الخميس: 03/07/2025 بتوقيت القدس الشريف

ما بعد الحُلم: نحو تأسيس مقومات الوجود الفلسطيني في زمن التحولات

نشر بتاريخ: 02/07/2025 ( آخر تحديث: 02/07/2025 الساعة: 10:50 )

الكاتب:

د. أنس صلاحات

ظلّ حلم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة هدفًا وطنيًا ساميًا منذ عقود، شكّل وجدان الشعب الفلسطيني ورسم ملامح نضاله السياسي والحقوقي في مختلف المحافل. لكن في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية الراهنة، لم يعد التمسك بهذا الحلم وحده كافيًا، بل بات من الضروري إعادة النظر في الأولويات الفلسطينية، بحيث لا يكون "أمل الدولة" غاية مجردة، بل مشروعًا واقعيًا يرتكز إلى مقدرات وجود متينة، وإلى قدرة عملية على حماية ما تحقق، مهما كان ضئيلاً، من منجزات سياسية وميدانية ومجتمعية.

زمن التحولات والتراجعات

يشهد العالم لحظة سياسية معقدة وغير مسبوقة: تراجع الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية، صعود تحالفات إقليمية جديدة لا تضع فلسطين ضمن أولوياتها، وتغوّل السياسات الإسرائيلية في الأرض والإنسان، وصولًا إلى التهديد العلني بإفشال أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. وفي ظل هذه التحولات، لم يعد هناك من ترف سياسي يمكن الرهان عليه، بل أصبح البقاء الفلسطيني في ذاته فعل مقاومة، تتطلب عقلانية استراتيجية لا تكتفي بالخطابات أو العواطف.

من الحُلم إلى أدوات الحماية والبقاء

إن فكرة الدولة كحلم لا يجب أن تُهمل، ولكن من الخطر أن تتحول إلى فخ انتظار دائم. فالدولة ليست قرارًا يُمنح، بل كيان يُبنى على أسس واضحة: مؤسسات فاعلة، اقتصاد مقاوم، وحدة وطنية متينة، وشرعية سياسية وشعبية. لذا، فإن الأولوية اليوم ينبغي أن تُعطى لما يلي:

1. تثبيت الوجود الفلسطيني في الأرض عبر دعم صمود المواطنين، ووقف نزيف التهجير الداخلي والخارجي.

2. إعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني على قاعدة الشراكة والتمثيل الحقيقي، بما يتجاوز حالة الانقسام السياسي.

3. تمكين المجتمع الفلسطيني من خلال الاستثمار في التعليم، والاقتصاد المحلي، والعدالة الاجتماعية، بما يعزز من قدرته على التحمل والمواجهة.

4. تعزيز الحضور الفلسطيني الدولي ليس فقط من خلال رفع الشعارات، بل عبر العمل القانوني والدبلوماسي الرسمي والشعبي المنهجي.

المطلوب: نهج جديد لا يدير الأزمة بل يؤسس للحل

لم يعد مقبولًا أن يبقى الخطاب الفلسطيني الرسمي حبيس الإدانة والتشخيص. إن ما نحتاجه اليوم هو قيادة فلسطينية تعترف بعمق الأزمة، وتتحرك بعقلية التأسيس لا البكاء على الأطلال. فالحفاظ على ما أُنجز، ولو كان هشًا، هو مقدمة لبناء ما يمكن إنجازه مستقبلاً. ومراكمة القوة الذاتية في كل المجالات، بما فيها الثقافة والسياسة والمقاومة المدنية، هي طريق فرض الوجود الفلسطيني لا استجدائه.

فلسطين باقية رغم كل شيء

رغم التحديات، تبقى فلسطين حاضرة في الضمير العالمي، وفي قلوب أبنائها المنتشرين في كل بقاع الأرض. لكن هذه الرمزية لن تكون كافية ما لم تتحول إلى فعل عملي يؤسس لوجود سياسي واجتماعي واقتصادي مستدام. علينا أن ننتقل من الحلم إلى العمل، ومن الخطاب إلى البناء، ومن الانتظار إلى المبادرة. فالدولة لا تُمنح، بل تُؤسس، وتُفرض على أرض الواقع