الأربعاء: 24/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

القانون بالقانون والقومية بالقومية ونحن أولى

نشر بتاريخ: 04/09/2018 ( آخر تحديث: 04/09/2018 الساعة: 17:40 )

الكاتب: د.معتز قفيشة

عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية وأستاذ القانون الدولي المشارك- جامعة الخليل
كرد على قانون القومية الإسرائيلي الذي أصدره الكنيست في تموز/ يوليو 2018، والذي اعتبر أي يهودي في العالم ذو حق بالمواطنة الإسرائيلية؛ تقترح هذه الورقة أن تصدر دولة فلسطين قانون للجنسية الفلسطينية تعتبر فيه أي شخص من أصول فلسطينية ذو حق بأن يكون مواطنا لدولة فلسطين. تتأسس هذه الورقة القصيرة على بحث مفصل قام به الكاتب وسيتم نشره باللغة الإنجليزية في العدد 20 من الكتاب السنوي للقانون الإسلامي وقانون الشرق الأوسط (2019) الذي ينشره في لاهاي الناشر الدولي بريل.
بادئ ذي بدء، لا بد من الإشارة إلى أن قانون القومية الإسرائيلي "الجديد" ما هو إلا استمرار للسياسة الصهيونية التي وضعها هيرتزل في كتابه الدولة اليهودية عام 1896، وأقرها مؤتمر بازل عام 1897، وتم تجديدها في وعد بالفور عام 1917، اتفاقية سيفر بين الحلفاء والدولة العثمانية عام 1920، انتداب فلسطين الصادر عن عصبة الأمم عام 1922، مرسوم الجنسية الفلسطينية الذي تبناه البرلمان البريطاني وأصدره ملك بريطانيا بناء على توصية الحركة الصهيونية عام 1925، قانون المهاجرة الذي وضعه المندوب السامي عام 1925، مقترح التقسيم البريطاني عام 1937، قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947، قانون العودة لإسرائيل عام 1950، قانون الجنسية الإسرائيلية عام 1952، اتفاق كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1978، اتفاق أوسلو عامي 1993-1995، إعلان ترمب بشأن القدس عام 2017. المشهد واحد والأشكال متعددة! لذلك فالسياسة الإسرائيلية الصهيونية هي واضحة في طريقها ولا يوقفها شيء؛ ونحن الفلسطينيون أولى بأن تكون طريقنا أوضح، خاصة أنها طريق قائمة على أساس الحق الأخلاقي والإنساني الذي يدعمه القانون الدولي بشكل مباشر. لكننا لم نستخدم القانون الدولي بشكل يخدم مصالحنا ويحفظ حقوقنا لأكثر من قرن من الزمان وتركنا قضيتنا رهينة للتقلبات السياسية وتكتيكات ومصالح الدول الكبرى وأمزجة الأنظمة العربية. الآن حان الوقت لأخذ العبرة من ماضينا ومن سياسات الصهيونية وأن نشق طريقنا بأنفسنا.

تتمثل معالم قانون الجنسية الفلسطينية المقترح بما يلي:
أولا- اعتبار كل شخص، ذكرا أم أنثى، كان له الحق بالحصول على الجنسية الفلسطينية بعد انفصال فلسطين عن الدولة العثمانية عشية الاحتلال البريطاني لفلسطين عام ١٩١٧ شخصا يحق له أن يكون مواطنا في دولة فلسطين. يشمل هذا كل من حصل على الجنسية الفلسطينية فعلا بموجب مرسوم الجنسية الفلسطينية (1925) أو بموجب أي أساس قانوني محلي آخر (سواء في العهد الأردني في الضفة أو تحت الإدارة المصرية في غزة أو خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي)، أو كان له الحق بتلك الجنسية لكنه حرم منها لأي سبب.

ثانيا- يعتبر قانون الجنسية الفلسطينية أبناء وبنات وأزواج وزوجات الأشخاص المذكورين في البند السابق فلسطينيين ويحق لهم التقدم بطلب للحصول على الجنسية الفلسطينية.

ثالثا- يصدر قانون الجنسية الفلسطينية إما عن الرئيس محمود عباس بصفته رئيسا لدولة فلسطين أو عن المجلس الوطني الفلسطيني أو عن المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية.

رابعا- يتيح هذا القانون الحق بالحصول على الجنسية الفلسطينية لكنه لا يفرضها. فمن يرغب من أصحاب الحق بالتقدم للجنسية فسيتم قبول طلبه بعد التحقق من فلسطينيته. من لا يرغب من أصحاب الحق لأي سبب، مثل الخوف من فقدان جنسيته الأخرى أو إقامته في بلد ما أو صفة اللجوء لدى دولة ما؛ فسيتم معاملته معاملة الفلسطيني عندما يأتي لدولة فلسطين أو في العلاقة من السلطات الفلسطينية في الخارج، ويحق له بشكل خاص أن يشارك في الانتخابات الفلسطينية والتوظف باسم فلسطين في المؤسسات الفلسطينية والدولية، مثل السفارات الفلسطينية أو المنظمات الدولية التي توظف فلسطينيين كخبراء أو قضاة أو مسؤولين.

