الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

آلاف الأطفال المقدسيين سيبقون خارج الإطار المدرسي خلال العام القادم

نشر بتاريخ: 24/08/2010 ( آخر تحديث: 24/08/2010 الساعة: 20:40 )
القدس- معا- قال مدير التربية والتعليم في القدس سمير جبريل أن واقع التعليم في المدينة المقدسة هو الأسوأ بسبب الواقع الاحتلالي الذي تعيشه المدينة" التي تضم 150 مدرسة، ويعاني العديد من المشاكل، مضيفا أن اسرائيل دمرت التعليم الفلسطيني، وتسببت في تسريب 10 آلاف طالب سنويا.

وشكك جبريل خلال حديثه لنشرة اخبار شبكة "معا " الاذاعية في التقرير الذي اصدرته "الجمعية من أجل حقوق الإنسان" و"جمعية عير عاميم" الاسرائيليتين، حول وجود نحو 5300 تلميذ مقدسي غير مسجلين للدراسة في أي إطار تعليمي جراء النقص بعدد الغرف الدراسية، مبينا ان العدد اكبر بكثير ويدنو من العشرة الاف.

وقال إن مدارس القدس تسجل أعلى نسب التسرب بين المدارس الفلسطينية كافة، مشيرا إلى أنه "بالرغم من عدم تواجد إحصائية دقيقة فإنه يبلغ ما يقارب من 10 الاف طالب سنويا".

ولا يتوقف الواقع التعليمي في القدس عند هذا الحال، كما يرى جبريل، بل"إن التعليم بالقدس يعاني من تعدد في المرجعيات، ما يشكل حالة من عدم التوازن والاستقرار؛ لعدم وجود جسم واحد يمثل هذا القطاع، اذ أن هناك أربع مرجعيات له وهي الأساسي والثانوي ووكالة الغوث التى تتلقى تعليماتها من ادارتها، وهناك أيضا المدارس الخاصة، والمدارس الوقفية الاسلامية والمسيحية والمدارس التابعة للجميعات والأفراد وتتقاضى سنويا رسوما عالية، بالاضافة الى المدارس التابعة لبلدية القدس".

ورأى جبريل ان التسرب ظاهرة طبيعية منتشرة في كل بقاع العالم لكنها مضاعفة في القدس بسبب الاكتظاظ الهائل في الفصول الصفية وكل ذلك يؤدي الى العنف والتسرب ناهيك عن عدم وجود مرافق للأطفال ومصادر للتعليم، اضافة الى تغيب المعلمين من حملة هويات الضفة، ويأس الأهل والفقر.

واوضح جبريل ان اسرائيل تسيطر على كافة المباني في القدس وبالتالي لا تلتفت لحاجات المواطنين العرب، مما يمكنها من ابقاء كثير من الطلاب خارج المنظومة التعليمية.

وطالب السلطة الفلسطينية والدول العربية ضرورة توفر الإرادة السياسية للتعامل مع قضايا القدس، وتعامل المجتمع الدولي مع القدس كأراض محتلة، وبتفعيل دور مديرية تربية القدس الشريف كمرجعية لقطاع التعليم في المدينة، وفضح الممارسات الإسرائيلية في قطاع التعليم التابع للبلدية والمعارف الإسرائيلية وفلسفتها المدمرة على المدى البعيد، إلى جانب التمييز الواضح ما بين خدماتها في القدس الغربية مقارنة بالقدس الشرقية.

"عير عميم" الاسرائيلية تستعرض واقع التعليم في القدس خلال 2010

أصدرت مؤسسة "عير عميم" الإسرائيلية أمس تقريرا بعنوان "شهادة فقر" استعرضت من خلاله واقع التعليم في القدس المحتلة خلال العام الحالي 2010.

وجاء في التقرير: "بالرغم من ان الدولة ملزمة بتوفير التعليم بالمجان، إلاّ أن آلاف الأطفال في القدس الشرقية سيبقون خارج إطار جهاز التربية والتعليم في السنة الدراسية المقبلة أيضا، وقد أدى الإهمال المستمر من طرف جهاز التربية والتعليم العربي في القدس إلى العجز الشديد بغرف التدريس، وكذلك في هذه السنة امتنعت وزارة التربية والتعليم وبلدية القدس عن التعامل بصورة جدية مع هذا الأمر، وبالنتيجة فان أهالي آلاف الأطفال الفلسطينيين سيُضطرون في السنة الدراسية القادمة (2010-2011) لدفع مبالغ كبيرة بغية الحصول على مقاعد في المدارس، في حين كان يُفترض حصولهم عليها بالمجان".

