الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

المناصرة حاور الشاعر العراقي البياتي في 1965

نشر بتاريخ: 27/07/2018 ( آخر تحديث: 27/07/2018 الساعة: 12:28 )
المناصرة حاور الشاعر العراقي البياتي في 1965
القدس - معا - حاول الشاعر والناقد والمفكر والاديب الفلسطيني الكبير عز الدين المناصرة الشاعر العراقي عبدالوهاب البياتي في القاهرة في العام 1965، لمجلة الأفق الجديد، القدس، فلسطين، العدد الحادي عشر.
وفيما يلي نص الحوار بعد 53 عاما...
• ما رأيك في أن تستهل هذا اللقاء بأن تقدم لقراء (الأفق الجديد)، نبذة سريعة عن حياتك؟
عبدالوهاب: ولدت في بغداد في 19 كانون الأول سنة 1926، وتخرجت من دار المعلمين العليا في بغداد سنة 1949، ثم عملت مدرساً، فمديراً للتأليف والنشر في وزارة المعارف. وفي سنة 1959 عينت ملحقاً ثقافياً للعراق قي موسكو، ثم فصلت من عملي، وأخذت أتنقل في الأقطار العربية، وأخيراً أتيت إلى الجمهورية العربية المتحدة في شهر آب 1964، وما زلت فيها.

• متى بدأت كتابة الشعر، وما هي دواوينك، وهل لك أن تسمعنا بعض شعرك في مرحلته الأولى؟
عبدالوهاب: كتبت الشعر عام 1944 على وجه التقريب. وكان شعري عمودياً، واسم مجموعتي الأولى (ملائكة وشياطين) 1951: وتحتوي على ثلاث قصائد من الشعر الحر، وهذه أبيات كتبتها في بداياتي، من قصيدة قديمة:
هبطت بصحرائي، فقلت حمامة عادت مع الليل الحزين لوكرها
حتى إذا علمتها لغة الهوى وأغثت ملهوف الحنين بصدرها
طارت بأجنحة السراب وخلفت صحرائي الظمأى،تلوب بأسرها
أما دواويني، فهي على الترتيب الزمني: ملائكة وشياطين 1951، المجد للأطفال والزيتون 1956، أشعار في المنفى 1957، عشرون قصيدة من برلين 1959، وكلمات لا تموت 1960، النار والكلمات 1964. أما كتبي الأدبية، فهي: 1. رسالة إلى ناظم حكمت. 2. إيلوار شاعر الحب والحرية. 3. لويس أراغون، شاعر المقاومة. 4. محاكمة في نيسابور (مسرحية نثرية) 1963.

• ما هي مشاريعك الأدبية المقبلة؟
عبدالوهاب: هناك ثلاثة دواوين، أعدها حالياً للطبع، وهي: 1. أغنية إلى يافا وقصائد أخرى. 2. قصائد. 3. عذاب الحلاج. وديوان أغنية إلى يافا، يتضمن 31 قصيدة عن النكبة.

• ما دمت قد ذكرت فلسطين، فما رأيك في شعر وشعراء النكبة، وما أحب الفصائد التي كتبتها عن فلسطين إلى نفسك؟
عبدالوهاب: زرت معظم مدن فلسطين قديماً، ثم رأيت مخيمات اللاجئين، وقد تأثرت بالنكبة، وكتبت قصائد: الملجأ العشرون، أسلاك شائكة، المجد للأطفال والزيتون، العودة، العرب واللاجئون، لماذا نحن في المنفى. ومن شعراء النكبة الذين قرأت لهم: معين بسيسو، حسن النجمي، فدوى طوقان، هارون هاشم رشيد، أبو سلمى، يوسف الخطيب. ومن قصاصي النكبة قرأت: غسان كنفاني، سميرة عزام، لكن "الغنائية" كانت تطغى على إنتاج بعض الشعراء، ولم يتناولوا الأجزاء الصغيرة والتفاصيل لإعطاء رؤية للقضية، وهذا يقع على عاتق الشعراء الشباب والشيوخ في آن معاً وأنا منهم.

• هل يستطيع الأديب العربي أن يعيش من أدبه؟
عبدالوهاب: لم يحصل ذلك إلا في ظروف استثنائية، والأدباء الذين عاشوا من نتاجهم هم: يعدون على الأصابع كالعقاد، وطه حسين، والحكيم، فقط.

• ما هو الجو الذي تنظم فيه الشعر، وما أحب الأوقات لديك؟
عبدالوهاب: عندما تختمر القصيدة في ذهني، أستطيع كتابتها في أي وقت. لكن أحب الأوقات إلي، هو ما بعد منتصف الليل وأخصب الفصول هو الشتاء.

• هل هناك علاقة بين الفن والأخلاق؟
عبدالوهاب: هنالك أخلاق خاصة بالفن، تختلف عن مفهوم الخلق الاجتماعي. والشاعر حر في التعبير عما يريد. في كاقة مجالات الحياة، والمهم أن يعيش الكاتب أو الشاعر أفكاره وتجاربه أولاً.

