الإثنين: 20/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

ما هي قصة "عائد 885"؟

نشر بتاريخ: 06/08/2016 ( آخر تحديث: 07/08/2016 الساعة: 17:12 )
ما هي قصة "عائد 885"؟
بيت لحم- خاص معا- قبل تشرين الثاني من عام 2015 اعتادَ سعيد عبد العال من مخيم البداوي شمال لبنان، أن يُغيّر في قصيدة درويش حينما يُشير إلى فلسطين، ليقول: "أنا من هناك، وليس لي ذكريات" وبعد 27 عاماً من أعوامٍ عاشها بلا تفاصيل ملموسة تربطه فيها، أعادَ الجملة كما كانت بعدما صار له في بلاده ذكريات.

سعيد (27 عاماً) لاجئ فلسطيني عاشت عائلته لجوءين، أو كما يصفه في أكثر كتاباته، لجوء أولٌ ونزوحٌ أخير، ففي عام 1948 هُجّروا من قرية الغابسية شمال شرق عكّا، وفي عام 1949 أُنشئ مُخيّمٌ نهر البارد في شمال لبنان، فسكنت فيه عائلته وهُناك وُلد سعيد، قبْل أن ينزحوا من المخيّم في عام 2007 للأحداث التي حصلت بين الجيش اللبناني وجماعة "فتح الإسلام"، إلى مخيم البداوي.

المفارقة التي خاف منها

حالة من المفارقة كان يخافها سعيد حينما يقارن لجوئه وعائلته إلى الشتات، باللاجئين داخل فلسطين، لأنهم يكبرون على حب وانتماء لمكان لهم فيه ذكريات، أما هُو فقد كبر محاولا أن ينسج في خياله تفاصيلا لبلاد لم يزرها إلا من بوابة ذاكرة من عاشوها واعتاشوا ماضيهم منها.

اعتاد أن يُطالب بعودةٍ لمكان يجهلُ مدى ارتباطه فيه، أن يستمعَ إلى الأغاني الفلسطينية القديمة، يُراجع صُور البلاد التي كان سيسكنها كما تسكنه، ويستمع مُطوّلا لمن عاشوا فيها قبل أن يُهجّروا منها.

الفرصة أتت.. وأخيراً سعيد في فلسطين

قبل قرابة العام، حصل سعيد على تصريح من خلال الملتقى التربوي العربي- فلسطين بالتنسيق مع وزارة الثقافة، لتُتاح له الفرصة في أن يزور فلسطين وقرية الغابسية تحديداً، يقول لـ معا: "كُنتُ خائفاً من أن أصِل إلى فلسطين، وأُغادرها بلا أن أشعُر بارتباطي فيها، ودون أن تعني لي زيارتها شيئا، لأننا في المُخيّم دائما نهتفُ لفلسطين لكنّنا لا نعرفُ حقيقة مشاعرنا اتجاهها".

"لم أشعر أني غريبٌ عنها، شعرتُ بأصلي الذي خرج منها، بأهلي، بأجدادي، وتمسّكت أكثر بحقي بالعودة لها، ولم أُفكّر بشيء وأنا فيها، إلا أنّي عُدت إليها بعد لجوءٍ طويل" يُضيف سعيد.

تنقّل في الغابسيّة ودخل إلى منزلِ جدّه الذي هُجّر منه، جلس على ركام أحجاره، وحمل لوالده من منزله حجراً، حتّى أنه حين عاد إلى لبنان وأعطاه الحجر، قال والده:" هذا لي، وسترثونه مني حينما أموت".

"عائد 885".. ولادة بعد 68 عاماً من المخاض

قرّر سعيد أن لا تكون هذه الزيارة عابرة، أمسك بكاميرا صديقه وبدأ يلتقط لها صُوراً ومقاطع "فيديو" ثُمّ تذكّر حُلمه الذي لم تُوافقه عليه الحياة في أن يُصبحَ مُمثّلاً، فكان المُخرج والمؤلّف والمُمثّل في فيلم وثائقيٍّ أعدّه لعودته الأولى إلى قريته.

"كُنتُ أريد أن أعملَ في أي مجالٍ من مجالات الفن، أن أُصبح مُمثّلاً مثلاً، لكن الحياة لم تعطني تلك الفرصة وأخذتني إلى مُنحنى آخر جعلني أعودُ ولو عودةً مُؤقّتةً إلى فلسطين" يقول سعيد.

بين الخليل ونابلس ورام الله وبيت لحم والغابسية تنقل سعيد لمدة 13 يوماً ليعود لاجئا إلى لبنان، وعملَ على صناعة فيلمه من المقاطع التي صوّرها أو صُوّرت له فيها، وحينما أنهاه كان عليه أن يختار اسماً له، وبعد تفكير طويل اختار اسم "عائد 885".

ولادة اسم الفيلم

يضيف لـ معا،" لقد اخترت هذا الاسم للفيلم، لأنني ما إن شعرتُ بارتباطي العاطفي بالغابسية، فهذا يعني أني نلت لقب العائد، وقد حمل جدي وثيقة لجوءٍ تحمل الرّقم 885، وحملتها من بعده كما حملتُ اسمه، وهذا الفيلم يُمثّلني، لذا فأنا هو عائد 885."

لم يستطع سعيد أن يكون مُمثّلا، ظروف عائلته والمخيم لم تعطه تلك الفرصة، وقبل ما يزيد عن العام شارك في ملتقى صيفي كتدريب قصير على صناعة الأفلام، وأعدّ فيلمه القصير بعنوان "بتخاف من الموت؟" والذي عُرض في مهرجان "الجنى" الدولي للأفلام في بيروت ثّم استغل ما تعلّمه معتبراً أن صناعة الأفلام هي الطريقة الأنسب لنقل ما يعيشه أهل المخيّم.

وأشار سعيد في حديثه لـ معا: لقد أخذت فُرصتي لأطوّر ما تعلّمته، وطوّرت خبرتي قليلاً، أعددتُ فيلم "عائد 885" والذي مدّته 15 دقيقة، بتمويل من شركة "بدايات" المهتمة بدعم وانتاج الأفلام الوثائقية، وأعمل الآن على فيلم طويل يعكس حياة المُخيّم.

تكلفة العرض.. غياب صاحبه

لقد أنهى سعيد فيلم "عائد 885" وعندما أصبح جاهزاً للعرض، اختارَ أن يخرج إلى الضّوء من الرّحم الذي أنجبه، من فلسطين، حتّى إن كان سيُكلّفه أن لا يحضر عرضه الأول.

تناقلت الدعوات بين فئة من الشّبان الفلسطينيين، عن العرض الأول لفيلم أعدّه شاب يعيش في الشّتات، في ملتقى رمانة للأدب والموسيقى، توافد الكثير منهم لحضور العرض الذي تمّ دون حضور المخرج، لكنّه عندما انتهى أصبح حاضراً في ذاكرة كُل من حضروه.

يصف سعيد مُفارقة جديدة لـ معا: "لقد كنت منزعجاً أني سأكون حاضراً في فلسطين باسم الفيلم فقط، أما أنا فكُنت خارجها لاجئا كما اعتدت أن اكون، لكني رغم ذلك سعيدٌ لأنني خلقت طريقة جديدة للتواصل مع أهلي فيها بلغة بصريّة تُحاكي الواقع".

تقرير: ياسمين الأزرق