الخميس: 03/07/2025 بتوقيت القدس الشريف

هل يوجد لدى السلطة الفلسطينية الحق في إصدار عملة ورقية أو معدنية خاصة بها.؟

نشر بتاريخ: 02/07/2025 ( آخر تحديث: 02/07/2025 الساعة: 20:15 )

الكاتب:

أ‌. اماني سعيد جوهر

تزايدت الأصوات التي تُنادي وتقترح على السلطة الفلسطينية اصدار عملة نقدية خاصة بها في ظل ما يُعانيه القطاع المالي والقطاع الاقتصادي من أزمات تتزايد يومًا بعد يوم وأهمها:

1- أزمة تكدس الشيكل وعدم موافقة إسرائيل على نقله للبنك المركزي لديها، أظهرت تقديرات سلطة النقد بشهر 5/2025 بوجود 3.8 مليار شيكل في مخازن البنوك الفلسطينية.

2- أزمة عدم تمديد الضمان القانوني الذي يحمي البنوك الإسرائيلية عند تعاملها مع البنوك الفلسطينية.

"الضمان القانوني": يعني إعفاء البنوك الإسرائيلية من المسؤولية القانونية في حال تعاملها مع البنوك الفلسطينية. ومن هذه التعاملات التحويلات المالية، المقاصة البنكية، وتسوية المعاملات المالية.

منذ تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994، بقي الحلم بإصدار عملة وطنية فلسطينية يراوح مكانه، ليس بسبب نقص الإرادة فقط، بل بسبب قيود قانونية فرضها بروتوكول باريس الاقتصادي الذي يُعد الإطار المرجعي للعلاقات المالية بين فلسطين وإسرائيل. فكيف حكم هذا البروتوكول على السيادة النقدية الفلسطينية بالإعدام؟

القيد الأكبر: المادة 4(10) من بروتوكول باريس الاقتصادي

ينص الملحق الرابع للبروتوكول (المتعلق بالشؤون النقدية) في المادة 4(10): ونصها

" لا يحق للسلطة الفلسطينية إصدار عملة ورقية أو معدنية كعملة قانونية" (الترجمة العربية الرسمية للبروتوكول).

النص الأصلي باللغة الإنجليزية.

"The Palestinian Authority will not have the power to issue bank notes or coin currency as legal tender."

1. (المادة 4(1)) العملات المتداولة: يُسمح للسلطة الفلسطينية باستخدام عدة عملات كعملة قانونية للتداول في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي:

o الشيكل الجديد الإسرائيلي (NIS): وهو العملة السائدة والأساسية.

o الدينار الأردني (JD).

o العملات المعدنية الإسرائيلية والأردنية والفلسطينية المتداولة قانوناً في الضفة الغربية وقطاع غزة قبل تاريخ توقيع هذا البروتوكول. هذا يشير إلى العملات المعدنية الأردنية القديمة والإسرائيلية، وليس إلى أي عملة فلسطينية جديدة.

2. النظام النقدي الحالي: لدى السلطة الفلسطينية سلطة نقدية محدودة جداً، تركز بشكل أساسي على تنظيم القطاع المصرفي تحت إشراف سلطة النقد الفلسطينية، لكن دون القدرة على إصدار عملة ذات سيادة أو تحديد سياسة نقدية مستقلة (مثل أسعار الفائدة).

رغم القيود، توجد محاولات لتقويض هيمنة البروتوكول والذي يحدث كل 5 سنوات واخر تحديث له كان عام (2018). لكن العقبة الأكبر تبقى السياسية: إسرائيل تُشترط موافقتها لأي تعديل، وهو ما يُعد مستحيلاً تحت موازين القوى الحالية.

رغم كل الدعوات والمقترحات الرامية إلى كسر التبعية النقدية لإسرائيل وفك الارتباط الاقتصادي في وضع تهيمن فيه عملة الشيكل بما نسبته 87% من التداول في السوق المحلي حسب بيانات سلطة النقد لعام 2024 يظل الحق القانوني لإصدار عملة فلسطينية ورقية أو معدنية مُصادَرًا بموجب المادة 4(10) من بروتوكول باريس. هذه ليست مجرد قيود تقنية، بل ضربة لصميم السيادة الفلسطينية.

الأزمتان الراهنتان – تكدس 3.8 مليار شيكل وانتهاء الضمان القانوني للتعاملات المصرفية مع إسرائيل – ليستا سوى نتائج اقتصاد مُكبَّل بقيود اتفاقٍ لم يُعد يعكس واقعًا تغيرَ على الأرض، خاصة بعد الاعتراف الدولي بفلسطين كدولة كاملة العضوية.

المخرج لا يكمن في انتظار تعديل البروتوكول (الذي تشترط إسرائيل موافقتَها عليه)، بل في اختراقه عبر آليات ذكية منها:

• تطوير عملة رقمية سيادية لتجاوز حظر الإصدار الورقي.

• تفعيل نظام مقاصة بديل مع الأردن والدول العربية.

• تحويل أزمة التكدس إلى فرصة لإنشاء صندوق سيادي لإدارة الفائض النقدي.

"غياب العملة الوطنية ليس عجزًا ماليًّا فحسب، بل علامة على استمرار الاحتلال بثوبه الاقتصادي. التحدي اليوم ليس في الجدوى الفنية – فهي ممكنة – بل في تحويل الإرادة السياسية إلى فعل ملموس على ارض الواقع.