الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

العشاء وسعادة الأطفال

نشر بتاريخ: 13/01/2016 ( آخر تحديث: 13/01/2016 الساعة: 19:45 )
العشاء وسعادة الأطفال
بيت لحم - معا - لا يمكن أن يشعر الآباء براحة البال وينعمون بحياتهم إلا إذا كان أطفالهم سعداء، ومن أجل تحقيق هذه المعادلة الصعبة ينصح الخبراء الأسر بضرورة إعادة النظر في أسلوب تربيتهم لأطفالهم، ووضع استراتيجيات جديدة تضمن لأبنائهم الرفاه والسعادة، وتطرد شبح التعاسة من حياتهم المشتركة.

وربط علماء النفس بين الطفولة غير السعيدة وبين ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض العضوية والنفسية والرضا عن الحياة في مراحل لاحقة من العمر. وأكدوا أن الضغوط النفسية في سن الطفولة من شأنها أن تجعل الأطفال أكثر عرضه للإصابة بالأمراض وتعيقهم عن النجاح وتحقيق أهدافهم، فيما يكون الأمر مختلفا بالنسبة إلى الأطفال الذين كانت طفولتهم خالية من الضغوط. وأشاروا إلى أن الرفاه الاجتماعي للطفل يمثل عاملا حاسما في تطور ونمو شخصيته، ويلعب دورا كبيرا في إحساسه بالسعادة ورضاه عن حياته.

وكشف تقرير أجرته جمعية الأطفال البريطانية لتقييم حال الأطفال في البلدان الأوروبية وأميركا الشمالية من حيث الرفاهية الذاتية، أن الأطفال البريطانيين هم الأتعس بين أطفال الدول الغربية.

وتأتي بريطانيا في المرتبة الرابعة عشرة من بين خمس عشرة دولة بشأن مدى رضا الأطفال عن حياتهم، وهي بذلك تسبق كوريا الجنوبية التي جاءت في المرتبة الأخيرة.

ولفت التقرير إلى أن ثلث الأطفال في إنكلترا يتعرضون للمضايقات في المدرسة، بينما يشعر نصفهم بالانعزال. وأوضح أن مستويات عدم السعادة في المدارس تزداد مع كبر عمر الطفل، حيث بلغت نسبة الاستمتاع بالمدرسة 61 بالمئة عند عمر العاشرة لكنها انخفضت إلى نسبة 43 بالمئة عند عمر الثانية عشرة. وجاء أطفال رومانيا في المرتبة الأولى بشأن الرضا عن حياتهم خلال سن الـ12 عاما، فيما حل أطفال كولومبيا في المرتبة الثانية.

وأشار الباحث بيتر جريج إلى أنه “على الرغم من شعور العديد من الأطفال البريطانيين بالتعاسة إلا أن 90 بالمئة منهم تحدثوا عن بعض الرضا عن حياتهم”.

ونبه إلى أن الأطفال الذين يعانون من عدم الرضا عن الحياة هم أكثر عرضة للتخويف أو عدم الحصول على مستويات علمية جيدة في المدرسة، وهو ما يثير الكثير من المخاوف بشأنهم وبشأن مستقبلهم.

ومن جانبها حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” في آخر تقرير لها من الوضع المزري للأطفال في العالم، مؤكدة أن مئات الملايين من الأطفال من سكان المدن يعانون من الحرمان بدرجة أكبر مما كان يعتقد سابقا. وأكدت أن المعاناة التي يقاسيها هؤلاء الأطفال تنتهك حقوقهم وتعيق تحقيق أهداف النمو في هذه الألفية.

وصنف تقرير آخر للمنظمة الأممية أطفال هولندا على أنهم الأكثر رفاهية بين أقرانهم بمختلف أنحاء العالم، بينما جاءت الولايات المتحدة في المرتبة الـ26 على قائمة ضمت 29 من أغنى دول العالم، من حيث تمتع الأطفال بالرفاهية فيها.