ووفق بيانات العام الدراسي السابق (2009-2010) تعلم نصف الطلاب فقط في القدس الشرقية في المؤسّسات التربوية التابعة لمديرية التربية والتعليم في القدس (التي تتشارك في إدارتها وزارة التربية والتعليم وبلدية القدس)، فيما تعلم التلاميذ المتبقين في مدارس غير حكومية تعود ملكيتها وتقوم على إدارتها جهات مختلفة ومتنوعة، وجهات خاصة، وكنائس، ومنظمات إسلامية، ووكالة الغوث (الأونروا)، وأطراف مرتبطة بالسلطة الفلسطينية وبجهات تجارية تهدف بصورة أساسية إلى الربح المالي.

وأكدت عميم على أن لدى سكان القدس الشرقية كامل الحق في الحصول على تعليم حكومي، وعلى كافة حقوق الرفاه الاجتماعي التي تقدمها "الدولة"، وذلك بفعل الإقامة التي منحتهم إياها إسرائيل بعد ضم شرق القدس إليها في العام 1967، وقد توقفت المحكمة العليا عند هذه المسألة وألزمت وزارة التربية والتعليم وبلدية القدس، قبل عقد من الزمان، منح تعليم لكل طفل فلسطيني يقيم في المدينة، إلاّ أن سياسة التعليم في إسرائيل والقدس الشرقية لا تمنح الفرصة للسكان بإحقاق هذا الحق بصورة كاملة.

وأشار التقرير الى أن عشرات الالاف من الاطفال الذين يحق لهم التعليم بالمجان وفقا للقانون، يضطرون الى دفع آلاف الشواقل سنويًا من أموالهم الخاصة، جراء عدم وجود المدارس البلدية الكافية لاستيعابهم.

وتقوم كلية سخنين، وهي مبادرة تجارية صرفة، بتشغيل 11 مدرسة "معترف بها ولكنها غير حكومية"، وعدد التلاميذ بها يزداد في السنوات الأخيرة بصورة دائمة، هنالك من يفسر التشجيع الذي تتلقاه هذه الكلية كمحاولة من طرف المديرية إلى خصخصة جهاز التربية والتعليم وتشغيل جزء منها، على الرغم من ذلك، يفضل جزء من الأهالي أن يتلقى أولادهم تعليمهم خارج إطار جهاز التربية والتعليم الإسرائيلي بدوافع أيديولوجية ودينية وقومية.

واوضح التقرير انه إلى جانب آلاف الأطفال الذين يُضطر أهاليهم الى تسديد تكاليف تعليمهم، هنالك آلاف الأطفال في القدس الشرقية ممن لا يتعلمون البتة، لا يبدي أي شخص في أجهزة السلطة الإسرائيلية أي نوع من الاهتمام بهم، ولا يفعلون شيئًا لإعادتهم لمقاعد الدراسة، وهناك شكّ فيما إذا كان أحد ما يعلم بعددهم الحقيقي، وفق بيانات البلدية، التي تستند إلى بيانات وزارة الداخلية ودائرة الإحصاء المركزية.

واشار التقرير الى ان عدد الأطفال والفتية الفلسطينيين يبلغ في القدس (87624) تتراوح أعمارهم بين (6 سنوات) وحتى (17 سنة) -من الصف الأول وحتى الثاني عشر.

ويقول رئيس المديرية الجديد "داني بار غيورا" -في معرض إحدى جلسات لجنة التربية والتعليم في الكنيست-" يتعلم في جهاز التربية والتعليم العربي في القدس (بجميع أقسامه) (83285) ولدا، ويتضح عبر عملية حسابية بسيطة أن(4329) ولدًا من سكان شرق القدس لا يتعلمون بتاتًا".

ووفق البيانات الرسمية لبلدية القدس، فإن عدد التلاميذ أقل من ذلك وعدد الأولاد الذين لا يتعلمون بتاتًا أكبر من ذلك ويصل إلى (5300) ولدًا، والذين يشكلون نحو 6% من مجمل الأولاد في سنوات الدراسة ذات الصلة.

