الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف
خبر عاجل
جيش الاحتلال يعتقل جهاد نواجعة رئيس مجلس قروي سوسيا بالخليل

خطوة روسيا اليوم وغدا

نشر بتاريخ: 02/12/2017 ( آخر تحديث: 02/12/2017 الساعة: 16:39 )

الكاتب: تحسين يقين

كفّ تدخل إسرائيل في الخلافات والنزاعات في هذه المنطقة أمر حكيم، لأن تدخلها يعقّد من الأمور، ويزيد الأزمة بدلا من حلها؛ فكيف الطريق إلى ذلك؟
مفتاح ذلك يأتي بلا شك من الدول الكبرى، واحدة أو أكثر، ولعلّ الدولة المهيأة لذلك اليوم هي روسيا، بدعم وإسناد دولي، إن تحلت تلك الدول بما يكفي من الحكمة اللازمة لإزالة أسباب النزاع.
وهذا يقتضي مبادرة تحفظ ماء الجميع، وتزيل أسباب الخوف والقلق، الذي يدفع بتحالفات تستفيد منها إسرائيل، التي تزداد قوة وعنادا، وبالتالي تطيل عم احتلالها.
بمعنى: إن أي جهد دولي تقوده روسيا، بما تملك من علاقات متوازنة، وعلاقات غير عدائية مع الأطراف، سيؤدي إلى المساهمة الجادة في حل القضية الفلسطينية. أما أن تطلق يد إسرائيل لتعلب سياسيا وعسكريا كأنها دولة عظمى فأمر غير مقبول. ولا يخدم حتى مستقبل إسرائيل.
أزعم أنها قادرة على الفعل، بالرغم من ثقل التاريخ الحديث والمعاصر، بما فيه من تفاهمات تخصها كدولة عظمى.
وهي بما تملك من مسافات نسبية بين دول الصراع، تستطيع تخفيف النزاع، على طريق إنهائه، لكن ذلك يحتاج أولا أن تعيد الدول نفسها الاعتبار لذاتها، وتفتح عقولها وصدورها.
لم أستطع التخلص من النظرة الرومانسية في حل الصراعات بين الأفراد والجماعات والدول؛ وبالرغم من محرك لغة المصالح، إلا أنه دوما هناك مجال لاحتواء هذه التناقضات، لأن النزاع مكلف من جهة، ولأن يمكن أن تربح الأطراف جميعها.
ما الذي يحدث هنا وهناك؟ أي جنون منفلت من عقاله وعقله؟
ما زلت أعتقد أن الدول العظمى، بما تملك من تاريخ عريق وحضارة، قادرة بحكمتها على عقلنة هذه النزاعات، والتي تدخل الدول في متاهات من التحالف والخسارة والقلق. وكان الأولى لو تم بحث ممكنات التعاون من أجل ربح الجميع.
هنا، في مكاننا هذا، المليء بالنزاعات، حتى تلك التي بين الأخوة، يخسر الجميع، الشعوب والحكومات، ولا ضمانة لأحد بالاحتفاظ بالتفوق. وحتى ولو ضمن ذلك لفترات طويلة، فلن يعني ذلك غير إحداث الألم للآخرين، الذين لا ذنب لهم وهم من يشكلون السواد الأعظم من البشر.
في توجهاتها الدولية، تؤكد روسيا على قيم إنسانية، على رأسها عدم فرض السياسات، وتميل الى دمقرطة العلاقات، واحترام خصوصيات الثقافات وبالطبع تحترم حق تقرير المصير. ما الذي يمكن أن يبنى على ذلك؟
لعلها كإحدى الاقتصاديات الصاعدة، بما حققت من تنمية ورفع معدل الدخل في بلادها، تأهلت منذ عقد ونصف كي تساهم في حل النزاعات الدولية.
وهنا، في منطقتنا العربية، فإنه بالرغم من صعوبة الحركة الروسية الفعلية، لأسباب لها علاقات بتفاهمات ما بعد الحرب العالمية الثانية، فيما يخص مناطق النفوذ، فإن هناك مجالا لحركة دولية أممية، تدفع بها روسيا، لإحداث ظروف لحل المشاكل، في ظل إرادات شعبية وحكومية تميل للحلول بعيدا عن العنف؛ لأنه في ظل هذه الفوضى، واللعب من تحت الطاولة، لن يكون أحد ضامنا لا لأمن بلاده ولا لأمنه الشخصي.
ونحن هنا، نعرف إمكانياتنا، وقدراتنا وقدرات الآخرين، ولا يمكننا أن نفرض على أحد شيئا، ولكن نستطيع من خلال الإنصات والإصغاء لأهدافنا اكتشاف عبثية هذه النزاعات، التي تجعلنا ندفع أثمانا غالية، من الأفضل توفيرها.
ندفع الكثير بدون ضرورة، فلا مانع أبدا أن نحافظ على المسافات بيننا من جهة، وبيننا وبين الآخرين من جهة أخرى. بل هناك سوابق عشناها كعرب، استطعنا فيها خلق علاقات ودية مع الدول الإقليمية والدولية.
لأدخل في الموضوع، على الأقل سأحاول!
لديّ افتراض، بالرغم من أية ارتباطات وتفاهمات بين الدول العظمى، بأن أي دولة عظمة تستطيع فعل اختراق ما في ملف التنازع، بما تملك من قدرات تؤهلها لطمأنة الأطراف.
