الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

رسالة إلى المؤتمر الوطني الخامس للتعليم المهني

نشر بتاريخ: 18/11/2019 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:11 )

الكاتب: صخر سالم المحاريق

أيها السادة الكرام ،،، يا من نثق بهم فيما اجتمعوا عليه وعزموا، وما مضوا إلى تحقيقه، في هذا المؤتمر الوطني المنتظر، والذي جاء في حينه، للمضي قدماً في دعم وبناء منظومة تعليمية خلاقة للتنمية، وموجهٍ إليها بخطىً واثقة ومدروسة، وبمنهجية علمية ننتظر منها تشخيص مواطن الخلل، ومن ثم وصف الأمصال، وصياغة رؤية استراتيجية وتنموية نحو البناء والتطوير، بحيث تعي الجزء في إطار الكل، ومن ثم تدرك ببصيرة قراراتها الكل الشمولي، بعيداً عن العفوية، والعشوائية، والتلقائية، وفلسفة الاسقاط الحر وتجريب القوالب الجاهزة، غير القابلة للتعميم في أصل نشأتها وتكوينها، حين صممت وصيغت كنماذج ضمن محددات وخصائص معينة "ديموغرافية وأنثروبولوجية"، تراعي في ثناياها الظرفيتين الزمانية والمكانية للمجتمعات التي أعدت لأجلها، مؤكدة في ذلك "خصوصية الحالة" وتمايزها عن نظيراتها.
الأخوة الكرام ... القارئ الكريم؛ لطالما كانت التنميةُ حلمُ وغاية الدول والحكومات، فهي عملية منظمة وتشاركية يصنعها التخطيط المقصود والموجه، فهي ليست بالعملية، العشوائية أو الفردية في إطار المجتمعات، حيث يقول مهاتير محمد “إن التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا تحدث بين عشيةٍ وضحاها، وعلى الناس أن يتحركوا لإحداثها”، وكلنا يعلم جيداً أن التعليم بصوره وأشكاله، ما هو إلا الضامن الوحيد لعملية التنمية المستدامة والصانع لها، فالتعليم هو أقوى سلاح يمكننا استخدامه لتغيير العالم، وليس فقط شعوبنا، واسمحوا لي أن أدعوكم جميعاً للتمعن واستطلاع البنود التالية في قالبٍ من التساؤل والاستفهام؟ أملاً منكم في مراعاة وجودها، والتركيز في الاجابة عليها في مؤتمركم الموقر هذا، وما سيؤول إليه ويؤكد من نتائج وتوصيات، والمزمع عقده لاحقاً في نوفمبر الجاري وهي:
• ما مدى مراعاة خصائص وخصوصية الحالة الفلسطينية؟ ومعطياتها فيما يُطرح من رؤى وأهداف واستراتيجيات، وفيما يتم استيراده من تجارب للغير لها خصوصيتها وخصائصها، المتناغمة مع هياكلها الاقتصادية وطبيعتها الاجتماعية، بحيث لا نراعي في تطبيقها أو إسقاطها أو نقلها ظروف "الحالة الفلسطينية" المتقلقلة في الآن والأوان.
• ما مدى التقارب والنسبية بين (الحاجات والمتطلبات) الفعلية في سوق العمل من جهة، ومخرجات التعليم المهني والتقني، وأثرها التنموي في المجتمع من جهة أخرى؟ من خلال توفير جملة من "الكفايات المهنية والتقنية" فيما يعرف "بالتكوين المهني والوظيفي"، اللازم للانخراط في سوق العمل، عبر خليط من "الكفايات التعليمية"، والتي تمزج بين (المعرفة، والمهارة المتخصصة، إضافة للمهارات الحياتية)، والتي يتم من خلالها جميعاً، المفاضلة بين مخرجات كلية وكلية أخرى، والمنافسة بين خريج وآخر، بحيث تكون التخصصية طريقاً للإبداع، والتميز، وتكافؤ الفرص، وكلنا يعلم أن سوق العمل هو من يقود ويوجه منظومة التعليم المهني والتقني لا العكس، على النقيض من التعليم الأكاديمي والمسخر لغايات البحث والتطوير والمساندة.
