باب الحارة مازال مشرعا: أبو العز يتأبط عصاه في شوارع الجلمة.. رجال أبو النار يحاولون الثأر من حارة الضبع في الفندقومية!
نشر بتاريخ: 05/11/2007 ( آخر تحديث: 05/11/2007 الساعة: 19:28 )
جنين- معا- كتب خالد سليم- عندما قال المتنبي قولته الشهيرة: أنام ملء جفوني عن شواردها.. ويسهر الخلق جراها ويختصم"، لم يجانب الصواب البتة، فقد بات يوصف بأنه مالئ الدنيا وشاغل الناس، وبات ينظم الشعر ويرهق النقاد وراءه، في محاولة الوقوف على فهم ما يقول.
أما اليوم، فما يشغل الناس ويسرق لبهم، كبيرهم قبل صغيرهم، وحليمهم قبل أحمقهم، هو باب الحارة، الذي فتح العام الماضي، ولم يغلق هذا العام، ولا ندري إن كان سيغلق رمضان القادم، أم سيصبح سلسلة طويلة لا نعرف أجزاءها.
أزعم واثقا أن القائمين على هذا العمل الفني دهشوا لوقعه على المشاهد العربي، فلئن كانوا يتوقعون له النجاح في الجزء الأول، ربما بحكم تجارب مسلسلات شبيهة سابقة كليالي الصالحية مثلا، الذي أخذ بألباب المشاهدين وقلوبهم، أو بحكم وجود قامات فنية سامقة فيه، كالمبدع بسام كوسا، والرائع عباس النوري وسامر المصري وصباح الجزائري، إلا أنهم بكل تأكيد فوجئوا بالضجة التي رافقت جزءه الثاني، وهي ضجة يعشقها القائمون عليه، فهي من النوع الذي يستزيدهم لاجتراح حلقات جديدة لأن "الجمهور عاوز كده"، وهو نجاح فني بامتياز.
في عيد الفطر الماضي، استضافت قناة المنار أبطالا من المسلسل، تحدثوا عنه بإسهاب، وأضاؤوا بعض الشخصيات، وما تعكسه في واقعنا، وهي إذ فعلت ذلك، فإنها كانت مدفوعة بالنجاح الذي رافق العمل، فأرادت استثماره لتزيد نسبة المشاهدين لديها وترفع أسهمها.
في جنين، تابع الناس المسلسل بشغف غير مسبوق، لم أعهد عملا اجتذبهم مثله، إلا جولات المصارعة الكاريكاتورية التي كانت تجذب الرجال ثمانينيات القرن الفائت، إلا أن باب الحارة بجزئه الثاني بزّ كل ما سواه، فصار الكبير والصغير والمقمط بالسرير يتابعونه، فمن ابني سليم ذي الأعوام الثلاثة، إلى عمتي السبعينية أم عماد، يتابعونه، إن حبا، وإن إكراها، فوقت عرضه تمنع الزيارات، وكان الناس يبرمجون لياليهم كي يتابعوه، ويؤجلون زياراتهم بعده، وصار حديث الساعة في كل بيت في قريتنا، في البيوت وفي الشوارع، وبات بعض الشبان لدينا لا يدخلون بيوتهم إلا بعد الاستئذان على طريقة أهل باب الحارة "يا الله يا الله"، رغم أنهم اعتادوا الدخول فيما مضى دون أن يطرقوا الأبواب حتى.
ومن طرائف ما حدث، أن صياح أطفال علا فجأة في أحد شوارع قريتنا، الفندقومية بمحافظة جنين، فخففنا لنرى ما القصة، فرأينا الأطفال وقد تسلحوا بما أتيح لهم من عصي وحجارة وأسلحة العيد، وقطب كل جبينه، وحين حاولنا معرفة ما جرى، أخبرنا أحدهم نزقا أنه وصحبه من حارة أبو النار يحاولون الثأر من غريميهم حارة الضبع، وأنهم حتما "سيعلّمون" على كبيرهم أبو شهاب!، ولم يكد محدثنا ينهي جملته، حتى علا القتام حولنا وثارت جلبة شديدة، وكرّ أطفال وفرّ آخرون، وانتقلت معركتهم إلى زقاق آخر، ابتُلي ساكنوه بصياح أطفال أخذتهم نشوة المسلسل، فظنوا الشعر أما في قرية الجلمة، بمحافظة جنين أيضا، فقد تأبط الفتية العصيّ ونهبوا الشوارع جيئة وذهابا، كمعتز ابن الحكيم أبو عصام، شبيه خاله أبو شهاب في المرجلة والشجاعة والهيبة، متمثلين حركاته وكلامه وحتى عصبيته التي تُستفز للا سبب، وباتوا يجارون عصبيته ويحاولون إمالة رؤوسهم عند الحديث، كيف لا، وهو الذي كتبت عنه الأقلام أن الفتيات ينتظرن المسلسل ليشاهدن "شبوبية" هذا المعتز، ومَن، بالله عليكم، يكره أن يكون حديث ربات الخدور من الجميلات والنساء، بل وحتى القواعد منهن، فالشبان أيضا، كما الغواني، يغرهم الثناء.
في قباطية، كبرى بلدات المحافظة، وإحدى أهم بؤر المقاومة، التي لا يكاد يخلو فيها بيت من قطعة سلاح، قد يكون حملها شهيد أو أسير، أو يحملها مطارد صنديد، أو حتى فتى أرعن رعديد، في هذه البلدة، سمُع تكبير الشبان مجلجلا عندما أذاق رجال حارة الضبع أبا النار ورجاله الذل والهوان، وأخرجوهم من حارتهم مطأطئي الروس. وعندما ثأر أبو شهاب لجميع المشاهدين من الجاسوس اصطيف، وقتله شر قتلة، انتفض شبان البلدة، واهتزوا طربا، كيف لا، وقد قتل جاسوس دُس كالسم في حارة هانئة وادعة، فأثار فيها الجلبة، وقتل، فيمن قتل، زعيمها وحامي حماها، فخرج شبان من البلدة إلى الشوارع واطلقوا صليات من الرصاص في الهواء ابتهاجا، فقد كان الكل ينتظر هذه اللحظة.
ما خفي حول المسلسل أعظم، وما مرّت به بلدان العرب، ومنها بلدنا، من تمثُّل للمسلسل وشخوصه، سيتحول مع جزئه الثالث إلى مرض لا يرجى برؤه وشفاؤه، فلئن كانت الأولى تجربة، والثانية أزمة، فالثالثة ثابتة كما يقال. أجارنا الله.