نشر بتاريخ: 15/01/2008 ( آخر تحديث: 15/01/2008 الساعة: 18:04 )
بيت لحم - معا - التحضير المعنوي عنصر هام جدا من عناصر الانجاز في كل الرياضات ، والدول المتقدمة رياضيا تولي هذا العنصر ما يستحق ، جبنا إلى جنب مع التحضير الفني والبدني والمهاري ، وليس التحضير المعنوي صخب إعلامي يحول الخاتم إلى خلخال ، أو يصنع من الدونم هكتار ، إنما هو تحفيز وطني رشيد ، يجعل البطل واثق بإمكانياته الحقيقية ، مما يجعله يوظف هذه الإمكانيات في مواجهاته النزالية !
ويعترف الخبراء أن عنصر التحضير المعنوي هو الأصعب في معادلة التحضير الرياضي ، لأنه لا يعتمد على وقائع ملموسة ، واختباراته الصحيحة لا تكون إلا في الميدان ، لأنك لا تستطيع أن تقدر طبيعة المواقف النفسية التي تستجد خلال اللعب ، لتدرب البطل على كيفية مواجهة هذه المواقف ، ولان المواقف النفسية مصدرها القلب ، الذي يتحكم في العواطف والمشاعر ، وأنت لا تستطيع أن تعلم شخصا الشجاعة في المدارس إذا جبل على الجبن ، فيما تستطيع تحسن أدائه المهاري ، وترفع من لياقته البدنية .
وقد أساءت بعض الدول دور التحضير المعنوي في الرياضة ، وخاصة في الدول العربية ، التي صارت الرياضة فيها ، وخاصة كرة القدم متنفسا للجماهير ، التي تعاني من كبت اجتماعي ، وإحباط سياسي ، فصارت الملاعب مسرحها ومتنزهها ومنتداها ومهرجانها .. وكل شيء في حياتها ، وليس في ذلك عيبا ، إلا ما نشاهد من ركوب السياسيين لصهوة الرياضة ، محاولين التقرب من الجماهير في أجواء الملاعب ، لعل الرياضة تجسر الهوة بين الغلابى ، الناقمين على حكامهم ، اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا ، وبين السلاطين الذين لا يملكون إلا التعاطي مع معادلات العولمة ، بكل ما تحمل من تبعات لا ترضي القاعدة الشعبية .
ومع الوقت تحولت الملاعب العربية إلى مهرجانات سياسية ، تحبل فيها المدرجات بصور الرؤساء والملوك والأمراء ، وحمل المكبوتون شيئا من شعاراتهم السياسية وغير السياسية إلى المدرجات ، فانحرفت رسالة كرة القدم عن أهدافها النبيلة ، وهجر كثير من الرياضيين الحقيقيين الملاعب ، التي حادت عن رسالتها .
وفي خضم الاجتياح السياسي للملاعب دخلت وسائل التطبيل والتزمير ، وأجهزة الإعلام في المعركة ، ونفخت في كير المنافسات الرياضية ، التي زادت ضراوة ، وخاصة إذا تعلق الأمر بمباريات مع الجيران ،فارتفع الشحن المعنوي في الملاعب ، وصارت بطولة الخليج مثلا أهم من المونديال العالمي ، وصار فوز الجزائر على مصر ، أو فوز مصر على السعودية في مباراة ودية يعدل الفوز بعدة ألقاب عالمية !
و"أيام العرب" الرياضية حافلة بالأحداث الرياضية الثقيلة ، التي أوشكت دول العبرب على دخول معارك حربية بسببها ، كما حصل يوما في قارة اللاتين ، عندما تحاربت الهندوراس والسلفادور على خلفية مباراة كروية ... ولا أحتاج هنا لسرد بعض الوقائع الأليمية في هذا المجال ، ومنها خروج لاعبي ليبيا الخضر عن اللياقة بعد تعادلهم مع منتخبنا في بطولة العرب بعمان ... ولكن يكفي التذكير بمباراة نهائي كأس العرب الخامسة ، التي استضافتها عمان سنة 1988 ، ويومها وصلت سوريا التي يحكمها حزب البعث السوري الى المباراة النهائية ، لمواجهة العراق التي كان يحكمها حزب البعث العراقي ، وفي خضم الجدل والنفور السياسي بين البلدين ، سالت الحافلات بأمواج الجماهير من بغداد ومن جلق ، ووصلت شاحنات تحمل بعض الأعلام العراقية والسورية ، ولا فرق بين الرايتين إلا في عدد النجوم ، و كثير من صور الرئيسيين الراحلين صدام حسين وحافظ الأسد ، وتحولت المعركة من الميدان الأخضر إلى المدرجات التي تحبل بصور الزعيمين !
والمشكلة هنا أن وسائل الإعلام العربية بالغت في النفخ الذاتي لفرقها الرياضية ، والنتيجة أفراح لا تتوقف بعد فوز على بنغلادش أو أفغانستان ، وأحزان لا آخر لها بالخسارة أمام كوت ديفوار أو ميلان ، بتحرك كرابيج الجلد الذاتي ، التي تتوقع من لاعبين هواة في بطولة الكويت أو الإمارات الإطاحة بمحترفي الساحل العاجي ، أو بكوكبة نجوم أفضل فرق العالم ولو كره المفتون ، ايه سي ميلان !!
وقد وضع المشعوذ الأبيض فيليب تروسيه ، الذي قاد جنوب إفريقيا واليابان لأمجاد كروية تحسب في ميزان حسناته ، يده على جرحنا العربي ، بعد فشله مع منتخب دولة قطر ، التي استوردت لملاعبها اللاعبين والحكام والمدربين والمعالجين والإداريين ، في انتظار استيراد الجماهير ... قال تروسيه : إن المشكلة في بلاد العرب أن الكاميرا تتوجه للمدرجات بدل لعرض تحركات الزعماء ، بدل متابعة الفنون التي يجود بها النجوم في الميدان ، وكلام الرجل صحيح لأنني شخصيا تابعت أكثر من مونديال ، وغطيت أكثر من بطولة أممية أفريقية وعربية ، فلم أشاهد الجماهير ترفع صور الزعماء إلا في بلاد العرب ، حيث يصبح الزعيم ثابتا من الثوابت الوطنية ، وهو فاكهة الملاعب ، ولا نجاح للألعاب الرياضية ، إذا لم تزينها صور الرياضي الأول !!
والمشكلة أن الرياضي الأول يا جماعة الخير يستقبل النجوم إن هم فازوا بالمباريات ، ويغدق عليهم من مكرماته التي لا حدود لها ، فيما لا نسمع صوتا له اذا أخفق النجوم ، لان الفرحة في بلاد العرب لسادة المنصات الشرفية ، والهزيمة سببها الفنيون ، الذي يجلدوا ، إن كانوا عربا ، و"تفنش" عقودهم ، إن كانوا عجما !
مهم جدا أن تهتم وسائل الإعلام العربية بشحن اللاعبين معنويا قبل المباريات ، ولكن حجم الجرعات المعنوية يجب أن تبقى بيد الفنيين ، ويجب على جميع الرياضيين في بلاد العرب أن يحسبوا حساب النتائج ، التي قد يجلبها الإفراط في الشحن المعنوي ، لان الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده ، ولأن الدواء المناسب ، يجب أن يستخدم في الوقت المناسب ، وللمرض المناسب !
والحديث ذو شجون
[email protected]