وأضاف داني بار غيورا " إن حقيقة وجود بضعة آلاف من الأطفال الذين لا يتعلمون بتاتًا، واستمرار هذا الوضع لسنين طويلة كان من المفترض أن يدفع بالمسؤولين في القدس وجهاز التربية والتعليم إلى فعل أمر ما عاجلا، ولكن هذا الأمر لم يحدث بل، وتجد تلك الفئة من التلاميذ الذين نجحوا في العثور على مقعد في إحدى المدارس للتعلّم يمضون السنة الدراسية في أطر غير لائقة".

وأشار الى إن الغالبية المطلقة للمدارس في شرق القدس، في جميع التيارات التعليمية، تعاني من أزمات وصعاب عسيرة: مباني متداعية وغير آمنة، وغرف تدريس مكتظة، ومستويات تعليمية متدنية، ونسب تسرب تصل إلى 50% من الأولاد، وتحصيل تعليمي متدن في امتحانات (التوجيهي، والبجروت الإسرائيلي).

وقال التقرير ان من نتائج تعدد الأطر التعليمية في القدس وجود جهاز تربوي يغيب عنه التجانس على صعيد مناهج التعليم وأساليب التدريس، ولذا فإنها تفتقر إلى عمود فقري ومركز للثقل، وأن جهازًا تربويًا كهذا يُخرج عددًا قليلاً جدًا من أصحاب الثقافة الكافية للتطور الشخصي المميز، إضافة إلى إنتاجه مجتمعًا مدنيًا يتمتع بقدرة ضعيفة جدًا على الصمود والاستمرار.

الشهادة الأولى: جمال خليل، من سكّان مخيم اللاجئين شعفاط

ويقول جمال خليل من سكان مخيم شعفاط بالقدس،"بعد جهود مضنية نجحت بتسجيل اثنين من أولادي للتعلم وإن كان ذلك في مدرستين مختلفتين بعيدتين جدًا عن البيت،عمير ابن الـ 15 سنة مسجل في مدرسة في صور باهر، والتي تبعد نحو 10 كيلومترات عن البيت، وبفعل الاختناق المروري والحواجز، يستغرق السفر إلى المدرسة نحو ساعة ونصف، ويجد عمير نفسه مضطرًا إلى النهوض من النوم الساعة الخامسة صباحًا كل يوم والسفر في حافلتين، من المخيم إلى البلدة القديمة ومن هناك إلى صور باهر".

"أما عمرو ابن العشر سنوات فحالته أصعب بكثير، إذ إنه يدرس في مناطق السلطة الفلسطينية وهو يسافر كل يوم 15 كيلومترًا في كل اتجاه، كذلك هو يسافر في حافلتين إلا أنه يتعين عليه المرور بحاجزين، ويستغرق السفر من البيت للوصول إلى المدرسة ساعتين، يكلفنا سفره هذا 500 شاقل شهريًا، ونضطر أنا وزوجتي النهوض من النوم يوميًا الساعة الرابعة صباحًا لكي نجهز الأولاد لسفرهم الطويل".

الإسقاطات الاجتماعية المتجلية

ويبين التقرير إن الإهمال المستمر لجهاز التربية والتعليم في شرق القدس، نتج عنه آثارا بالغة على السكان الفلسطينيين في المدينة، تمر على المجتمع الفلسطيني في شرق القدس، والتي كانت حتى الثمانينيات إحدى أكبر التجمعات السكانية الفلسطينية ثقافة وتعليمًا وتمكننًا، وتحولات سلبية في العقدين الأخيرين، تنبع هذه التحولات جزئيًا من سياسة إسرائيل والجزء الآخر من تطورات فلسطينية داخلية، مما يحوله إلى مجتمع أكثر فقرًا وأقل تعليمًا إضافة إلى انتشار مظاهر العنف والإجرام الآخذة بالتصاعد الدائم، يساهم الوضع الكارثي لجهاز التربية والتعليم إسهامًا بالغا جدًا في هذه التحولات السلبية.

ويشير التقرير الى ان نسبة الفقر في القدس الشرقية حاليًا وصلت إلى مستويات مذهلة 65.1% من مجمل الأسر الفلسطينية في شرق القدس، التي ترعى 74.4% من مجمل الأولاد الفلسطينيين في المدينة، يعيشون تحت خط الفقر (والنسب المقابلة بين السكان اليهود في المدينة هي 30.5% و45.1% على التوالي)، وبأعداد مجردة، فالحديث لا يدور حول أقل من 95 ألف طفل فلسطيني يعيشون في القدس بظروف من الفقر المزمن.

