الأحد: 16/06/2024 بتوقيت القدس الشريف

خطاب الرئيس الفرنسي ساركوزي في افتتاح اعمال مؤتمر باريس الاقتصادي

نشر بتاريخ: 17/12/2007 ( آخر تحديث: 17/12/2007 الساعة: 19:34 )
باريس-معا- نص خطاب الرئيس الفرنسي ساركوزي خلال مؤتمر باريس الاقتصادي للاطراف المانحة للفلسطينيين بمشاركة وفود من 90 دولة.

وفيما يلي نص الخطاب كاملاً :
السيدات والسادة الوزراء،

اسمحوا لي أن أرحب بكم في باريس.
بعد مرور ثلاثة أسابيع على مؤتمر أنابوليس، نجتمع اليوم هنا من أجل الإسهام في السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

بعد سنوات من العنف وغياب الثقة، بعث مؤتمر أنابوليس الأمل من جديد. وعاد الطرفان إلى الحوار. وتشكل تحالف دولي واسع من أجل التأكيد على رفض الإستسلام للحتمية والتطرف. وتم تحديد أفق سياسي: يتمثل في السعي معاُ من أجل إنشاء دولة فلسطينية مستقلة وديمقراطية وقابلة للحياة تعيش بسلام وأمن إلى جانب إسرائيل، قبل نهاية عام 2008.

إننا مدينون بهذا المنعطف التاريخي لرجلين، هما رئيس الوزراء إيهود أولمرت والرئيس محمود عباس. رجلا دولة قررا بكل شجاعة العمل من أجل تحديد مصير شعبيهما. رجلا سلام يشتركان بالقناعة الواضحة نفسها ألا وهي أن نهاية الصراع بينهما سيتحقق من خلال حل الدولتين. ولقد فهم كل منهما أنه بهذا الثمن، وبهذا الثمن فقط، ستتحق أخيراً التطلعات الوطنية الشرعية لكلا الشعبين. وأود أن أحي شجاعة وتصميم أولئك الملتزمين إلى جانب السيدين محمود عباس وإيهود أولمرت في عمل السلام هذا ولاسيما رئيس الوزراء الفلسطينيي سلام فياض ووزيرة خارجية إسرائيل تسيبي ليفني.

كما أننا مدينون بهذا المنعطف التاريخي للرئيس بوش وللسيدة كوندليزا رايس اللذان اختارا عودة الولايات المتحدة للإنخراط بكل تصميم في عملية السلام.

أخيراً نحن مدينون بهذا المنعطف التاريخي لأعضاء الجامعة العربية الذين اعتمدوا منذ عام 2002 مبادرة الملك عبد الله، عاهل المملكة العربية السعودية.

ها هي صفحة جديدة تُفتَح امامنا. والوقت محدود: أمامنا عام للتوصل الى حل، لكننا لسنا بحاجة لاختراع كل شىء من جديد. فاليوم وبعد مرور 16 عاماً على مؤتمر مدريد و14 عاماً على أوسلو و7 أعوام على الفرص الضائعة في كامب ديفيد وطابا، ورغم كل حالات الفشل وخيبات الأمل، هناك أمر بَيّن يفرض نفسه: لقد تم كسر المحظورات؛ ومعايير التسوية النهائية معروفة: قرارات الأمم المتحدة ومبدأ الأرض مقابل السلام وخارطة طريق اللجنة الرباعية والمبادرة العربية للسلام كلها حددت إطار هذه التسوية. وأصبحت المسألة مسألة إرادة أكثر من كونها مسألة تصور للحلول.

ويعرف كل من الإسرائيليين والفلسطينين الهدف الذي ينبغي بلوغه. لندعهم يتفاوضون فيما بينهم. أما نحن، أطراف المجتمع الدولي، فينبغي أن نواكبهم بتصميم ولكن دون إملاءات من خلال تقديم دعمنا لهم وبوجه خاص ثقتنا بهم. لهذه الغاية بالذات نحن مجتمعون اليوم هنا في باريس.

تتشرف فرنسا باستضافة مؤتمر المانحين على أراضيها وهي تترأسه إلى جانب رؤساء مشتركين هم السيد توني بلير الممثل الخاص للجنة الرباعية، والنرويج بصفتها رئيسة لجنة الاتصال المخصصة لتنسيق المساعدة إلى الشعب الفلسطيني، والإتحاد الأوروبي. وإمتداداً لمؤتمر أنابوليس، قررنا أن نكرس هذا المؤتمر للدولة الفلسطينية.

أود أن أتوقف قليلاُ عند هذا المفهوم، المقبول من الآن فصاعداً، وعند المضمون، الذي قليلاً ما حُدِد، لهذه الدولة الفلسطينية التي تتطلعون، أنتم أيها السيد الرئيس، ونحن، كل المجتمعين هنا، إلى إنشائها في السنة المقبلة.

