الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

أمريكا الجائعة: البطاقات التموينية والمجاعة في الولايات المتحدة الأمريكية

نشر بتاريخ: 16/09/2005 ( آخر تحديث: 16/09/2005 الساعة: 20:44 )
معا - منذ عهد قريب افترض معظم الأمريكيين أن المجاعة وسوء التغذية من النقمات التي تحل بدول آسيا والأماكن النائية الأخرى وحسب، فليس من المعقول أن تكون أغلى دولة في العالم من الدول التي تتضور جوعا وهى الدولة التي تتمتع بانتاج زراعي عال بل وفائض فی الإنتاج عن الحاجة بصورة مزعجة.
وقد صدر كتاب بهذا الصدد عام 1969 بعنوان "دعهم يأكلون الوعود -سياسة التجويع في أمريكا" تأليف السيناتور ماكجوفيرن McGovern و نيك كوتز Nick Kotz.

الجوع في واشنطن العاصمة
احتفلت الولايات المتحدة الأمريكية باليوم القومي للتوعية بمشكلة الجوع فی السابع من يونيو حزيران هذا العام وهو اساس الحركة التي تهدف للتوعية من مشكلة الجوع في أمريكا. ويهدد الجوع كل سنة 35 مليون مواطن أمريكي منهم 13 مليون طفل، في الولايات المتحدة التي تعتبر أغنى دول العالم وأكثرها تقدما.
واعتبر البعض مشكلة الجوع والخوف من نقص الطعام أحد أزمات أمريكا الخفية الدولة التي تعتلي قمة قائمة الدول المنتجة للغذاء في العالم، فطبقا للبيانات الفيدرالية الحديثة يعتبر الجوع وعدم الإحساس بالأمان فيما يتعلق بالغذاء ظاهرتين تنتشران بين الأسر التي تعاني من دخل منخفض وبشكل خاص تلك التي تعيش تحت خط الفقر. وتعتبر الأسر الأمريكية ذات الأصول الأفريقية أو الأسبانية أكثر الأسر تعرضا لمشاكل نقص الغذاء وذلك بما يعادل ثلاثة أضعاف ما يمكن أن تعانيه الأسر الأمريكية ذات الأصول الأوروبية.
ويبقى برنامج البطاقات الغذائية أكثر شيوعا، على الرغم من الجدل الذي اثاره مؤخرا في ظل البرامج الغذائية الفيدرالية التي تحاول مساعدة الشرائح الفقيرة في المجتمع الأمريكي على شراء وجبات غذائية تسد رمقها. وكما ذكرت دراسة حديثة أصدرها معهد بروكنز Brookings Institute مؤخرا وتحمل عنوان "ترك النقود والغذاء على الطاولة" ، هناك المليارات من الدولارات من مزايا برامج البطاقات الغذائية لم ينتفع بها أحد ، هذا بخلاف الأسر المحتاجة التي لم تشترك أصلا في البرنامج.
وتدعو الدراسة القيادات المحلية لابتكار أساليب أفضل لارشاد الأفراد المستحقين للاشتراك في برنامج البطاقات الغذائية وتوعيهم.