وأضاف"يمكننا رؤية التجليات الخارجية لهذا الواقع حاليًا في القدس في كل مكان، ابتداءً من عشرات الفتيان الفلسطينيّين في جيل المدرسة الثانوية الذين يعملون في الأسواق ومخازن الحوانيت والمتاجر الكبيرة في المناطق الصناعية وانتهاءً بعشرات الأطفال في جيل المدرسة الابتدائية الذين يتراكضون بين السيارات على مفترقات طرق مركزية في المدينة لبيع بعض المنتجات للسائقين.

"إن الجمع بين الفقر المدقع وغير المعالج بغالبيته (10% فقط من السكّان يحصلون على خدمات الرفاه من البلدية) وبين نسب التسرب العالية من جهاز التربية والتعليم يخلق ظواهر اجتماعية قاسية إضافية، ومن بينها زيادة وانتشار الجنح بين أبناء الشبيبة ولجوءهم إلى استعمال المخدرات".

من جهتها رفضت شرطة إسرائيل وسلطة مكافحة المخدرات الرد على توجه طلب جمعية "عير عميم" وجمعية "حقوق المواطن"، للحصول على معلومات بشأن هذه الظاهرة.

وقد تحوّلت أجزاء واسعة من البلدة القديمة إلى مناطق يرتاب الكثيرون التجوال فيها في ساعات الليل، ووفق البيانات التي جمعتها المنظمة الفلسطينية "مؤسسة المقدسي"، يصل عدد المدمنين على المخدرات في لواء القدس في السلطة الفلسطينية إلى نحو 6 آلاف شخص، ويصل عدد متعاطي المخدرات إلى 22 ألف.

وجاء في معرض أقوال عضو الكنيست جمال زحالقة خلال نقاش دار في إحدى جلسات الكنيست، أنّ التحصيل العلمي للتلاميذ الفلسطينيين في شرق القدس قد تدهور إلى مستويات هي الأكثر دنوا من بين جميع التلاميذ الفلسطينيين في مختلف أماكن تواجدهم في الشتات.

وقال: "أقول لكم بكل مسؤولية إن الوضع التربوي للمواطنين الفلسطينيين في شرق القدس وصل إلى أسوأ مستوياته ويعاني صعاب جمة، وعلى صعيد التحصيل العلمي للتلاميذ، فهو أصعب من الوضع في غزة، والخليل ومخيم اللاجئين (عين الحلوة) في لبنان، ومخيم اللاجئين (الوحدات) في الأردن ومخيم اللاجئين (اليرموك) في سوريا".

وقال سميح زحايكة، عضو لجنة الأهالي في مدرسة السواحرة الغربية، في جبل المكبر، "تفرض غالبية المدارس الخاصة امتحانات دخول على التلاميذ الذين يطلبون تلقي التعليم فيها، وترفض أولئك التلاميذ أصحاب التحصيل المتدني بغية الحفاظ على صيتها، وقد أغفلت هذه المدارس عن حقيقة أن هدف المدرسة هو توفير التربية والتعليم وليس الحفاظ على اسمها الطيب بفضل التلاميذ الناجحين فقط .

وأشار الى ان عدد التلاميذ في الغرف يتراوح في غالبية المدارس الخصوصية، والبلدية على حد سواء في شرق القدس بين 30 و 40 تلميذا، فإن تحرّك أي تلميذ من مكانه سيؤدي ذلك إلى تحرك الصف بكامله، فقد تحول العمل التربوي إلى عمل تجاري. فكل شخص لديه المال الكافي يمكنه حاليًا فتح مدرسة أو رياض أطفال، وكل ما يحتاج إليه هو أربعة جدران وعدد من الطاولات. ووزارة التربية والتعليم وبلدية القدس اللتان يتعيّن عليهما مراقبة ما يجري في المدارس غير معنيّتان بتاتًا بذلك".

غرف التدريس- عجز لا ينتهي

لا تقوم وزارة التربية والتعليم وبلدية القدس بتحديث العدد الحقيقي لغرف التدريس الناقصة في الجهاز التربوي في شرق القدس ولا تقومان بنشره، ولكنهما توافقان على أن العدد يفوق (1000) غرفة تدريسية.

