الأحد: 22/06/2025 بتوقيت القدس الشريف

انثى وذكر... في ملعب واحد كتب منتصر حمدان

نشر بتاريخ: 11/09/2007 ( آخر تحديث: 11/09/2007 الساعة: 16:51 )
بيت لحم - معا - كانت اللعبة تسير برتابة دون اية مشاحنات والسبب في ذلك يعود الى تفوق فريق الذكور على فريق الاناث في الشوط الاول بنتجية( 4 - 1 )، في لعبة كرة القدم التي تعتبر الاولى من نوعها والتي جمعت فريق صحيفة الحياة الجديدة لكرة القدم وفريق انسات سرية رام الله، ولكن وقبل نهاية الشوط الثاني كانت النتيجة مغايرة تماما حيث تفوق فريق الانسات على الذكور بفارق هدف( 6- 5)، الامر الذي جعل المباراة تشتد وتزداد فيه الخشونة من قبل بعض اللاعبين الذكور واصرارهم على تعديل النتيجة واتضح ذلك من الاصرار الجنوبي لاحدهم على احراز هدف التعادل حتى ولو بالقوة وكان له ما اراد.
تلك المباراة الفريدة من نوعها بين فريق للذكور وآخر للاناث، لم تكن مجرد لعبة كرة قدم ظلت حكرا على الذكور طيلة قرون من الزمن فقط، وانما بمثابة معمل تطبيقي للطريقة التي يتصرف بها الذكور في المجتمع الشرقي حينما تتفوق المرأة على الرجل والكيفية التي تدفعهم لاستخدام كافة الوسائل الدفاعية والهجمومية لتقليص حجم ذلك التفوق ورفض التعامل معه حتى وان كان حقيقيا.
في التفاصيل غير المرئية من اللعبة، كان اعضاء فريق الذكور يتحدثون عن كيفية مقابلة العاملين في الصحيفة عندما يعودون من هزيمة متوقعة من فريق الاناث ويقولون في قرارة انفسهم تارة ويعلنون ذلك تارة اخرى كيف سنواجة الزملاء في الصحيفة ونخبرهم بالهزيمة اذا ما وقعت، وفي الميدان حرص فريق الذكور منذ بداية المباراة على مضاعفة الفارق في الاهداف بينهم وبين فريق الانسات لتجنب الهزيمة وبما يجعلهم يسيطرون على دفة قيادة الامور كما يحب ان يفعل غالبية الذكور مع الاناث دائما، ولكن في الشوط الثاني كانت الامور مغايرة تماما فقد اظهر فريق الانسات تفوقا ملحوظا على فريق الذكور سواء في القدرة على اصابة الهدف او في مستوى اللياقة البدنية حيث تحقق التفوق المحلوظ لفريق الانسات الامر الذي استثار بعض اعضاء فريق الذكور الذين ظهر عليهم الانزعاج والغضب على هذا التفوق المرفوض من وجهة نظرهم ودفعهم لاستنفار كل طاقاتهم من اجل تقليص ذلك التفوق من خلال ممارسة الخشونة المفرطة تارة والشغب تارة اخرى، وظهرت احدى التعبيرات التي تعكس مستوى الثقافة السائدة في المجتمع تجاه تفوق المرأة على الرجل في شتى الميادين حيث قال احدهم معاتبا زميله خلال اللعبة "هل جئتم بنا الى هنا كي نتبهدل ؟"، وانتقل ذلك اللاعب الذكر من التصريح الشفوي للفعل من خلال مضاعفة جهده لاحراز هدف التعادل في الدقائق الاخيرة من المباراة وسط فرحة غامرة ارتسمت على وجهه حينما حقق ذلك وكانه استعاد هبية مس بها فريق الانسات.
ومن وجهة نطري لا يمكن فصل ما جرى في تلك المباراة عما يجري في المجتمع وفي الحياة العامة مع الاناث المتفوقات او مع الاناث الباحثات عن التفوق الذي هو حق للرجل والمرأة على حد السواء، ولكن ما يحدث في تفاصيل ودهاليز المجتمع يكشف بوضوح وجود ثقافة سائدة في المجتمع رافضة لتفوق المرأة وتسعى جاهدة لمحاصرة تفوقها اذا ما تم ؟!،وليس ذلك فحسب وانما تعمل على قولبة دور المرأة وحصره في مهام حددتها معامل النظم الاجتماعية القائمة والمستمدة من الثقافة السائدة، وترفض حتى الاعتراف الحقيقي بذلك التفوق، وتذهب الى الهروب لممارسة الاعتراف المخادع به تمهيدا لاعادة السيطرة عليه وخفضه للمستوى الذي يقبله الرجل.
ويكفي البدء بجولة ميدانية لزيارة المؤسسات العامة او الخاصة او حتى الشركات والاستماع لمعاناة النساء حينما يحققن التفوق في عملهن وكيف تجري مقابلته من الرجال، واعتقد جازما ان ذلك يحدث في منازلنا وخاصة عندما تتفوق الزوجة على الزوج وكيف يعمل جاهدا لتقزيم ذلك التفوق قدر المستطاع حتى يكون تفوقا مشروعا )من وجهة نظره) تحت السيطرة الذكورية.
وما ينطبق على الافراد في المجتمع يبدو انه ينطبق على المؤسسات، فهناك الكثير من المؤسسات او التجمعات الداعمة لقضايا المراة وتناصرها تتعرض لمحاولات التقزيم استنادا لذات المنطق الذي يسعى جاهدا لتقزيم تفوق المرأة في المجتمع، والامر كذلك ارى ان ينطبق على القيادات السياسية والفصائل والاحزاب حتى الداعمة لحقوق المرأة، لنصل استناج مفاده ان البيئة الاجتماعية والثقافة السائدة بكل مكوناتها هي التي تقف وراء تكريس تلك الممارسات غير العادلة وغير المنصفة للنماذج التي تبدع فيه المرأة، ما يضاعف من الحاحية الاجتهاد والضغط باتجاه التغير الواعي للقيم والمفاهيم والثقافة السائدة باتجاه احلال مفاهيم وقيم جديدة تنطلق بالاساس من انسانية الفرد وانهاء فوارق النوع الاجتماعي لصالح اعطاء كل مجتهد ومتفوق حقه بعيدا عن اطار المرجعي المتكلس بالمواقف والاحكام المسبقة التي تقييد قدرتنا على التفكير والسعي للتغيير باتجاه مستقبل أفضل تسوده العدالة والمساواة.