• ما هي آليات ومتطلبات وجود شراكة فاعلة، وحقيقية؟ يعي فيها كلٌ دوره ومهمته، وتشترك فيها أطراف منظومة التعليم المهني والتقني وأركانها، لا أن يغنى كلٌ على ليلاه"، منفرداً يدور في فُلك نفسه بلا جدوى وبلا أثر فعلي، وذلك في ما يتم صياغته من رؤىً واستراتيجيات موحدة الهدف، والنتيجة، ومستدامة الأثر، ضمن إطار الوظيفة الواحدة، والرابط المشترك وعلاقة التأثر والتأثير، نافذة تعكس ما هو داخل حاجات الصندوق الفلسطيني وواقعه وتلبيها، وترتبط بمدخلاتِ، ومخرجاتِ، وعملياتِ التخطيط التنموي الشامل للبلد، المتمثلة في الكل الوطني، وفي الجوانب كافة، وخاصة الاقتصادية والاجتماعية منها.
• هل يتوفر قانون راعٍ وضابطٍ وضامن لأشكال المهن وتصنيفاتها؛ قانون يحفظ للمهن حقوقها ويصوغ واجباتها، وهنا يبرز دور بناء وتعزيز النقابات وأصحاب الحرف والمهن، عبر تبويب لشروط الالتحاق بها، والواجب المفترض أن يقع على عاتقها، تنظيم يحافظ على الحقوق ويضمن الواجبات، ويؤسس لقاعدة بيانات مؤسساتية سليمة، تراجع وتحاسب، وتقيّم كل صاحب حرفة ومهنة ومصلحة، وقانون يحصي المهن ومتطلباتها.
• ما مدى توفر المتطلبات والمحفزات الاقتصادية الموجهة للاستثمار؟ والمحفزة له، واللازمة لزيادة فرص التشغيل، وتأسيس العمل الخاص والاستثمار فيه، والتي تتطلب رؤية اقتصادية حكومية واعية، وذات أهداف ذكية لصناعة بيئة ريادية خلاقة للأعمال، عبر تظافر الجهود كافة اضافة إلى جهود مؤسسات الاقراض بأشكالها، وحاضنات الأعمال، والمؤسسات الاقتصادية الأخرى.
وإذ بي أوجه رسالتي هذه إليكم كمختصٍ، وباحثٍ، ومهتمٍ في الشؤونِ التنمويةِ، وفي هذا النوع من التعليم كسبيل لريادية هذه المهن، وكلنا ثقة فيما أنتم بصدد القيام به من مراجعة شاملة، تضع النقاط على الحروف، للأخذ بها نافذة لا وضعها طي النسيان، والاكتفاء بها في سجل من الصور، والكلمات المنمقة الفردية والجماعية، وذلك فيما اجتمعتم لأجله، نحو مزيد من الدور الحقيقي والفاعل لهذا النوع من التعليم، من خلال التوصية والمتابعة بالتخطيطٍ العلمي المدروس للمنظومة برمتها، القادر على نمذجة "برامج متطورة" تراعي خصوصية الحالة الفلسطينية، وتحقق في ثناياها التنمية المستدامة، وتعزز من ثقافة "العمل الحر والريادي" في إنشاء المشاريع وحرفية مشغليها، وتحقق بدورها تكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، والعائد المادي، الذي يحارب العوز والحاجة، ويجلب معه كل ما هو جديد من تقانة إلى سوق العمل، مما يساهم بالتطوير المستمر لجميع القطاعات والهياكل الاقتصادية، والاجتماعية، في بناء مؤسساتنا ومنشآتنا الاقتصادية والوطنية.