الثلاثاء: 21/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

الحديث ذو شجون **النسر الأسود ! بقلم - فايز نصار

نشر بتاريخ: 05/02/2008 ( آخر تحديث: 05/02/2008 الساعة: 16:57 )
بيت لحم- معا - تقع مدينة سطيف الجزائرية على بعد ثلاثمائة كيلو متر ، شرقي العاصمة الجزائرية ، متألقة في أعماق الأطلس المغاربي ، عاصمة لهضاب الجزائر العليا ، حامية لتقاليد التمازج بين العرب والامازيغ ، صادحة بالأغاني والأناشيد ، التي تفوح بعبق الأصالة والفخار !
ويقطن سطيف ما يقرب من مليون سطيفيّ ، يتيهون في حب الوفاق ، الذي رفع رأس مدينتهم شامخاً في ملاعب الجزائر الخضراء ، ووضع أقدامه على خارطة الكرة العربية والإفريقية ، فرفع كل الشعب الجزائري القبعة للنسر الأسود (لقب الوفاق) ، بإجماع المحللين والصحفيين على اختيار الوفاق أفضل أندية الجزائر للسنة الماضية ، تزكية لفوزه الجدير ببطولة الدوري الجزائري ، وتتويجه بكأس دوري أبطال العرب !
ولجماهير وفاق سطيف تقاليد رياضية ، يحرص الجميع على المشاركة فيها ، فالوفاء للنادي لا يعني متابعة مبارياته في ملعب 8 ماي ( أيار ) فقط ، بل يجب الترحال مع ( الكحلة ) أي السمراء ، رمز ألوان الفريق السمراء والبيضاء ، في كل الملاعب ، حتى خارج الجزائر ... وقد روى لي فلسطينيون تنقلوا الى عمان قبل أشهر لمتابعة نهائي العرب ، بين الوفاق والفيصلي ، حكايات الجماهير الجزائرية ، التي قطعت أربعة آلاف كيلومتر ، من سطيف الى عمان ، لتشجيع النسر الأسود ، وتذكرة الطائرة وحدها بخمسمائة دينار أردني !
وفوز الوفاق بالبطولات لا يمر مرور الكرام في سطيف العالية ، فالرجال ينزلون عن بكرة أبيهم إلى الشوارع في احتفالات راقصة ، والنساء يتولين أمر الزغاريد والأهازيج الشعبية من شرفات المنازل ، في مشاركة لا بدّ منها ( للعمريات) في الأفراح الوفاقية ، والأمر يقتضي زيارة إلى الولي ( سيدي الخير ) الذي يغني له أنصار الوفاق ، يا سيدي الخير جينا زوار ... تربح الكحلى ونهديك ازار ، أي سنقدم لك الهدايا عندما يفوز الوفاق !
ولوفاق سطيف وشائج قربى مع شعب فلسطين ، لان جماهير الوفاق تحمل الهموم الجزائرية والعربية إلى الملاعب ، فتراها تصدر هتافات عاتبة على بعض الأمور السياسية ، منها ما هتف به جمهور الوفاق للعراق في حربه مع الولايات المتحدة : صدام الحسين ....( شيكور الماريكان ) أي قاهر أمريكا ، ومنها ما جسد المواقف الجزائرية الصادقة تجاه شعب فلسطين ، منذ قرر رئيس الجزائر الراحل هواري بومدين : ان الجزائر مع فلسطين ظالمة ومظلومة ! ! ومن يومها يهتف جمهور الوفاق ، كغيره من الجماهير الرياضية الجزائرية : جيش شعب .. معاكي يا فلسطين !!
وكانت العلاقة بين فلسطين ووفاق سطيف تعززت بوجود المدرب الفلسطيني الكبير ،الدكتور منصور الحاج سعيد ، الذي كان معيدا في جامعة لايبزغ الالمانية ، وكان من بين المدربين الذين حضروا معه دورة كروية ، المدرب الجزائري عبد الكريم خلفة ، ولما عاد خلفة من ألمانيا ، كان وضع الوفاق غير مقبول في الترتيب ، مهددا بالسقوط ، ولما طلب منه مسئولو الوفاق تدريب الفريق ، ومحاولة إنقاذه ، قال لهم إن المهمة مستحيلة ، ولا يستطيع القيام بها إلا المدرب الفلسطيني منصور ، وفورا تم الاتصال بالمدرب منصور ، الذي لم يناقش الأمور في مهمة لنادي جزائري ، لأنه يعرف قيمة الكرة الجزائرية ، ويعرف أهمية العلاقة بين الشعبين الثائرين ، وفعلا تمكن منصور من انجاز المهمة بنجاح ، ليقود بعد ذلك الفريق الواعد اتحاد الشاوية للقب الدوري الجزائري ، ويقود مولدية وهران لبطولة أندية العرب ! قد جاء اهم فوز للوفاق يوم 13 ايلول سنة 93 ، يوم تفاهم اوسلو ، ويومها قال المعلق الجزائري مخلوف بوخزر ، الذي أضافه الإرهاب إلى أرقامه : وهكذا ينتصر المدرب الفلسطيني مع الوفاق ، كما انتصرت منظمة التحرير ، التي فرضت اعترافها على العالم !
وبعد حرب الخليج الأولى نظمت العراق دورة كروية باسم السلام في الأردن ، في محاولة لفك الحصار الرياضي عن بلاد الرافدين ، ويومها اتصلت بالزميل محمد قدري حسن ، ورتبنا سويا مشاركة الوفاق في البطولة ، ففاز الوفاق على إثيوبيا ، وتعادل مع الكونغو ، وخسر من عراق احمد راضي بالثلاثة ... وعلى هامش الزيارة وقف لاعبو الوفاق على البحر الميت متأملين العاصمة الفلسطينية المحتلة القدس ، ممنين النفس أن يأتي اليوم الذي تتحرر فيه عروس العواصم من براثن الاحتلال !
المهم أنني عدت قبل أسبوعين إلى سطيف ، التي قضيت فيها ردحا من شبابي ، وعندما وصلت المدينة أخذني الحكم الدولي السابق مسعود كوسا إلى عين الفوارة ، التي تتوسط المدينة الجميلة ، وقال لي : اشرب يا فايز حتى تعود ثانية إلى سطيف ، لأن من يشرب من العين الفوارة ، سيعود إلى سطيف ، وإن طال السفر !
زيارة خاطفة إلى سطيف عادت بي إلى أيام عز رياضي ، عايشته بعد الفوز على الأهلي المصري ، وبعد الفوز على ايوانوانيو النيجيري ، والتتويج باللقب الإفريقي في عز الثلج سنة ثمان وثمانين ..وأيام عز ذكرتني بخطواتي الأولى في عالم الإعلام الرياضي مع الزميل الشاعر الموهوب عز الدين ميهوبي ، الذي لي معه قصصا أخرى مع الوفاق ، الذي مع ذلك ... ما زالت كرته تدور !!
والحديث ذو شجون
[email protected]