا مُحمَّدٍ إذن، سأظل أقرَأُها كذلك ولو كانت على غلافِ كتابِه غيرَ ذلك.


 بين دفَّتَي هذه الرؤيا، عوالمُ شعريةٌ كثيرةٌ، فمرةً يغرقُ في ذاته حتى تفيضَ على الدنيا، ومرّة تَجِدُه يتفتلُ بكاميرا مُخرجٍ هاوٍ في الأزقة والمقاهي، يرصدُ صورةَ النادل والعجوزِ والبناتِ العائداتِ من المدارس، ومرةً أخرى يحاولُ أن يجيبَ على سؤالٍ افتراضِيٍّ شائكٍ: كيف نؤرخ الحربَ شعرًا، وهل نؤرِّخُها فعلاً أم نخوضُ حربَنا معها ؟! لاسيّما أن شاعرنا خبِرَ الحرب وأصيبَ فيها إبانَ اجتياح الجيش الإسرائيلي لمدينة جنين، فهو إذن لا يصطاد من مِخيالِ الشعرِ قدرَ ما يحاولُ بأصابعِه أن يسُدَّ ثقوبَ الجسدْ.

وفي مرّاتٍ كثيرةٍ تجِدُه غاضبًا حاقدًا يحمل الذاكرةَ بين يديه ثم يرميها على صخرةِ اللحظةِ حتى تتهشم، يتنفس قليلاً، يتذكرُ، ثم يهبطُ كي يُلمْلِمَ فُتاتَها بأصابعِه حتى تَدْمي، ويعيدَ تشكيلها حتى يهدأً قليلا؛ فيقول: كلُّ ما في حوزتي صورُ، قلبُ المكانِ وصمتُه وصفاتُه وحياتُه صورُ، صورٌ تقبّل بعضَها، صورٌ تُجرّب حظَّها، وتعوفُها صورْ.


ثَمّةَ عوالمُ شعريةٌ كثيرةٌ هنا، لكن، من قال إِنَّ الشعرَّ ينتمي لعالَمٍ ما؛ فاته أن يتذكرَ أنَّ الشعرَ عالمٌ بحد ذاتِه.

أقرأُ هنا لمحمدٍ: الجبلُ أصمٌّ، أعمى، أغبى من أن يسبحَ أو تأخُذَه السبلُ، قلبي جبلٌ. أقرأ أيضا: قلبي يدايَ... وصورتي قيثارةٌ خرساءُ، صوتي كائناتٌ راجفةْ.
أقرأُ أيضًا : أَشحذُ قلبي ، يهترئُ المِبرَدْ ،أكتُمُ سرّي ، يغرقُ قلبي في جوفِ السرّ ، ويحرَدْ .


أقرأُه وفي البال تَطِنّ نحلةُ الفكرةْ،" إنَّ اللغة كيانٌ جَمْعيٌّ، لكنهُ شبيهٌ بكيانٍ ميّتْ ، ما يبعث الروحَ فيه؛ هو الكلامْ...لأن الكلامَ هو الإنسانُ الحقيقيُّ ، هو آخرُ صورةٍ للعالم قبل أن يلُوذَ بالبياضِ، فيصمُت ".


 شاعرنا قليل الكلامِ في الواقع، كثيفُه في الشعر، لا يتوانى عن تذكيرنا في كل لحظةٍ أن له قلبٌ سَكوتْ، وذلك يعني أنه محمولٌ على الشعور الخفيّ بأنّ ما فيهِ أكثرُ مما يشِفُّ عنه أو يرشَحُ منه، فهو إذن لم يُفصِح بعدُ عن الكثير، وهذا فيهِ وعدٌ كبيرٌ بالشعرِ الذي ربما سيتغيرُ شكلُه أو مفرداتُه.


هل تأخّر محمدٌ في إصدار هذه المجموعة؟ ربما .. ستقولُ زوجتُه الشاعرةُ الجميلةُ (هلا) بالتأكيدِ تأخّرْ، كان عليه أن يكونَ أقلَّ تردُّداً وشكّاً، سيقول الأصدقاءُ له كلامًا يشبه العتابَ في لحظةِ التهنئةْ، لمَ تأخرتَ علينا وتركتَ للآخرينَ مِساحَةً للظهورِ وهم أقلُّ منك شعرًا، سيُطرِقُ محمدْ، سيهُزُّ رأسَه كأنه مُوافِقُهم، وفي القلبِ حِكمَتُه الرّاسخةْ .. إنه الشعرُ يا قومُ لا يؤخذُ على عجَلٍ.


 محمد دقه من بلدةِ عرابة في جنين،
لم تتسنَّ لي فرصةُ رؤيةِ محمدٍ يقرأُ الشعرَ في أمسيةٍ من قبل، منذ يومينِ أخبرني أنَّ أمَّه ستكون حاضرةً هنا ..محمدْ.. قبِّل قلبَ أمّكَ بالشّعرْ .. وكبّلنا جميعاً بحبالِكَ الصوتيةْ، فنحن لَكْ" .


من جانبه عبر دقة عن سعادته بإنجاز مجموعته الشعرية الأولى ، متوجها بالشكر لكل من متحف محمود درويش والدار الأهلية للنشر والتوزيع، مستتبعا بقراءة عدد من نصوص مجموعته الشعرية "ليست رؤيا"، ومن أجواء المجموعة ( مساؤك حنطةٌ غنىّ لها الفقراء ... ضموا خبزَهم ... ناموا على حلمٍ لذيذ ... مساؤك روحُ صوفي تعمّد بالنبيذ ).