• ما رأيك في قضية استخدام الرمز والأسطورة في القصيدة العربية الحديثة؟
عبدالوهاب: لست ضد استخدام الرموز والأساطير في الشعر، لكنني أشترط أن يكون هنالك انفعال حقيقي، وأن لا يسقط الشاعر، الواقع المعيش، على الرمز أو الأسطورة، التي يستخدمها، فأنا لا أومن بالفن المجرد.

• وقصيدة النثر؟
عبدالوهاب: لا أتوقع لها مستقبلاً ما، فالموسيقى الشعرية من أسس الشعر الحقيقي.

• ألا يمكن أن يتعايش الشعر العمودي، والشعر الحر؟ هناك من يقول: إن الشعر الحديث مطلسم، وغير مفهوم.
عبدالوهاب: هذا غير صحيح، فقد ألقيت في مهرجانات وأمام جماهير، فلقي شعري استجابة. القضية تتعلق بثقافة المتلقي، وأنا أستطيع أن آتي بنماذج، من شعر المتنبي، مطلسمة لا يفهمها إلا خاصة المثقفين، وليس هذا ذنب الشعر الحر، بقدر ما هو ذنب متلقيه، لأن الشعر لون من الثقافة.

• هل يصل الشعر العربي الحديث إلى المستوى العالمي؟
عبدالوهاب: كل عصر من العصور تسوده روح معينة، وقيم معينة. وفي الأزمنة القديمة، حيث كان ينعدم أو يكاد ينعدم التلاقي بين الثقافات، كانت هذه الروح مجزأة أو متفاوتة، أما في عصرناهذا فقد زالت التجزئة الثقافية، وسادت لغة واحدة مشتركة (ولا أعني باللغة هنا الكلمات من حيث هي ألفاظ، بل النظرة والرؤيا)، والشعر العربي الحديث بحكم تأثره بثقافات قديمة وحديثة وصل إلى المستوى العالمي المعاصر، من حيث غنى مضامينه وأشكاله.

• أنت شاعر مجدد شكلاً ومضموناً. ألا ذكرت لنا بعض أسباب التجديد؟
عبدالوهاب:
1. الشكل القديم، لم يعد قادراً على التعبير عن مواضيع الحياة الجديدة.
2. يضفي الشكل القديم على الموضوع طابعاً غنائياً.
3. الشكل الحديث يساعد الشاعر على ملامسة جوهر القضية التي يتناولها.
4. الجديد أقدر على تناول المسائل اليومية.
5. الشكل الحديث يمنح الشاعر قدرة على استخدام اللغة بشكل حي وبمفهوم بلاغي جديد، يختلف عن المفهوم اللاغي القديم للغة. أي أن الشاعر يستخدم شكلاً جديداً أشبه بـ(اللغة المحكية).
6. الشكل الحديث، منح الشاعر العربي، مضموناً متفاعلاً مع التقدم الحضاري العالمي.
7. ليس للفن، أشكال مسبقة. الأدوات المستعملة تبنثق من حاجات العصر.
8. يتخلص الشاعر في الشكل الجديد من كثير من الحشو والزخارف اللفظية، التي كان يذهب إليها الشاعر القديم، لتغطية تفعيلات البيت المتساوية العدد.
9. الشكل الحديث، يمنح القصيدة، نوعاً من الموسيقى الخارجية العصرية، التي تكسر رتابة الشكل القديم، كما أن الجديد يمنح القصيدة، موسيقى داخلية متناسقة مع حركة النفس.
10. لم تعد الكلمة في الجديد، غاية، وإنما وسيلة وغاية معاً.

• أنت متهم بالتناقض في مواقفك السياسية، وبأن هذاالتناقض طبع شعرك بطابعه، كما يقولون.
عبدالوهاب: لا تناقض هنالك، أنا تقدمي، ولكنني في الوقت نفسه، إنسان.

• يتهم البعض قصيدتك "المدينة" بمخالفة الشريعة، ولا سيما حين تقول "رأيت الإله على المقصلة"!!، كما قالت إحدى المجلات.
عبدالوهاب: أنا أقصد في هذه القصيدة تصوير المجتمع العربي، الذي تنعدم فيه القيم الروحية، فأنا إذن أوري واقع هذا المجتمع، وأنا أومن بالله أكثر من كثيرين، ممن يتشدقون بإيمانهم... لا يمكننا أن ننكر القيم الروحية في حياتنا..

• هل لك أن تحدثنا عن الإطار العائلي، واللغات التي تجيدها؟
عبدالوهاب: أنا أتكلم الإنجليزية والفرنسية والروسية. متزوج ولي أربعة أطفال، هم: سعد وعلي وأسماء ونادية.

• هلا أسمعتنا آخر ما كتبت ؟
عبدالوهاب: آخر قصيدة كتبتها، عنوانها: "الوحدة"، ولم تنشر بعد، ومنها: كقطرة المطر... لا تحزني... سأشتري غداً لك القمر... ونجمة الضحى... وبستاناً من الزهر... غداً إذا عدت من السفر... غداً إذا أورق في ضلوعي الحجر... لكنني اليوم وحيد، آه يا حبيبي... كقطرة المطر.

_____________
• مجلة الأفق الجديد، القدس، فلسطين، العدد الحادي عشر، عام 1965.