الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

اسقاط الطائرة الروسية في سوريا... الأسباب والتداعيات

نشر بتاريخ: 23/09/2018 ( آخر تحديث: 23/09/2018 الساعة: 11:01 )

الكاتب: راتب عمرو

لقد اجتمع في حادث إسقاط الدفاعات الجوّية السورية للطائرة الروسية "إيل 20"، ومقتل الضباط والخبراء الروس الذين كانوا على متنها وعددهم 15، الكثير من المفارقات السياسية والعسكرية المثيرة للجدل.
أول هذه المفارقات، هو أن سقوط الطائرة الروسية حصل خلال غارات جوّية إسرائيلية على مواقع عسكرية، قيل إن إيران تستخدمها لتزويد حزب الله اللبناني بالسلاح، وعلى الرغم من أن إطلاق صواريخ منظومة الدفاع الجوّي السوري كانت بإتجاه الطائرات الأسرائيلية، التي إخترقت المجال الجوي السوري، لصد الهجوم على المواقع المحسوبة على إيران، إلا أن الصواريخ السورية أصابت الطائرة الروسية الصديقة، الأمر الذي فاجأ الجميع.
وبغض النظر عن التصريحات الروسية المتضاربة، وبعيداً عن المجاملات، ومن خلال التحليل العسكري والاستراتيجي المحايد، فإن وراء الأكمة ما وراءها، حيث أن الذي حدث هو ضعف فني وإحترافي وإستخباراتي فاضح لدى منظومة الدفاع الجوى السوري، من خلال عدم قدرتها على تتبع مسار الطائرات الاسرائيلية، بشكل يتناسب مع إسلوب المناورة والاحتراف والخدعة الذكية التي لجأت اليها، والتي إستغلت تحليق الطائرة الروسية في الأجواء السورية، وعملت على التخفي وراء تلك الطائرة، وهذا ما أكده الروس والرئيس "بوتن" شخصياً في أول تصريح له عقب سقوط الطائرة، وقبل أن يتراجع عن ذلك في تصريح لاحق.
وإذا صحت الرواية الروسية الأولى فإن الطائرات الأسرائيلية وفي محاولة ذكية لتجنب الصواريخ السورية، نجحت في إحداث حالة من الإرباك أدى الى إسقاط الطائرة الروسية، التي تحمل خبراء عسكريين وأجهزة تجسس هامة على دول حلف الأطلسي، ودول المنطقة ومن بينها إسرائيل، الأمر الذي يضع إسرائيل أمام إتهام واضح، على الرغم من أنها لم تسقط الطائرة الروسية بشكل مباشر.
وهنا فإننا نقول أن سلاح الجو الاسرائيلي ومن خلال استعراض الوقائع التي حدثت، يتمتع بقدرات فائقة في المناورة والاحتراف والتخفي والتضليل، فاقت ربما القدرات الروسية في هذا المجال، أقلها في هذه الواقعة بالتحديد، وساهم ذلك بشكل واضح في خلق حالة إرباك في المجال الجوي السوري، سواء لمنظومة الدفاع الجوي السوري، أو حتى للرادارات الروسية المتقدمة، وحتى للطيار الروسي الذي أُسقطت طائرته، كل ذلك أدى الى إسقاط الطائرة الروسية المتطورة 
كل ذلك وضع الدولة الروسية العظيمة بقدراتها وإمكاناتها العسكرية والاستخباراتية والفنية أمام إختبار صعب، وأمام إرباك دائم غير مسبوق منذ نشأتها، ومنذ أن قررت الدخول الى الساحة السورية، كمنقذ أو مدافع أو مساند للنظام، وأن هذا الواقع يتلخص في أنها أدخلت نفسها في ورطة، ليس فقط في مواجهة المنظمات الاسلامية المتطرفة، وتحديداً تلك المحسوبة على الولايات المتحدة الأميركية، وأمام إيران الطامعة في سوريا، وأمام تركيا التي تتقاطع مصالحها في كثير من الأحيان مع المصالح الروسية.
لكن الورطة الحقيقية هي أن روسيا وضعت نفسها أمام الدولة العبرية، التي ورغم اللقاءات المتعددة بين القيادات لكلا البلدين، إلا انها وجدت نفسها أمام حالة من المراوغة والتضليل والخداع والتميز والخبرة، فهي وكما يقول المثل العربي "كبالع الموس"، فهي من جهة لا تستطيع مد الحبل على طوله لاسرائيل، تلك القوة المتاخمة على الحدود السورية والطامعة في الابقاء على النظام السوري ضعيفا مهزوماً، والساحة السورية خالية من أي قوى تدعم النظام وتحسن وضعه السياسي والعسكري والأمني، تحت ذريعة أمنها ومصالحها الاستراتيجية، لتكون قادرة على تمرير صفقة الجولان السوري المحتل، والابقاء على نفوذها المطلق في المنطقة العربية والشرق أوسطية.
ومن جهة أخرى فإن روسيا بدهاء قيادتها وتميزها لا تريد إستعداء إسرائيل، حتى لا يتقاطع ذلك مع مصالحها في المنطقة، وحتى لا تتعرض علاقتها مع العملاق الأميركي الى درجة التوتر والاستنفار، ولهذا فإن المجاملات الروسية والاسرائيلية ورغم كل أساليب الضحك على الذقون التي تمارسها كل من روسيا وإسرائيل على بعضهما البعض لن تطول كثيراً، خاصة وأن الوجود الروسي في سوريا لم يُخطط له ليكون مؤقتاً أو مرحلياً، بل هو وجود دائم مرتبط ليس فقط بالرغبة السورية وبقاء الأسد في سدة الحكم، بل مرتبط بالمصالح الروسية وتموضعها على السواحل الشرقية للبحر المتوسط، وهذه المصالح لم ولن تكون أقل من أنها مصالح دائمة، ما دامت روسيا تحتل المركز الأول في التصدي للنفوذ الأميركي وأطماعه في المنطقة العربية والشرق اوسطية.

مؤسس ومدير مركز الأفق للدراسات الاستراتيجية
عمان – الأردن