برامج البطاقات الغذائية وعدم الامان الاقتصادي في أمريكا
تم ابتكار نظام البطاقات الغذائية عام 1939 وذلك كوسيلة لمساعدة للأسر المعوزة أثناء فترة التدهور الاقتصادي Depression era وتعتبر وزارة الزراعة الأمريكية هذه البرامج اساس البرامج الفيدرالية للمساعدات الغذائية.
ويوفر نظام البطاقات الغذائية كوبونات غذاء شهرية للأسر ذات الدخل المنخفض التي تستحق المساعدة وتصلح هذه الكوبونات لشراء ما يعرف بالاغذية الاساسية لبناء الجسم مثل الخبز وحبوب القمح والشعير والخضراوات وكذلك اللحوم.
وحلت في الوقت الحالي الأنظمة الالكترونية التي يطلق عليها اسمElectronic Benefit Transfer للحصول على هذه المزايا محل الكوبونات الورقية.
وبدأ مشروع البطاقات الغذائية عام 1961 ، وأصبح قائما بصفة مستمرة بعد مرور ثلاث سنوات.
وشهد البرنامج نموا ملحوظا في منتصف السبعينات نتيجة لقرار الكونغرس عام 1974 بضرورة أن توفر كل ولاية البطاقات الغذائية للأسر ذات الخل المنخفض.
وفي عام 1994 قدر عدد المنتفعين بهذا البرنامج ب28 مليون شخص وانخفض هذا العدد إلى 17 مليون شخص عام 2000. وتزداد نسبة المشاركة في البرنامج في أوقات الأزمات الاقتصادية، ففي عام 2004 استفاد حوالي 24 مليون فرد بمزايا البطاقات الغذائية، بتكلفة سنوية قدرت بـ 27.2 مليار دولار.
يقول مات فيلوز Matt Fellowes أحد مؤلفي كتاب "اترك النقود والغذاء على الطاولة" وأحد اكبر الباحثين المساعدين في معهد بروكنز "إن هذا البرنامج يعتبر مناسبا بشكل فريد" .
ويضيف فيلوز في مقابلة مع تقرير واشنطن أن الإصلاحات الاقتصادية التي حدثت عام 1996 مكنت الفرد من ان ينتقل من مرحلة المساعدات المعيشية الى مرحلة الحصول على وظائف ذات أجر ، ومع ذلك فان هذا في نظر الكثير من الأمريكين يندرج تحت تصنيف الفئة العاملة الفقيرة .
وطبقا" لإحصائيات مركز المجاعة والفقر في جامعة براندس Brandeis ، يوجد نحو 35 مليون أمريكي يعيشون تحت خط الفقر مع استمرار عدد العمالة الفقيرة في الازدياد.
ويضيف دكتور فيلوز قائلا": "مع زيادة عدم الاستقرار المادي في أمريكا ، يزداد الطلب على برامج مكافحة الفقر مثل برنامج البطاقات الغذائية".
ومن البرامج الاخرى التي تعالج قضايا المجاعة وسوء التغذية في الولايات المتحدة برنامج وجبة الغذاء المدرسية القومي وبرنامج الافطار المدرسي وبرنامج خدمة توفير الغذاء صيفا وهو برنامج يوفر وجبات كاملة وخفيفة لاطفال المدارس الذين قد يعانون من الجوع نظرا لغلق المدارس اثناء العطلة الصيفية. وكذالك برنامج الأغذية للنساء والرضع والاطفال والذي يعرف باسم WIC- Women infant children وهو برنامج متكامل يوفر الاطعمة الاساسية والوعي الغذائي والرعاية الصحية للامهات الحوامل والامهات الحديثة ذوات الدخول المنخفضة وأطفالهن الرضع والأطفال المعرضين لمخاطر سوء التغذية.
وهناك ايضا برنامج الرعاية الغذائية للكبار والأطفال، وهو برنامج يسعى إلى الحصول على معونات مادية فيدرالية لتوفير وجبات وأطعمة خفيفة تقدم في مراكز رعاية الاطفال ودور رعاية الاسر والبرامج الخاصة باخطار ما بعد المدرسة وكذلك ملاجئ المشردين والهاربين من العنف المنزلي.
بالإضافة لبرامج المساعدات الغذائية العاجلة وبرامج تغذية المجتمع التي تعتبر المصدر الاساسي لتوفير المعونات المادية الفيدرالية لمكافحة الجوع وسوء التغذية.

وصمة عار برامج البطاقات الغذائية
تشير الدراسات الحديثة الفيدرالية الى ان عام 1999 شهد مشاركة نصف عدد الإفراد الذين يستحقون برامج البطاقات الغذائية.
وخلال عامي 1999- 2002 ازداد العدد ليصل الي 1.4 مليون شخص، ومع ذلك فان احصائيات وزارة الزراعة الامريكية USDA الأخيرة تشير إلي انخفاض معدل مشاركة المواطنين الأمريكيين منذ هذا التاريخ . ويشير دكتور فيلوز إلى أن عدم الاستفادة بالبطاقات الغذائية يؤدي الي اضرار وتكاليف اجتماعية جسيمة. ويضيف أن الضرر الأول هو فقدان الأسر المستحقة فرصة الاستفادة بالكوبونات الغذائية التي تصل قيمتها إلى 2400 دولار، والضرر الثاني هو أن المناطق التي تأوي اسر محتاجة ولا تتقدم بالطلب للحصول علي مزايا هذا البرنامج تضيع علي نفسها فرصة المكاسب الاقتصادية الناتجة عن زيادة الانفاق الاسري.
وهناك العديد من الأسباب التي تقف وراء ضعف إقبال الأسر المعوزة على المشاركة في البرنامج، أولها الإحساس بالخزي والعارعلي المستوى الاجتماعي من استخدام البطاقات الغذائية، وهو ما أزاله توفير هذه الخدمة الكترونيا. بالإضافة إلى تركيز الكثير من الولايات علي التقليل من الاخطاء التي تحدث عند توزيع البطاقات الغذائية بدلا من التركيز علي توصيل البطاقات ذاتها إلى الأسر التي تستحقها.
علاوة على ذلك تؤكد منظمة الحصاد الثاني الأمريكية American Second Harvest أن إجراءات الاشتراك في البرنامج الروتينية تعد عاملا أساسيا في إصابة المواطنين المستحقين لهذا البرنامج بالإحباط وعزوفهم عنه.
ويذكر تقرير قام بمتابعة مستندات التقديم لبرنامج البطاقات الغذائية لكل ولاية، وأصدرته المنظمة مؤخرا تحت عنوان "التفرقة التي احدثها الروتين " أن عدد مستندات الاشتراك في البرنامج وصل إلى 12 صفحة عام2000 بينما لا تتعدى اوراق التقدم للحصول علي رخصة قيادة او التجنيد ورقتين اثنتين فقط.
ويعتبر اليوم القومي للتوعية ضد المجاعة يوم7يونيو حزيران دليلا علي تفشي الوعي بخصوص قضية الجوع في الولايات المتحدة . كما يعتبره بعض المحللين مؤشرا على قرب التوصل إلى حل لتلك المشكلة فكما تقول منظمة الحصاد الثاني الامريكية فان احد الأساليب القوية للقضاء علي الجوع في امريكا هو التعرف عليه اولا!
عن تقرير واشنطن - فالنتينا مارانو