شخصيا، لديّ شك فيما يظهر على السطح الإعلامي الدولي، لأنه كما أن هناك علنا، فإن هناك ما هو سريّ.
لا أحد يفرض على الدول العظمى سياساتها، لكن هناك إمكانية للتغيير، من منطلق قوة المنطق، واحترام الاتفاقيات والأخلاق الدولية.
لذلك، نتساءل، هل يمكن لروسيا كدولة عظمة طمأنة المملكة العربية السعودية بضمانها عدم اعتداء ينطلق من إيران، بما لدى روسيا من علاقات مع إيران؟ وإن تم ذلك، فإنه سيهدئ روع المنطقة، ويوفر الوقت والمال وراحة النفوس.
كذلك الحال في اليمن، وأماكن توتر أخرى. ما هو الممكن هنا؟
إن الممكن من العمل السياسي الدولي كثير، لكن ذلك يحتاج إلى جدية تنبع من أطراف النزاع.
هنا، يمكن إحداث اختراق، حيث سيصعب على الآخرين مناهضة هذا الفعل الدولي، أما المحصلة فستكون سلام للشعوب ولنظم الحكم.
ومما يساهم في ذلك، هو وجود هذه الدول في مجلس الأمن كأعضاء دائمين، من المفترض أنهم يشكلون قدوة في الحفاظ على السلم الدولي الذي قامت الأمم المتحدة لتحقيقه.
نتساءل، ونكرر في الوقت نفسه: هل يمكن؟
أظنه أنه يمكن، إذا صفت النوايا وانتصرت النظم للعقل، وتعاونت من أجل حل المشكلات، حيث أن حلها ممكن، وهو أفضل من استمرارها وتطورها.
وهنا، لا مانع من أن يستفيد الكل من الكل، ولا ما نع من ضمان مصالح الدول الكبيرة والصغيرة، لأن ضمان ذلك يشكل ضمانا للمستقبل، الذي ينشغل البشر فيه بالإبداع والإنتاج لا الخوف والقلق.
فهل يمكن أن تبادر روسيا إلى هذا الفعل، في مجال حل المشاكل بين إيران والمملكة العربية السعودية؟ وبين الشقاء في السعودية واليمن؟
في الملف الفلسطيني، روسيا تشكل ثقلا في اللجنة الرباعية، ونعرف توجهاتها في جمع الفلسطينيين لإنجاز المصالحة، ومحاولاتها جمع الفلسطينيين والإسرائيليين.
إن الممكنات موجودة ومشجعة، لكن المعيقات الكبرى تنبع منا هنا، أكثر من "الحركة السياسية في مناطق نفوذ الآخر"، فقد مرت عقود كثيرة وصار من اللازم تحرير الحاضر من الماضي.
ربما نكون نحن من يشكل المعيقات، لذلك فلعلنا نبدأ بأنفسنا ونخلصها من أزماتها.
إن النزاعات بين الدول، تؤدي إلى نزاعات داخلية، والعكس صحيح، بل لعل ذلك له علاقة بنزاعات داخل النفوس، ولا حاجة للتفسير، وهناك ما يثبت ذلك في الأزمنة والأمكنة.
وأخيرا، فإننا إن بادرنا الى إعادة الاعتبار لأنفسنا، وفكرنا بالصداقة والتعاون، فإنه سيمكننا أن نطور السؤال إلى مدى إمكانية أن تطمئن روسيا والولايات المتحدة هذه الدول.
إننا إن نجحنا في ذلك فسيكون ذلك بداية عودة الروح للمؤسسة الأممية.
وسيمكننا تحقيق ذلك من خلال صداقتنا السابقة والحالية مع الاتحاد الروسي، كفلسطينيين وكعرب.
إن ما يحدث هنا لمن العبث فعلا، فلا دولة هنا ستمحو الأخرى، لذلك من باب اولى أن نبقى مختفظين بأكبر قدر من قوانا.
عودا على بدء، ومع انتظار العالم لمبادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فيما يخص القضية الفلسطينية، لعل روسيا تبادر بفعل سياسي بدعم أممي وعالمي، كونها من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، لحل النزاعات هنا، بطمأنة المملكة العربية السعودية بالذات، بضمان روسي بعد الاعتداء، بل والعمل على تطبيع العلاقات السعودية-الإيرانية، وإيجاد حل مقبول في اليمن ليعودا سعيدا، باعتماد الديمقراطية وسيلة الوصول الى الحكم، والحكم من خلالها، فإن حدث ذلك، فسيتزامن السلام هناك مع السلام في سوريا.
في سياق ذلك كله، سيكون من الضروري البدء بتفاهمات أمريكية –روسية خارج نطاق التفاهمات الكلاسيكية حول مناطق النفوذ، لضمان مصالح الجميع هنا، وليس هذا بالأمر المستحيل إن صفت النوايا. ولعل أوروبا بالذات تساهم بردم الفجوة الحاصلة الآن بين القوتين العظميين.
ليست رومانسية، بل حقيقة واقعة: إن الأمن هنا شامل للجميع، وسنتعرض في غيابه جميعا للمشاكل والقلق والخوف.