دولة مستقلة وديمقراطية، تمثل كل الفلسطينين، أينما وجدوا. دولة يستطيعون فيها بناء مستقبلهم معاً وتحديد مصيرهم بحرية.

دولة مسالمة تكون شريكا موثوقاً لجيرانها ولإسرئيل بالدرجة الأولى.

دولة ذات سيادة على أراضيها ومواردها وتتحكم بحدودها وتتمتع بتواصل بين قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.

دولة قانون تتمتع بمؤسسات قوية ومستقلة تضمن أمن المواطنين وتعمل على فرض احترام النظام وتكافح الميليشيات وتفرض قوة مسلحة واحدة لسلطة واحدة.

أخيراً، دولة حديثة تعمل على تطوير اقتصاد منفتح وبنى تحتية فعالة تكون في خدمة شعبها.

بالمحصلة، دولة تكون قابلة للحياة سياسياً واقتصادياً، دولة الأمة الفلسطينية.

أعرف، أيها السيد الرئيس، أنكم تطمحون إلى إنشاء هذه الدولة. وقد عرض رئيس وزرائكم السيد سلام فياض خطة إصلاح وتنمية لثلاث سنوات وهو أمر لا سابق له في التاريخ الفلسطيني.

تجمع هذه الخطة بين احتياجات قصيرة الأجل ومشروعات متوسطة الأجل بطموح وواقعية. وهي تعبر عن إرادة وحكمة في الميزانية. وأني أشيد بدقتها. فهي شاهد على قدرة السلطة الفلسطينية على مواجهة تحدي بناء الدولة.

لقد أشاد المانحون ومؤسسات بريتون وودز بجودة هذه الخطة. ولكن لا بد من توفير مواكبة حازمة من المجتمع الدولي برمته لإنجازها. لهذا الغرض نحن مجتمعون هنا. نريد تقديم العون لكم، ومساعدتكم من أجل التشجيع على نشوء دولة فلسطينية قابلة للحياة.

ليس هدفنا إدامة تقديم المساعدة للفلسطينين إلى الأبد. وإني أعرف أن كل ما يتمناه المسؤولون الفلسطينيون هو أن يتوقفوا عن الإعتماد على المساعدة الدولية وأن يكونوا مستقلين وأن يبنوا المستقبل. وأعرف أيضاً أن هناك قطاع خاص نشيط في الأراضي الفلسطينية لا يطلب سوى أن يتمكن من التطور. إن التنمية الإقتصادية هي أفضل عربون لسلام دائم ولأمن إسرائيل على المدى البعيد.
لنكن واضحين: من الضروري أن يبذل الجميع جهوداً فورية من أجل نجاح مؤتمرنا ـ مؤتمركم ـ وتحقيق أهدافه الرئيسية الثلاث:

ـ الهدف الأول: ينبغي أن يقدم مؤتمر باريس دعماً فورياً لكافة سكان الأراضي الفلسطينية. وسيتم توجيه دعمنا المالي والإنساني إلى سكان قطاع غزة أيضاً. فالإستمرار في عزل القطاع ينطوي على مخاطر سياسية واقتصادية وأمنية كبيرة. وسنساعد السلطة الفلسطينية والمنظمات الدولية على القيام بمشروعات فيه بالتعاون مع القطاع الخاص. ينبغي أن يتم فتح نقاط العبور بغية تشجيع الإنعاش الاقتصادي. وينبغي في آخر المطاف، أن يستعيد الفلسطينيون وحدتهم خلف الرئيس محمود عباس. لن يتحقق السلام دون غزة، كجزء من الدولة الفلسطينية المقبلة. ولن يتحقق في ظل مجموعات ترفض وجود إسرائيل وتفرض سيطرتها عن طريق العنف.

ـ الهدف الثاني: إن مؤتمر باريس هو أيضاً مؤتمر دعم للإقتصاد الفلسطيني. ولايمكن لهذا الإقتصاد أن يتطور دون تغيير جذري في الوضع الميداني. وتشكل حرية حركة الأفراد والسلع أولوية. وكذلك التجميد الكامل والفوري لحركة الإستيطان. كيف يمكن السعي إلى إنشاء اقتصاد قابل للحياة دون القيام بذلك؟ ينبغي أن يتمكن الفلسطينيون من التصرف بأرضهم وإبراز قيمتها. وأقول بكل قوة: إن من مصلحة إسرائيل نفسها، وطالما يكون أمنها غير مهدد، أن تشجع على وجود حياة طبيعية في الضفة الغربية. من شأن ذلك وحده أن يمكن الفلسطينين من العمل والتوقف عن تجرع الإهانة، وتقليص العنف وعمليات التهريب واستعادة طعم الحياة. وأخيراً، ينبغي أن تفتح المؤسسات الفلسطينية في القدس الشرقية، ولاسيما غرفة التجارة، أبوابها من جديد.

