الأربعاء: 08/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

إطلالة على رواية يسري الغول "غزة 87"

نشر بتاريخ: 24/10/2017 ( آخر تحديث: 24/10/2017 الساعة: 09:50 )
إطلالة على رواية يسري الغول "غزة 87"
الروائي: محمد نصار
يسري الغول الذي أعرفه منذ أن كان شبلا تداعب أنامله الحرف بشغف يثير الانتباه، وحرص يدفعه خلف دروب الحكاية، ليجعل له نصيباً منها، وحضوراً بدأت ملامحه الأولى بمجوعته القصصية (على موتها أغني) وما تلاها من أعمال سبقت روايته الجديدة (غزة 87)، هذه الرواية التي بشرت بروائي يمسك بناصية القلم على نحو تجاوز فيه الكثير من أقرانه، وربما بعض من سبقوه، وخاض في غمارها بجرأة عالية وقدرة انبعثت من نفس حملت تجاربه القصصية السابقة واطلاع واع على تجارب الآخرين.
في هذه الرواية وضعنا الكاتب أمام ذواتنا وطرح السؤال الصعب: هل نحن ملائكة أم بشر نخطئ ونصيب؟ سؤال يحتاج إلى الكثير من الجرأة للإجابة عليه، تركه مفتوحا وأخذ بنا إلى نبع الحكاية الأول حيث زمن القص المرتد أربعة عقود إلى الوراء زمن الانتفاضة الأولى، يوم كانت ألوف العمال تطحن في سوق النخاسة الإسرائيلي وتستغل على نحو بشع معنويا وماديا، وفي كافة المستويات؛ فيما الكثير من أعمالنا الأدبية تجاهلت هذه الشريحة العريضة إلا فيما ندر والبعض مر عليها مرور الكرام، لكن تناول كاتبنا لتلك المعاناة بشكل مسهب وتعرضه لقضايا حساسة تمثلت في العلاقات التي كانت تحدث بين الشبان العرب والطامعات الإسرائيليات، والتي هي في الأساس علاقة اغتصاب أيا كان شكلها وطابعها تحسب له على اعتبار أنه يقول إن الاحتلال لم يكن قاصرا على اغتصاب الأرض، بل طال الإنسان أيضا حسياً ومعنوياً.
كما يحسب للكاتب انتقاده لبعض الظواهر السلبية في الانتفاضة الأولى، كالعملاء مثلا والاندفاعية التي تفتقر للتخطيط المسبق وبعض الظواهر الشاذة في المجتمع كزوجة الأب التي عذبت بكري -أحد شخصيات الرواية- طفلا وراودته عن نفسه حين شب وصار في عداد الرجال.. حالة الاحتقان والقهر الذي عاشه المجتمع في حينه.
لكن الملفت في هذا العمل قدرته على الغوص في خبايا المجتمع الإسرائيلي وفضح سوءته، إذ وضعنا الكاتب أمام حقيقة ذلك المجتمع الذي يدعي النقاء والديمقراطية ووو. الخ من العناوين البراقة لنري الحقيقة بعينها مجتمع مفكك، منحل تمزقه العنصرية، ويد الأمن فوق الجميع.
هذه العجالة السريعة من حيث المضمون، أما من حيث اللغة والبناء الروائي فقد كانت لغة الكاتب مميزة على نحو ملفت خصوصاً في الفصول الأولى وإن جنحت إلى شيء من التقريرية فيما بعد، وجاءت عنونة الفصول بأسماء الشخوص حيلة ذكية مكنت الكاتب من القفز على عتبات زمانية ومكانيه تستدعي الكثير من الثرثرة الزائدة.
باختصار نحن أمام عمل جميل يحتاج إلى أن متابعة نقدية أعمق حتى ينال حقه بشكل صحيح.. تهانينا للكاتب وتمنياتنا له بدوام التقدم والازدهار.