وقد نشر مكتب مراقب "الدولة"، "ميخا ليندنشطراوس" العدد الأخير بهذا الصدد، في معرض فحصه الموضوع خلال السنة الدراسية 2007-2008 إذ وجد أنّ العجز يصل إلى (1000) غرفة تدريسية، وقال "تكشف نتائج الفحص أنّ وزارة التربية والتعليم وبلدية القدس لا تقومان بواجبهما،ولم تعملا بجدية، كما كان ينبغي عليهما العمل، بغية إتاحة الفرصة أمام التلاميذ في شرق المدينة إحقاق حقهم لكونهم سكان دائمين في دولة إسرائيل".

وأضاف"إن رؤساء وزارة التربية والتعليم وبلدية القدس على اطلاع منذ سنين طويلة على هذا العجز الذي لا ينتهي بشأن عدد غرف التدريس، وعلى الرغم من ذلك، وبرغم جميع الوعود التي قطعوها في معرض مداولات قضائية، والتي لم تزل قائمة بهذا الصدد، بشأن بناء (645) غرفة تدريس حتى العام 2011، إلا أنّ عملية بناء غرف التدريس هذه بطيئة جدًا".

ويكشف تحليل بيانات البناء، الذي قامت به جمعية "عير عميم" بالتعاون مع جمعية حقوق المواطن في آب 2010، عن أن هذا العجز لن يتقلص في الأعوام المقبلة، وقد تم بناء (257) غرفة تدريس فقط منذ الوعود التي قطعت في العام 2001 وحتى اليوم، ومن المفترض الانتهاء من بناء مدرسة شاملة للبنات في رأس العمود حيث شيدت (39) غرفة تدريس، كما يتعين بناء(24) غرفة تدريس في العام 2011 إلا أن الانتهاء من بنائها ليس مضمونًا.

وأكد على انه أنه حتى نهاية العام 2011 ستبنى بالمجمل (338)غرفة تدريس، ويشكل هذا العدد 52% فقط من مجمل غرف التدريس التي قُطعت الوعود ببنائها،مشيرا الى أن غرف التدريس هذه لا تفي بجميع احتياجات الجهاز التربوي، الأمر الذي أكدته السلطات أيضًا، والتي "ادعت" أنه ليس بمقدورها بناء غرف تدريس كافية لسد هذا العجز المتراكم تاريخيًا.

كذلك تجدر الإشارة إلى أن وزارة التربية والتعليم وبلدية القدس تخططان لبناء غرف تدريس إضافية في السنوات القادمة بعد العام 2011، ووصل عدد غرف التدريس المخطط بناؤها في 2010 إلى(365) تدريس إضافية، إلا أن موعد تاريخ بناؤهاليس مضمونًا، إذ إن بناؤها مرتبط بمصادرة مساحات من الاراضي وبتصديق ورصد ميزانيات إضافية،وبالرغم من تشييد هذه الغرف، سبقى العجز قائمًا ويصل إلى (1000)غرفة تدريس أخرى إذ أن البناء المتوقع يفي بحاجة النمو الطبيعي للسكان فقط.

وُيضطر غالبية الأولاد الذين ينجحون في الحصول على مقاعد دراسية في الجهاز التربوي البلدي،الجلوس في غرف تدريس غير ملائمة،وفي ظل غياب بناء المدارس الجديدة الكافية،التي تشمل غرف تدريس بأحجام تلبي المعايير المعتمدة، تقوم بلدية القدس بتوظيف غرف مستأجرة (لم تُشيّد لأغراض تعليمية بل لأغراض أخرى مختلفة) كغرف تدريس، والتي تتسم بحجمها الصغير والمكتظّ وتنعدم فيها في بعض الحالات وسائل التهوية. ولا تشمل هذه البنايات المستأجرة غرف مساندة، وغرف للمربّين، ومكتبات، ومختبرات وساحات للألعاب.

ويقول محمد سياج عضو في لجنة اهالي مدرسة احمد سامح خالدي في حي ابو طور،"يعاني لجهاز التربوي في حي أبو طور من ضائقة قاسية،يشمل هذا الجهاز أربعة مدارس ابتدائية، منها اثنتين تقعان في بنايتين مستأجرتين، ولا يوجد مدرسة ثانوية، مما يُضطر طلاب الثانوية للسفر إلى أحياء بعيدة الأمر الذي يمس جدًا بتعليم البنات، إذ أن جزءً من الأسر تعارض أمر خروج بناتهم من الحي".