وأظهر تقرير أن 4 من الدول الواقعة في شمال أوروبا، وهي هولندا والنرويج وأيسلندا وفنلندا، تأتي في صدارة القائمة، حيث يقيس التقرير مستوى رفاهية الأطفال من خلال 5 مقومات، تشمل الرفاه المادي، والصحة والسلامة، والتعليم، والسلوكيات والمخاطر، إضافة إلى الإسكان والبيئة.

وأشار التقرير إلى أنه لا توجد علاقة قوية بين نصيب الفرد من الناتج الإجمالي المحلي، ورفاه الطفل بشكل عام، مشيرا إلى أن البرتغال، على سبيل المثال، تأتي في مرتبة أعلى من الولايات المتحدة.

كما رسمت المنظمات الدولية المهتمة بشؤون الأسرة والطفولة صورة حقيقية وقاتمة عن واقع الطفولة في أغلب دول العالم العربي، فالعديد من الأطفال اليوم يعيشون في مدن تعاني من الصراعات والحروب فيقتلون ويعذبون ويسجنون، وفي أفضل الأحوال يعيشون في ملاجئ خالية من أبسط مقومات الحياة.

وسلطت إحدى الدراسات الضخمة التي أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية ومولها قسم الصحّة البريطاني الضوء على بعض العوامل التي من شأنها أن تحقق رضا الأطفال عن حياتهم وتشعرهم بالسعادة.

وأشارت إلى أن من أهم محفزات السعادة عند الطفل في عمر السابعة، بغض النظر عن الحالة المادية للأسرة، هو حين تكون علاقته جيّدة مع إخوته، ويقضي عطلة نهاية الأسبوع برفقة أفراد عائلته، ولا يصرخ عليه أبواه. كما يعتبر العشاء العائلي من الطقوس التي تنمي الشعور بالانتماء والأمن، فالأطفال الذين يتناولون على الأقل وجبة مع العائلة بشكل منتظم تكون نظرتهم إلى الحياة أكثر إيجابية، ويحصلون على علامات مدرسية أفضل، بل ويجعلهم ذلك أقل احتمالا لتعاطي المخدرات أو التدخين أثناء مرحلة المراهقة.

ولفتت إلى أن الأطفال يصبحون أقلّ سعادة وأكثر قلقا حين يعيشون في مناطق فقيرة، ويمنعون من مشاهدة التلفزيون، وأيضا عندما يقضون ساعات طويلة أمام شاشات الأجهزة الإلكترونية.

ومن جانبه تمكن ريتشارد ليارد الباحث في مفاهيم السعادة بالمملكة المتحدة من الاستنتاج أن الصحة النفسية للطفل من أهم العوامل التي تحقق له الرضا والارتياح عند الكبر، مشيرا إلى أن الصحة النفسية للطفل تضاهي في أهميتها التحصيل الدراسي الجيد في سن مبكرة أو الحصول على الثروة في مراحل متقدمة من العمر.

وأشار إلى أن تقييم الصحة النفسية للطفل يعتمد على تحليل مجموعة من العوامل الداخلية فيه، بما في ذلك إن كان قد عانى من الحزن أو التعاسة أو قلة النوم أو اضطرابات الأكل أو التبول في الفراش أو التعب الجسدي.

وقدّم في دراسته التي حملت عنوان “ما الذي يحدد الحياة الناجحة مستقبلا: نموذج حياتي للسعادة”، منظورا جديدا عن العوامل التي تساهم في السعادة والرضا عن الحياة.وقوض بذلك من خلال النتائج التي توصل إليها الاعتقاد السائد لدى أغلب الناس بأن الدخل هو العامل الأكثر أهمية في تحقيق سعادة الإنسان، مؤكدا أن الصحة النفسية أكثر أهمية من عامل المال، سواء لدى الطفل أو الإنسان الراشد على حد سواء

صحيفة العرب- يمينة حمدي