ـ الهدف الثالث: ينبغي أن يواكب هذا المؤتمر البناء التدريجي لدولة حديثة. لقد إلتزمت السلطة الفلسطينية بضمان احترام القانون والنظام على أرضها. هذا أمر جوهري، لأن الأمن هو مفتاح السيادة. وينبغي أن يتم تدريجياً إصلاح الأجهزة الفلسطينية وأن تزداد احترافاً. وبشكل مواز، ينبغي أن تنسحب إسرائيل من الضفة الغربية. وينبغي أن يقدم المجتمع الدولي دعمه لتحقيق هذا الهدف الصعب. لقد شرع الإتحاد الأوروبي في تعاون واعد مع السلطة الفلسطينية في مجال الأمن. تقترح فرنسا القيام، في الوقت المناسب وعند توافر الشروط الملائمة لذلك، بنشر قوة دولية تدعم الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

إن تحقيق هذه الأهداف يتعلق بالدرجة الأولى بكم أنتم أيها القادة الإسرائيليون والفلسطينيون. أقول بكل صداقة للسلطة الفلسطينية: لقد حان الوقت للشروع في الإصلاحات ومواجهة المشكلة الأمنية بتصميم. وأقول لأصدقائي الإسرائيليين: لقد حان الوقت لإنهاء الإحتلال الذي بدأ منذ عام 1967، ولتمكين شعب بكامله من استعادة كرامته. أنتم ، من هذا الطرف أو ذاك، شركاء من أجل السلام. الشعبان يريدان السلام، وهذا ما يبينه التعاون الحاصل بين القطاعات الخاصة من البلدين، وهو أمر لا يذكر بما فيه الكفاية، ولاسيما فيما يتعلق بمشروعات المناطق الصناعية الهادفة إلى جذب المستثمرين الدوليين والتي من شأنها أن تساهم، في ظل السلام، في خلق فرص العمل وتحقيق الإزدهار. إنتهزوا هذه الفرصة الفريدة الموجودة حالياً! لا تتركوها تضيع! أقول لكم، لقد حان وقت السلام! هذا ما تريده الغالبية الساحقة من الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني الرازحين تحت المحن. قدموا لهما أجمل هدية: السلام!

ماهو منتظر منا كمجتمع دولي هو تقديم دعم ملموس من أجل تحقيق هذا الهدف. هل ينبغي أن أذكّر هنا بأن هذا المؤتمر هو مؤتمر مانحين؟ نجتمع في ظروف استثنائية لعدة أسباب، لذا نحن مطالبون بتقديم جهد مالي استثنائي أيضاً. جهد فوري يمكن إلتماس أثره بحلول الفصل الاول من عام 2008.

فرنسا من جهتها، ستتحمل مسؤولياتها. ويسعدني أن أعلن بأنها ومن أجل مواكبة إنشاء الدولة الفلسطينية، ستقدم مبلغاً يتجاوز بقليل 200 مليون يورو ( أي 300 مليون دولار) على مدى السنوات الثلاث المقبلة، منها مبلغ 65 مليون يورو كمساعدة ميزانية و33 مليون يورو كمساعدة إنسانية و96 مليون يورو كمساعدة للمشروعات الخاصة بالإصلاحات ذات الأثر في الإقتصاد الكلي. وسيتم دفع مبلغ 25 مليون يورو كمساعدة ميزانية للعام 2008 بحلول شهر كانون الثاني/ يناير المقبل من أجل تلبية الاحتياجات الأكثر استعجالاً. وسنوقع هذا اليوم إتفاقية بشأن مساعدة ميزانية مع السيد سلام فياض. ويُضاف إلى هذه المساعدة طبعاً حصة فرنسا المقدمة ضمن المساعدة الأوروبية التي سيعلن عنها بعد قليل.

السيدات والسادة،

لقد إنطلقت ديناميكية السلام من جديد. لاينبغي لها ولا يمكنها أن تفشل. نحن، أطراف المجتمع الدولي، ينبغي أن ندعمها بكل ما أوتينا من قوة. لقد أفضى مؤتمر أنابوليس إلى إطلاق سنة قصيرة من المفاوضات الحاسمة. ومؤتمر باريس يشكل استمرارية ضرورية لها. وإذ أفتتح اعمال هذا المؤتمر، أوجه لكم هذا النداء الملح: كونوا على مستوى الرهان! كونوا أسخياء.

شكراً لكم.