وأضاف"تعاني المدارس القائمة في بنايات مستأجرة من الاكتظاظ في غرف التدريس، حيث تتوفر غرفة مرحاض واحدة فقط في الطابق الثاني لإحدى هاتين المدرستين لخدمة (203)تلميذا يتعلمون في هذا الطابق، وهناك أربع مراحيض فقط في جميع أنحاء هذه المدرسة، والتي تخدم أكثر من (500) تلميذ، كذلك تتوافر في هذه المدرسة ساحة ضيقة لا تتسع للجميع، الأمر الذي يمنعهم من اللعب والتحرك في الساحة في وقت الاستراحة خوفا من التدافع بسبب ضيقها .

ووفق البيانات الرسمية للمديرية، فإن أكثر من نصف غرف التدريس في المؤسسات التعليمية البلدية (647 من أصل 1398) لا تلبي المعايير المعتمدة، ومن أصل (751) غرفة تدريس تلبي المعايير المعتمدة تقع(573) غرفة تدريس منها فقط في بنايات تلبي المعايير المعتمدة، أما بقية غرف التدريس فتنحصر تلبيتها المعايير المعتمدة على صعيد مساحاتها فقط، ولكنها تتواجد ضمن بيئات لا تلبي هذه المعايير(155) غرفة مستخدمة للتدريس تقع في مبان مستأجرة و (23)غرفة تدريس في مبان يمكن الوصول إليها بسهولة، إذ أنشأتها البلدية بمحاذاة مدارس قائمة.

وتكشف بيانات المديرية، التي تقوم بتصنيف أوضاع غرف التدريس التي لا تلبي المعايير المعتمدة، جانبًا آخر لهذا الواقع "التعيس"، إذ تشير إلى أن أكثر من ربع إجمالي غرف التدريس التي لا تلبي المعايير المعتمدة (188 من أصل 647) معرفة كغرف تدريس "غير صالحة"، وخُمس غرف التدريس (أي 157 غرفة تدريس) معرفة على أنها "في حالة متوسطة"، و(155) غرفة تدريس فقط معرفة على أنها "صالحة"، وذلك إضافة إلى (147) غرفة تدريس لا تلبي المعايير المعتمدة مستخدمة كغرف معرّفة على أنها "غرف ملحقة".

ويقول يوسف ألالو، عضو المجلس البلدي في القدس- نائب رئيس البلدية والمسؤول السابق عن ملف التربية والتعليم في شرق القدس- حتى تموز2010
"لقد زرت مدارس عديدة، إن أوضاعها مزرية، ومن ضمنها تلك التي أنشأت مؤخرًا أيضًا، وجدت في إحدى المدارس حديثة العهد التي زرتها قاعات كاملة خاوية، وحين سألت لماذا هي خاوية؟ أجابوني بأنهم لم يحصلوا على طاولات ورفوف أو كتب، ولذا فإنهم لا يستعملون هذه القاعات، إنَّ الازمة في ميزانيات المدارس في شرق القدس فظيعة، إذ لا تُرصد لهم الميزانيات كما هو الحال في المدارس الواقعة في غرب المدينة التي تتمتع بميزانيات تدير الدارس ذاتيًا،وإن لهذا الواقع إسقاطات بعيدة المدى،كما تلقينا طيلة الوقت شكاوى من المدارس في شرق القدس بشان عدم قدرتهم على دفع فاتورة الكهرباء، وكانوا يقطعون الكهرباء عنهم، ولم يستطيعوا تدفئة غرف التدريس، ووصلوا إلى وضع قطعوا عنهم الهاتف".

عقد من الوعود غير المتحقّقة

في أيار القادم يكون قد مر عقد من الزمان على المداولة القضائية، حين تعهدت السلطات مرة تلو الأخرى ببناء مئات غرف التدريس الجديدة في شرق القدس، بدأت هذه المداولة حين قرر ذوو (26) من الأطفال في شرق القدس، الذين لم يجدوا مكانًا لأولادهم في المدارس الحكومية التي تخضع لإدارة المديرية، طرح قضيتهم أمام محكمة العدل العليا وطلب المساندة لإحقاق حقهم في تعليم أولادهم في إطار الجهاز التربوي العام بالمجان، وبعد مضي شهرين على ذلك، قُدم التماس آخر، باسم أكثر من(900) ولد لم يجدوا مكانًا في المدارس الحكومية للتعلم في القدس الشرقية.

