الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

قطع الرواتب عن غزة والسياقات التي يأتي فيها

نشر بتاريخ: 21/05/2018 ( آخر تحديث: 21/05/2018 الساعة: 22:47 )

الكاتب: عوني المشني

لنسأل بشكل رسمي لماذا تقطع الرواتب عن غزة ؟؟؟؟
الإجابة كالتالي :
وزارة المالية ؛ خلل فني
مجلس الوزراء : تاخير غير متعمد
اللجنة التنفيذية يوجد قرار بصرف الرواتب
اللجنة المركزية لحركة فتح تقرر صرف الرواتب وستنفذ الحكومة
الرئيس : ستتصرف غدا ولا احد يعاقب شعبه
ولم تصرف الرواتب
تعود لتسأل بعيدا عن الاعلام واذا ما توفرت الثقة تتلقى اجابات مختلفة
وزارة المالية : لا يوجد تعليمات من الرئيس
مجلس الوزراء : لا يوجد تعليمات من الرئيس بالصرف
اللجنة التنفيذية : الرئيس لا يريد ان يصرف
اللجنة المركزية : الرئيس لا يريد ان يصرف
الرئيس : .......................” كانك مفيش "
هذا يعني ببساطة ان الرئيس ، والرئيس فقط ، هو من اوقف صرف الرواتب ، ومصر على استمرار ايقافها ، ولا يستطيع احد من القيادات او الاطر او مثقفي البلاط ان يناقش الرئيس في ذلك .
الرئيس يوقف صرف رواتب غزة ، ولا يتحمل مسئولية شيئ فيها ، ولكن الرئيس لا يعطي تفسيرا لذلك
هذا هو المعطى الاساسي الذي يفترض نقاشه .
هذا هو الموضوع الذي يعرفه الجميع ويصمتون عنه .
السؤال : ماذا يعني ذلك ؟؟!!!!!
هذا الوضع له اكثر من دلالة ومن الأهمية التوقف عندها بكل صراحة ووضوح
اولا : لا يوجد اي قيمة تذكر لقرارات المؤسسات الفلسطينية القيادية ، اللجنة التنفيذية ، اللجنة المركزية ، الحكومة ، المجلس الوطني ، المجلس المركزي ، لا قيمة ولا دور لهم في القرار ، الرئيس يقرر فقط ، وقراره فقط ينفذ ، وكل ما عدا ذلك ديكور لتعزيز شرعيته لا اكثر ، كل ما عدا ذلك دمى على مسرح الدمى وهو الذي يحرك الخيوط ، كل المؤسسات تلك مقتنعة بصرف الرواتب باستثناء الرئيس ، ولكن قرار الرئيس هو الذي يجد طريقا للتنفيذ ، هذه الحقيقة تعني انه لا قيمة لأي تغيير في تلك المؤسسات او انتخابات او تجدي ، كل الانتخابات والتغييرات هنا تجري لاغيتين فقط الاولى والاهم هو اخراج من يختلف او من لا يرضى عنه الرئيس من تلك المؤسسات وادخال اخرين اكثر انضباطا للرئيس ، والغاية الثانية تجدي. شرعيات ضرورية لاستمرار تحكم الرئيس بالوضع .
ثانيا : لانعاش الذاكرة قليلا ، الانتخابات التي سبقت نجاح حماس جرت بطلب واصرار امريكي ، وكان هذا مطلبا امريكيا ملحا ، أغلبية أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح رفضوا الانتخابات وطالبو تأجيلها ، فأصر الرئيس على الانتخابات وكان له ما أراد رغم معارضة أغلبية كبيرة من أعضاء اللجنة المركزية ، نجحت حماس باغلبية مقنعة ، كان من الممكن تشكيل حكومة وحدة وطنية ، رفض الرئيس ذلك ، وأعطيت حماس حق تشكيل الحكومة ، شكلت الحكومة ولم تتمكن من الحكم ، هذا كان واضحا ولا يحتاج لكثير من التاكيد ، من جهة ثانية كانت عين حماس ليست على الحكومة فقط بل على كل السلطة ، كان الصدام تحصيل حاصل افهميني متناقضين : جهة نجحت ولم تتمكن من الحكم ، وجهة فشلت ولم تسلم الحكم ، والصدام هنا سعى اليه " البعض " في الفريقين عن سبق اصرار وترصد ، وكان كل الحكايك من بدايتها مقدمات لنتيجة يفترض ان تحدث وهي الانقسام ، بمعنى ان الانقسام لم يكن " حادث مؤسف " بل كان نتيجة مؤكدة لتطورات مخطط لها . ما علاقة ذلك بموضوعنا ؟؟؟؟ العلاقة ان الانقسام مخطط له واستمراره مخطط له وتحويل الانقسام من انقسام سياسي بين فتح وحماس الى انقسام جغرافي بين غزة والضفة مخطط له ، وان تقاسم السلطة بين غزة والضفة مخطط له لتصبح لدينا قيادات مناطقية وليست وطنية ، وان التعاطي مع القضية الفلسطينية كمناطق وتجمعات مخطط له .