خامسا- تصدر منظمة التحرير الفلسطينية جواز سفر للمواطنين الفلسطينيين للاستخدام خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة. يصدر الجواز باسم دولة فلسطين ودون التنسيق مع إسرائيل، لكن بالتفاهم مع مختلف دول العالم. لا ينبغي الخلط بين جواز السفر الصادر عن السلطة الفلسطينية، وهو من مفرزات اتفاقية أوسلو ومحصور بفلسطينيي الضفة وغزة وتسيطر عليه إسرائيل فعليا، مع فكرة الجواز الجديد. جواز السلطة خاص بالدخول والخروج من وإلى الضفة وغزة؛ أما الجواز الجديد فهو للسفر خارج هاتين المنطقتين. سيفيد هذا الجواز في تزويد الفلسطيني بوثيقة تثبت صفته الفلسطينية، ويحل محل أي وثيقة أخرى.

سادسا- يتم استخدام كافة وسائل الإثبات للبرهنة على الصفة الفلسطينية للشخص عندما يتقدم بطلب للحصول على الجنسية الفلسطينية. من هذه الوسائل، جوازات السفر العثمانية والجوازات الفلسطينية الصادرة في حقبة الانتداب البريطاني أو جوازات السفر الصادرة عن الأردن في عهد حكم الضفة الغربية؛ سواء الجوازات الخاصة بنفس الشخص المتقدم للجنسية الفلسطينية أو الخاصة بأي من والديه أو أجداده أو جداته أو من سبقهم. كما يمكن استخدام وثيقة تسجيل اللاجىء سواء الصادرة عن الأونروا أو مفوضية الأمم المتحدة للاجئين أو أي دولة تعترف بوضع اللاجىء الفلسطيني فيها؛ وكذا وثائق السفر الصادرة للاجئين الفلسطينيين من أي دولة في العالم، ومثلها شهادات الميلاد ووثائق الملكية والإقامة وحتى شهادة الشهود.

سابعا- يتم، بموجب قانون الجنسية، إنشاء هيئة مستقلة في فلسطين تكون تختص بمنح الجنسية الفلسطينية للأشخاص الذين لهم الحق بها ويتم منحها صلاحيات بموجب القانون وميزانية كافية وعدد مؤهل من الموظفين الذين يتم تدريبهم لهذا الغرض. تقوم السفارات والممثليات الفلسطينية في الخارج بتعيين أشخاص مهمتهم العمل على منح الجنسية الفلسطينية لمستحقيها من مقدمي الطلبات. ويتم وضع الأنظمة والإجراءات والنماذج المطلوبة لمنح الجنسية من قبل الهيئة.

ثامنا- يحق لمن يرفض طلبه التظلم، أولا، لدى الهيئة المستقلة التي سيتم إنشاؤها. في حال رفض طلبه يمكن التوجه لمحكمة العدل العليا الفلسطينية التي ستنتدب قضاة مختصين ومدربين على موضوع الجنسية.

تاسعا- لن يؤثر منح الجنسية الفلسطينية بموجب هذا القانون، كما قد يتخوف البعض، على الحقوق المكتسبة للفلسطينيين في أي مكان في العالم، سواء على فلسطينيي إسرائيل أو على فلسطينيي القدس الشرفية أو على وضع اللاجئين الفلسطينيين في أي دولة عربية أو غيرها، كون الحصول على الجنسية الفلسطينية أمر اختياري بناء على طلب المتقدم. كما لن يؤثر هذا القانون، ومنح الجنسية بموجبه، على حق العودة لأن هذا الحق هو حق فردي قائم على أسس ثابته في القانون الدولي، منها القانون العرفي وقانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني وقانون اللاجئين والقانون الطبيعي وقوانين الجنسية المقارنة وقرارات الأمم المتحدة. فلم يخسر، من الناحية القانونية، أي فلسطيني حق العودة لمجرد حصوله على جنسية أو جنسيات أخرى؛ والحقيقة أن معظم الفلسطينيين في العالم قد حصلوا على جنسيات دول مختلفة ولم يفقدوا حقهم بالعودة.

عاشرا- سيحافظ هذا القانون والجنسية وجوازات السفر الصادرة بموجبه على الصفة الفلسطينية للأشخاص المستفيدين منه ويحصن تلك الصفة من الاندثار مهما طال الزمن، حتى لو بعد مرور عشرات أو مئات السنين. ومهما تعاقبت الأجيال.