بعد انقضاء عقد من الزمان على تقديم هذه الالتماسات، قُدمت التماسات أخرى شبيهة، وعقدت عشرات المداولات بهذا الشأن، وحين قُدمت التماسات لأطفال بعينهم سارعت البلدية لإيجاد مقاعد دراسة لهم، ولكنها لم تتعامل بجدية مع المشاكل المبدئية للجهاز التعليمي ككل، وبادرت المحكمة في معرض التماسين إلى نقاش مبدئي وأصدرت قرارًا بالحكم يمنح الحجة المُلزمة لتعهدات "الدولة" ببناء مئات غرف التدريس الجديدة.

وقد لخصت المحامية"يهوديت كارف" التي شغلت- منصب قائم مقام المستشار القضائي للحكومة-، السطر الأخير للمداولات القضائية الطويلة، وذلك عبر مذكرة أرسلتها في شباط 2010 إلى المستشار القضائي للحكومة _يهودا فينشطاين_ والتي حملت العنوان "عدم انصياع الدولة لقرار حكم المحكمة"،
"إن إسقاطات الجهاز التربوي في شرق القدس تعتبر كارثية".

وأضافت: "يُحرم آلاف التلاميذ العرب في شرق القدس في جيل التعليم الإلزامي حتى السنة الحالية من التعليم الحكومي المجاني، ومن نافل القول الإشارة إلى الدلالات الهدامة لهذا الإهمال على السكان في القدس وهنالك شك إذا كان بالإمكان إعادة تأهيل ما قد دُمر".

ونشرت محكمة العدل العليا بعد مضي ثلاثة أشهر على تقديم الالتماس الأول، يوم 29 آب 2001، قرار حكم تبنت فيه غالبية طلبات وادعاءات الملتمسين، وأصر القضاة على حق الأولاد بالتعلم المجاني، ودونوا تعهد "الدولة" القاضي ببناء غرف تدريس.

وجاء في معرض قرار الحكم: "صرح المدعى عليهم أنهم يتبنون خطة متعددة السنوات (لأربع سنين) يتم بموجبها بناء(245) غرفة تدريس جديدة"، وبعد انقضاء مدة السنوات الأربع لإصدار قرار الحكم، وانقضاء موعد التعهد ببناء(245) غرفة تدريس، عاد الملتمسون في أيلول 2005 إلى المحكمة العليا وادعوا بأن التعهد لم ينفذ.

وأقر الممثلون من طرف المركز الجماهيري لتطوير بيت حنينا وجمعية "عير عميم"، بأن وزارة التربية والتعليم وبلدية القدس قد "احتقرا" قرار محكمة العدل العليا. وأقرت المحكمة بعد مضي شهرين بأنه "يتضح أن المدعى عليهم لم يفوا حتى اليوم بجميع تعهداتهم، وإن مشكلة غياب غرف التدريس تتفاقم، وذلك على الرغم من حقيقة إضافة بعض غرف التدريس".

ومنحت المحكمة فترة زمنية للمديرية لتقوم بإعداد "خطة عمل تهدف إلى زيادة عدد غرف التدريس" وألزمتها بإعداد "مسح احتياجات" حول عدد الأولاد في جيل التعليم الإلزامي في شرق القدس، وبعد أن لم يتطور أي شيء على هذين الصعيدين، قرر القضاة استدعاء المدير العام لوزارة التربية والتعليم ورئيس شعبة الميزانيات في وزارة المالية، والمدير العام لبلدية القدس، ورئيس المديرية، إلى جلسة في المحكمة، وكتب القضاة "إننا نفترض بأن هذه المجموعة تستطيع عرض بيانات وخطط فعلية أمامنا لحل المشكلة التي يشير إليها الملتمسون، والتي تحاول المحكمة منذ أكثر من ست سنوات التعاطي معها في إطار التداول القضائي الحالي".