ثالثا : لننعش الذاكرة ايضا اكثر ، جرى في السنوات السابق عمل ممنهج لإعادة ترتيب الوضع الفلسطيني ، تقاعد العسكريين ، المؤتمرين السادس والسابع لحركة فتح ، المجلس الوطني الفلسطيني ، مجمل تلك الترتيبات قادت الى الوضع التالي : اجهزة أمنية بعقيدة أمنية تقوم على ان حماس هي العدو الاساسي وليس اسرائيل ، استبعاد الشتات من منظمة التحرير حيث جرى ذلك بشكل واضح ، اعادة ترتيب منهج في سياق التماهي والتكيف مع الوضع القائم ، واستبعاد كامل للشتات ، تكريس استبعاد غزة بشكل او باخر ولكن بالتدريج . هذا الوضع جعل الضفة الغربية الصورة الواضحة في اعادة الترتيب ، بالمقابل حالة غزة نفس الوضع تكرست فيها غزة وبما لا يترك مكان لأي تجمع فلسطيني فيها ، عمليا يجري تقسيم الوطن الى تجمعات مناطقية وترسيخ ذلك كأمر واقع وبموافقة ضمنية من القوى التي تقود كلا المنطقتين ، وهنا لا يهم الخطاب الإعلامي لهما والذي يتحدث كثيرا عن المصالحة بينما واقعيا وعمليا يتم تكريس الانقسام .
رابعا : حتى الانقسام الجغرافي يمكن ان لا يشكل قضية خطيرة لو كانت الوحدة المعنوية والهوية الجمعية للشعب الفلسطيني قوية وفاعلة ، فمنذ سبعون عاما والشعب الفلسطيني مجزأ جغرافيا ، الاخطر ان الهوية المجتمعية التي كرستها منظمة التحرير الفلسطينية تجري هذه الايام عمليات عميقة لإعادة تشكيلها لتفقد تلك الخاصية التي ميزتها كعنوان للوحدة الجمعية وكوطن معنوي للشعب الفلسطيني ، في البداية جرى استبعاد فاروق القدومي وهو الوحيد الذي بقي في اللجنة التنفيذية من الشتات ، جرى بعدها اعادة تشكيل اللجنة التنفيذية على " قد أيد الرئيس " ، بالمجلس الوطني الحالي جرى أمرين مهمين ، الاول صوت المجلس على إعطاء صلاحياته للمجلس المركزي ، وهذا امر قد يشكل نهاية للمجلس الوطني على المدى المتوسط ، وثانيا جرى تكريس اللجنة التنفيذية من داخل الوطن واستبعاد الشتات ، وهذا يشكل ضربة قاضية للتمثيل الوطني العام ، وجرى اعادة تشكيل وقولبة المجلس المركزي وفق هذين هاتين القضيتين ، هذا طبعا الى تكريس عقد المجلس في الضفة ودون إنهاء الانقسام لنصبح بذلك امام كارثة وطنية تهدد الهوية الجمعية للشعب الفلسطيني .
خامسا : كل تلك الخطوات لا سياق سياسي يجمعها ، وبالتالي صعب فهمها في سياق محدد ، لكن ان تأتي صفقة القرن وكأنها تترجم هذه الخطوات وتضعها في سياق سياسي فذلك هو الخطر الحقيقي ، وكأن صفقة القرن لا تطرح رؤيا جديدة بقدر ما تستجمع ما تم عمله على الارض وتضعه في سياق سياسي ، يعني صفقة القرن ليست مقدمة لتصفية القضية بل هي تستجمع ما تم لتصفية القضية وتضعه في كنتيجة مكثفة سياسيا . نحن امام مشهد فيه من التعقيد الكثير .
قد يقول قائل انه تحليل ينطلق من نظرية المؤامرة ، والذي يغفل بعض الحقائق ويضع الاخرين في دائرة الريبة والشك بدون معطيات ، هذا صحيح ، لكن الصحيح ايضا ان كل ما ذكر من معطيات لا يوجد تفسير منطقي له ، لم يقدم احدا تفسيرا له علاقة بالمنطق او بالمصلحة الوطنية لكل ما يحصل ، واذا ما وضعت كل تلك المعطيات في سياق تحليلي ستقودك مرغما الى ما وصلنا اليه ، فعندما تفتقد الاحداث مبرراتها وتاتي خارج اي سياق منطقي فإنها حتما تكون احد أمرين : أمما انها ممارسة خاطئة ، او انها تخدم طرفا اخر ليس في واجهة الحدث ، اما كونها خطأ فذلك منطق سقط مبكرا عندما تم الإصرار عليه والتواصل في العمل به رغم ان كل الشواهد تنطق بعدم جدواه . فالخطأ يجري تصحيحه عن اكتشاف عدم جدواه اما بعد اكتشاف ذلك ويتم الاستمرار فيه فذلك يعبر على انه فعل يمارس بمعرفة مسبقة بنتائجه . هذا يقودنا الى الاحتمال الثاني وهو نظرية المؤامرة كنتيجة لا مفر منها .
امام هذا الوضع فان الشعب الفلسطيني وعبر طلائعه الثقافية والاجتماعية لا بد وان يشكل رؤيا تستند الى ابجديات القضية الوطنية التي تشكل بوصلة تحدد مساره .
السؤال كيف يتم ذلك ؟!!!
الجواب موضوع اخر يحتاج لمساحة اكبر وتحليل بمنهجية مختلفة ، وله مقلا مختلفا .