الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

أبو دياك يعقب على الجدل حول زيادة رواتب الوزراء

نشر بتاريخ: 01/06/2019 ( آخر تحديث: 01/06/2019 الساعة: 21:52 )
أبو دياك يعقب على الجدل حول زيادة رواتب الوزراء
الكاتب: وزير العدل السابق علي أبو دياك

 تعقيبا على ما يدور من جدل حول زيادة رواتب الوزراء ورؤساء المؤسسات العامة الذين هم بدرجة وزير، ربما يكون بيان رئيس الوزراء د. محمد اشتية هو البداية الأفضل لتناول هذا الموضوع، حيث أعاد البيان الموضوع برمته إلى جهة الاختصاص بتحديد رواتب الوزراء وغيرهم بالوسائل القانونية الملائمة، وهذا ما يثير السؤال المنطقي الأهم وهو هل الخلاف على الشكل القانوني الذي أخرجت فيه زيادة الرواتب، أم أن الخلاف على مقدار الزيادة وقيمة الرواتب.
فإذا كان الخلاف على الشكل القانوني الذي تمت فيه زيادة الرواتب فهو ليس على المضمون بمعنى أن سيادة الرئيس هو جهة الاختصاص بإصدار الصيغة القانونية اللازمة لتعديل الرواتب سواء تم ذلك من خلال قرار بقانون معدل أو مرسوم أو قرار أو أي وسيلة قانونية أخرى، أما إذا كان الخلاف على قيمة ومقدار الزيادة فهو ليس خلاف حول الإخراج القانوني والشكل القانوني الذي صدر به القرار.
ربما أكثر ما يثير الدهشة والاستغراب بشأن تداول موضوع زيادة رواتب الوزراء هو الحكم الاستباقي المستعجل الذي أصدره البعض بعدم قانونية قرار زيادة الرواتب، وفي أضعف الأحوال الرغبة الملحة في الإساءة التي تطل من لغة التشكيك والعبارات غير الودية التي يستخدمها البعض بحق الوزراء ورؤساء المؤسسات الحكومية الذين انطبقت عليهم الزيادة في الرواتب، وفي ذات الوقت فإن هناك من تناولوا هذا الموضوع بمهنية وأمانة ومسؤولية دون قصد الإساءة أو التشهير.
وحيث أنني لست بصدد الدخول في هذا الجدل والسجال حول قانونية أو أحقية موضوع زيادة الرواتب، إلا أنني أكتفي بالقول بأن الزيادة على الرواتب لم تصرف خلسة وارتجالا ودون سند قانوني للوزراء ورؤساء المؤسسات الذين هم بدرجة وزير، وإنما صرفت بعد أن تم اعتمادها من سيادة الرئيس، وإقرارها ضمن قرارات بقانون الموازنة السنوية المتعاقبة، بعد أن مرت بنقاشات ومداولات عديدة بناء على دراسات تقدمت بها وزارة المالية بشأن تآكل قيمة رواتب الوزراء التي ظلت مقطوعة دون أية علاوات منذ تولي السلطة الوطنية، وبشأن استحقاق الوزراء لعلاوة غلاء المعيشة المتراكمة من تاريخ صرفها لكافة موظفي الدولة علما بأن علاوة غلاء المعيشة قد وردت في مكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي واعضاء الحكومة والمحافظين سنة 2004، وبأن رواتب الوزراء أصبحت أقل من رواتب بعض الموظفين في الوزارات حسب الفئات الوظيفية وعلاوة طبيعة العمل وغيرها من العلاوات، وأقل من رواتب موظفي بعض المؤسسات الحكومية غير الوزارية وفق إحصائيات موثقة من بعض المؤسسات الرقابية، علما بأن رواتب الوزراء في فلسطين هي الأدنى على مستوى الدول العربية المجاورة.
وبذات الوقت فإذا خرجنا من دائرة السؤال حول قانونية الإجراءات التي تمت، فإننا نبقى في إطار السؤال الثاني الذي يثار حول مقدار وقيمة الزيادة على الرواتب التي تم إقرارها واعتمادها، وهذا الأمر يأتي في سياق ما أحالته الحكومة الحالية لسيادة الرئيس، علما بأن سيادة الرئيس هو الجهة المختصة بتحديد رواتب الوزراء ومن في حكمهم على ضوء كافة الأسانيد والمسوغات القانونية والدراسات المالية والمقارنة واتخاذ القرار بالوسائل القانونية الملائمة.
إن مواصلة إثارة موضوع زيادة رواتب الوزراء بالشكل التوتيري والتحريضي الذي نراه قد تعدى محددات مبدأ الرقابة المجتعية على أداء الحكومات الذي كنا وما زلنا نعمل على تعزيزه، وإنما ذهب البعض بعيدا في المبالغة وتعظيم الموضوع وتضخيم الأرقام والمبالغ التي صرفت للوزراء، والدفع باتجاه التشهير بالحكومة السابقة التي ما زال ربع وزرائها ضمن الحكومة الحالية وتشويه كافة الإنجازات وإظهار حكومة الوفاق الوطني وكأنها لم تفعل شيئا خلال الخمس سنوات السابقة سوى زيادة رواتب الوزراء وتبديد المال العام، والذي يؤدي دون قصد لإخراج الحقيقة عن سياقها الصحيح وتقويض الثقة بالأداء العام وتبشيع صورة المنظومة السياسية والمؤسسية والمساس بهيبة مكونات الدولة ومكانتها الوطنية والاعتبارية.
وبهذه المناسبة فإنه لا بد من القول بأن الحكومة السابقة قد تصدت للكثير من الملفات المتعلقة برواتب بعض الفئات الوظيفية بهدف الإصلاح والتنظيم وجسر الفجوات، كما عملت على تعديل وزيادة العديد من علاوات ورواتب الموظفين من فئات وظيفية مختلفة، وأوصت بتنقنين وتخفيض الرواتب في بعض المؤسسات غير الوزارية، وعملت على تحديث وإصلاح العديد من الهيكليات الوظيفية والأنظمة واللوائح القانونية.
وفي الختام فإنني حريص ككل أبناء شعبنا على النقد البناء والتقييم الشامل والعمل بمسؤولية وأمانة من أجل استمرار جهود الإصلاح ومواصلة بناء المؤسسات وضمان الحقوق والحريات وترسيخ مبادئ العدل والانصاف وسيادة القانون، والوقوف صفا واحدا في ظل قيادة رئيس دولة فلسطين لمواجهة التحديات ومواصلة المسيرة النضالية حتى إنهاء الاحتلال الجاثم على أرضنا وتحقيق الحرية لشعبنا وإقامة وتجسيد دولتنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.