وحين مثُل هؤلاء الموظفين الكبار أمام المحكمة في آذار 2007، قاموا بعرض خطة جديدة، يتعين بموجبها بناء الـ (245) غرفة تدريس حتى العام 2011، وإلى حين ذلك يتم إضافة بناء "(400) غرفة تدريس أخرى بتكلفة(400) مليون شاقل على مدار خمس سنوات، أي بناء(80)غرفة تدريس سنويًا".

ودوّن القضاة أمامهم هذا التعهد ببناء (645) غرفة تدريس وأعلموهم بأنهم سوف يعقدون جلسات دورية لفحص مدى تنفيذ هذه الخطّة.

وكتب مراقب "الدولة": "على مدار أكثر من أربع سنوات- منذ كانون الثاني 2004 وحتّى نيسان 2008 – لم تصدر المديرية أوامر تخطيط (لبناء غرف تدريس)،
يمكن الافتراض أنه بعد الانتهاء من المشاريع المخطّط لها وفق أوامر التخطيط القديمة – من كانون الثاني 2004 أو قبل ذلك – لن يتم بناء غرف تدريس جديدة على مدار بضع سنين".

يفرض قانون التعليم الإلزامي على دولة إسرائيل توفير خدمات تربوية لصالح جميع الأولاد الفلسطينيين في شرق القدس، بدءاً من جيل رياض الأطفال وانتهاءً بصف الثاني عشر، وتعترف وزارة التربية والتعليم وبلدية القدس بهذا الالتزام، كما قاما بتكراره في معرض المداولات القضائية المختلفة المتصلة بهذا الموضوع في العقد الأخير، كما كرر ذلك في الأشهر الأخيرة كل من وزير التربية والتعليم جدعون ساعر، ورئيس بلدية القدس نبر بريكت.

على الرغم من ذلك، تكشف لنا نظرة شاملة على سياسة وزارة التربية والتعليم وبلدية القدس بهذا الصدد، أن اعترافهما المبدئي بوجود هذا الالتزام لا يُترجم إلى سياسة تعمل على تحقيق هذا الالتزام بصورة فعلية.

ونجح الأولاد الفلسطينيون من شرق القدس، الذين التمس ذووهم إلى محكمة العدل العليا، فعلاً بالحصول على مقاعد دراسية بعد أن طلبوا مساندة المحكمة لتقوم الأخيرة بإلزام المديرية لتوفير مقاعد دراسية في الجهاز التربوي، إلا أن المديرية فضلت معالجة الحالات العينية التي تصل إلى طاولة المحكمة، وامتنعت عن بلورة سياسة شاملة تمنح الفرصة لتحقيق هذا الالتزام أمام السكان وعلى مدى طويل، فحتى تعهدها المحدود جدًا أمام المحكمة العليا نفذتها بصورة جزئية فقط، علمًا بأن كامل التعهدات حتى وإن نفذت فإنها لا تفي بالحاجة.

كتب مراقب "الدولة"، ميخا ليندنشطراوس في أيار 2009 ما يلي: "تكشف نتائج الفحص أنّ وزارة التربية والتعليم وبلدية القدس لا تقومان بواجبهما ولم تنجحا بتوفير غرف تدريس كافية في جهاز التعليم الحكومي لصالح السكان في شرق المدينة، ولم يعمل رؤساء وزارة التربية والتعليم والبلدية بجدية، كما كان ينبغي عليهم العمل، بغية إتاحة الفرصة أمام التلاميذ في شرق المدينة من اجل إحقاق حقهم لكونهم سكان دائمين في الدولة".

مرت نحو سنة ونصف منذ كتب مراقب "الدولة" هذه الكلمات، ولكن سياسة وزارة التربية والتعليم وبلدية القدس لم تتغير بعد، وكما جاء في معرض هذا التقرير، فإن النتائج وخيمة على أرض الواقع: آلاف الأطفال لا يتلقون التربية والتعليم، وأولئك الذين يفعلون ذلك يتلقون التربية والتعليم في غرف تدريس مكتظة ولا تلبي المعايير المعتمدة، وجودة التعليم بها متدنية، تصل نسبة التسرب من المدارس إلى نصف مجمل عدد التلاميذ، وقلة قليلة من خريجي هذه المدارس ينجحون بالوصول إلى معاهد التعليم العالي، إن تغييرًا حقيقيًا في السياسة إضافة إلى تخصيص الميزانيات الملائمة فقط من شأنهما أن يدفعوا باتجاه التغيير المأمول وتوفير مستقبل أفضل لأطفال القدس.